العدد 174 - الأربعاء 26 فبراير 2003م الموافق 24 ذي الحجة 1423هـ

مشكلات التغطية الإعلامية للحرب

رقابة على شبكات التلفزة وتقارير المراسلين

روبرت فيسك comments [at] alwasatnews.com

أبدت الصحافة الأميركية، من قبل، موافقتها على تغطية أخبار القوات الأميركية التي تنوي وزارة الدفاع لدى الولايات المتحدة السماح بها لمراسليها في الحرب الخليجية المقبلة. وسيتم دمج مراسلين من شبكات التلفزة (CNN) و(CBC) و«نيويورك تايمز» في قوات المارينز وقوات المشاة الأميركية. لم تحدّد بعد درجة التغطية بدقة ولكن ذلك لا يهم كثيرا ما إذا كانت البنتاغون ستستقطع من رسائل الصحافيين. إذ يشير نظام جديد للشبكة الاخبارية (سي إن إن) «لاعتماد النصوص المكتوبة» - عبارة عن تعليمات جائرة للمراسلين بأن يبعثوا بنسخ إلى مسئولين مجهولين في اتلانتا للتأكد من أنها صحيحة - انه ليس لدى البنتاغون ووزارة الخارجية الأميركية ما تخشاه وحتى الاسرائيليون.

في الواقع، قراءة الوثيقة الجديدة «مفكرة سياسة اعتماد النص» تحبس الأنفاس بكل معنى الكلمة. تشير الوثيقة «على جميع المراسلين الذين يقومون بتجهيز النصوص المكتوبة أن يبعثوا بها إلى مكتب تصديق النصوص»... «ربما لا تحرر الطرود حتى تعتمد النصوص...». يجب ان تأتي كل الطرود المرسلة من خارج واشنطن أو لوس انجليس أو نيويورك بما في ذلك كل المكاتب الدولية، إلى الصف في أتلانتا للتصديق عليها من قبل المحررين الذين يصرون على تغيير أو «موازنات» في رسائل الصحافيين. وتمضي الوثيقة موضحة «أن النص لا يتم اعتماده للبث على الهواء ما لم يتم التوقيع على صحته بواسطة مدير مخوّل وينسخ». عندما يتم تجهيز النص يجب اعادة اعتماده بشكل أفضل من سلطة التصديق الأولية». يلاحظ هنا الكلمات الرئيسية «تصديق» و«سلطة مخولة». ربما يعلم مراسل أو مراسلة (سي إن إن) في الكويت أو بغداد - أو القدس أو رام الله - خلفية عن خبره أو خبرها.

في الواقع، ربما يعرفون الرسالة أكثر من «السلطات» في أتلانتا، ولكن رؤساء شبكة (سي إن إن) هم الذين يقررون تمرير الرسالة أو عدم تمريرها.

طبعا ليست (سي إن إن) وحدها في هذا النوع الارتيابي من التغطية. إذ تعمل شبكات التلفزة الأميركية الأخرى بالمثل ضد الأنظمة الصحافية. إنه ليس خطأ المراسلين، إذ ربما تستخدم فرق (سي إن إن) صيغا مبتذلة وترتدي الزي العسكري - سترونهم يفعلون ذلك في الحرب المقبلة - ولكنهم يحاولون اخراج شيء من الحقيقة في رسائلهم. على رغم، في المرة المقبلة، سيكون لدى المراسلين قليل من الفرص للوفاء بذلك.

ما يقود إليه هذا النظام المؤسف واضح من خلال التبادل الخادع العام الماضي بين مراسل (سي إن إن) في مدينة الضفة الغربية المحتلة رام الله ومسئول كبير في (سي إن إن) في أتلانتا.

كان الاعتراض الأول في تلك القصة من المراسل مايكل هولمز عن سائقي اسعاف الصليب الأحمر الذين ذكر أنه أطلقت النار عليهم بواسطة القوات الإسرائيلية. «خاطرنا بحياتنا ورافقنا سائقي الاسعاف... اليوم بأكمله. وشاهدنا أيضا اطلاق النار على اسعاف من مكتبنا بواسطة الجنود الإسرائيليين...». تم اعتماد هذا الخبر بواسطة مايك شولدر. وأرسل الخبر مرتين ثم ألغاه المسئول التنفيذي لـ «سي. إن. إن، ريك ديفيز أخيرا».

كان السبب أنهم لم يحصلوا على رد الجيش الإسرائيلي، على رغم أن المراسل ذكر في الخبر أن «إسرائيل» تعتقد أن الفلسطينيين يهرّبون الأسلحة والمطلوبين في سيارات الإسعاف.

ورفض الإسرائيليون اجراء مقابلة مع (سي إن إن)، فقط أعطوها بيانا مكتوبا ثم كتب هذا البيان بدوره وفقا لنص (سي إن إن). ومرة أخرى تم رفضه من قبل ديفيز في أتلانتا. وبعد ثلاثة أيام، عندما سمح الجيش الإسرائيلي فقط بمقابلة مع سي. إن. إن تم تمرير خبر المراسل مايكل هولمز - ولكن مع إضافة مغلوطة لسطر ينص على أنه اطلقت النار على الاسعاف في «تبادل للنيران» أي أن الفلسطينيين أطلقوا النار على اسعافهم الخاص بهم.

إذا احتجاج المراسل كان واضحا للغاية «منذ ذلك الوقت أصبح خبرنا رهين لرغبات الحكومات والجيوش. فقد أخبرنا بواسطة ريك ديفيز إذا لم نحصل على مقابلة مع إسرائيلي يجب ألا نبث الخبر. وهذا يعني أن الحكومات والجيوش هي التي تراقبنا بطريقة غير مباشرة وأننا ندور مباشرة في فلكها». وستكون هناك علاقة واضحة لهذا بما سيحدث في الحرب المقبلة في الخليج.

سنشاهد ضابطا في الجيش الأميركي ينكر كل شيء يقوله العراقيون إذا تم بث أي تقرير من بغداد عبر الهواء. نأخذ مثالا على شكاوى مراسل رام الله العام الماضي. في رسالة عن تدمير رام الله بعد هجوم ضخم لـ «إسرائيل» في إبريل/ نيسان الماضي «فقد ذكرنا بوضوح أعلى الخبر أن «إسرائيل» تقول إنها قامت بكل هذا الهجوم لأنها ترغب في تدمير البنية التحتية للارهاب. ولكن من الواضح أن ذلك غير كاف. فقد أخبرنا بواسطة المحررين في أتلانتا بتكرار هذه العبارة ثلاث مرات في الخبر الواحد من أجل التأكد من تبرير العمليات الإسرائيلية». ولكن نظام «الموافقة على النصوص» المرافق لتغطية (سي إن إن) هو الأسوأ. في رسالة مشؤومة أكثر مؤرخة بتاريخ 31 يناير/كانون الثاني الماضي أخبر موظفو (سي إن إن) أن نظام كمبيوتر جديد لاعتماد النص سيسمح للمخولين بالتصديق بتصحيح النصوص (التقارير) بطريقة مثلى واضحة. المخرجون التنفيذيون للنصوص سيضغطون على زر الاعتماد الملون ليتحول من اللون الأحمر (غير معتمد) إلى اللون الأخضر (معتمد). وعندما يحدث شخص ما تغييرا في النص أو الخبر بعد اعتماده فإن الزر سيتحول إلى اللون الأصفر. شخص ما؟ من هذا الشخص؟ لم يخبر مراسلو (سي إن إن) به. ولكن عندما نتذكر أداء (سي إن إن) بعد حرب الخليج في العام 1991 وانها سمحت «لمتدربي» البنتاغون بالجلوس في غرفة أخبارها في أتلانتا، تصبح لديّ شكوكي الخاصة

العدد 174 - الأربعاء 26 فبراير 2003م الموافق 24 ذي الحجة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً