العدد 1739 - الأحد 10 يونيو 2007م الموافق 24 جمادى الأولى 1428هـ

المالكية... ما أشبه الليلة بالبارحة!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

إذا كان التاريخ يعيد نفسه مرة كل عدّة قرون، فإن المالكية تعيد طرح نفسها كل عامين، فما أشبه الليلة بالبارحة! ففي العام 2005، وفي 26 مايو/ أيار تحديدا، نشرت «الوسط» مانشيتا عن متنفذٍ يبني سورا طوله 2.5 كم داخل بحر المالكية، وبعد يومين نشرت خبر اعتصام أهاليها ومطالبتهم بحماية ساحلهم.

في الأوّل من يونيو/ حزيران، أُعلن عن تشكيل لجنة تحقيق في جدار العزل العنصري، وبعد ثلاثة أيام زار وزير البلديات المالكية، وفي اليوم الخامس أعلنت الوزارة عجزها كجهةٍ تنفيذيةٍ عن وقف الاعتداء الصارخ على القانون، بل إنه في اليوم التالي أعلن عن اكتمال بناء الجدار والبدء بأعمال الخرسانة. وفي يوم 9 يونيو أعلن عن مهلة أسبوعين لإزالة الجدار، ولكن صاحب الجدار أعلن اليوم التالي تحدّيه للقانون وواصل البناء! فاللعبة تحوّلت إلى صراع إرادات، والتصحيح لم يكن ليأتي إلاّ بحكم القضاء أو بتدخل القيادة السياسية العليا لإنقاذ الموقف.

في 14 يونيو أُعلن أن الجدار في طريقه إلى الزوال بعد تدخل عاهل البلاد وإصداره قرارا بذلك، وفي اليوم التالي شرعت الرافعة بإزالة جدار «الفصل الطبقي». وفي 6 يوليو، أزيل ما تبقى منه، وشاهد الرأي العام صور أهالي المالكية وهم يرفعون أعلام البحرين إعلانا بانتصار القانون. مسلسلٌ تابعه البحرينيون يوما بيوم على مدى شهر ونصف، وخاضت الصحافة الوطنية المسئولة هذه المعركة العادلة كطرف فاعل، جنبا إلى جنب مع فعاليات المجتمع المدني والجمعيات السياسية والبيئية، فضلا عن أهالي قرية المالكية. والسؤال: ماذا تغيّر في المشهد العام في المالكية؟

عامان مرا على هذه الواقعة، التي دخلت تاريخ البحرين السياسي، باعتبارها فصلا من فصول الصراع الاجتماعي، يعبّر عن صراع الإرادات واختلاف المصالح بين قلةٍ متنفذةٍ، وبين عامّة أبناء الشعب من فقراء وعاملين وكادحين وشرفاء ومثقفين وأصحاب رأي.

ساحل المالكية (أو ما تبقّى منه)، لا يزيد على بضع مئات من الأمتار، وهو من الصغر بحيث لا يتسع حتى لإقامة صالةٍ رياضيةٍ صغيرة الحجم، ولكنه أصبح ساحة مواجهةٍ مكشوفةٍ بين إرادتين: إرادة ترى نفسها فوق القانون والدستور والقضاء... وفوق المؤسسات الرسمية والدستورية؛ وإرادة تحلم بسيادة حكم القانون على الجميع، وحفظ المصالح العامة للناس واحترام كراماتهم .

قبل عامين، بدأت حركة التصحيح سلمية، واعتورتها مناوشات ومصادمات، ودفع الأهالي وقوات الأمن معا ثمن تلك التجاوزات، حين وُضعت قوات الأمن درعا لحماية الجدار غير القانوني باسم «الدفاع عن أملاك خاصة»، وفي المقابل أصيب عددٌ من المتظاهرين، بعد أن اندفع بعضهم لتحطيم الجدار.

اليوم تعود المالكية إلى الواجهة من جديد، والسيناريو نفسه يتكرّر: احتجاجات أهلية سلمية، ضد الحظور بدل جدار الفصل الطبقي، ترتفع وتيرة الخطاب، تحدث مناوشات، ويندفع بعض الشباب للتعبير عن غضبهم بأعمال قد تسيء إلى قضيتهم العادلة، قوات الأمن تقتحم الميدان، «فنحن مكلفون بقمع أية تحركات ضد الحظور» كما قال أحد الضباط، وتبدأ بإمطار المنطقة بالغازات المسيلة للدموع. مسلسلٌ أعمى من الأفعال والأفعال المضادة، والعنف والعنف المضاد، والجراحات التي تلحق بالنفوس.

بالأمس وُضعت قوات الأمن للدفاع عن «جدار غير قانوني» لمدة شهر ونصف، واليوم تُوضع للدفاع عن «حظور غير قانونية». ومازلت أتذكّر صورة بعض الشباب الغاضبين وهم يحملون مطرقة حديد كبيرة لتهديم الجدار، ولكنهم لم ينجحوا في عمل غير ثغرةٍ صغيرةٍ، وما كانت كل مطارق البحرين كفيلة بإزالته لولا تمسك الأهالي بمطرقتين: الحركة السلمية وقوة الحق، فهما المطرقتان اللتان حولتا الجدار الظالم إلى حطام.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1739 - الأحد 10 يونيو 2007م الموافق 24 جمادى الأولى 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً