العدد 1737 - الجمعة 08 يونيو 2007م الموافق 22 جمادى الأولى 1428هـ

مطلوب تقارير عن النواب!

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

تتناقل محطات ووسائل الإعلام المختلفة في المنطقة نبأ الإعلان عن إصدار تقرير يحتوي أدلة تثبت تورط 30 نائبا كويتيا من أصل خمسين في قضايا فساد متنوعة تتضمن استغلال النفوذ العام للمصلحة الخاصة، حيث أصدر التقرير مؤسسة «نحو أداء برلماني متميز» غير الحكومية، والتي تترأسها عائشة الرشيد التي ذكرت لوسائل الإعلام أن من بين تلك القضايا التي تورط فيها النواب هو التدخل واستغلال النفوذ للإفراج عن متهمين بالاغتصاب والمخدرات، ومن المؤمل أن يتم رفع وتسليم هذا التقرير إلى أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح للاطلاع عليه في وقت قريب من قبل المؤسسة ذاتها. وقد لا يحتاج الأمر إلى اختلاف وجدال بشأن ما يشكله إصدار هذا التقرير الراصد والمراقب والمحاسب بسلاح الحجة والدليل للنواب من قبل إحدى منظمات المجتمع المدني الكويتي من أهمية كبرى، وما يشكله من خطوة إيجابية ملموسة نحو تفعيل مبدأ محاسبة ومراقبة منظمات المجتمع المدني للنواب وأدائهم البرلماني في إحدى أكثر الدول العربية والخليجية تألقا ديمقراطيا، والتي تتميز صحافتها حسب المؤشرات الدولية بكونها الأكثر تحررا في المنطقة! كما أن إصدار تقرير رقابي يرصد العمل البرلماني من قبل منظمة من منظمات المجتمع المدني هو إفراز إنزيمي طبيعي ضمن عملية حيوية يقوم بها المجتمع المدني في دولة ديمقراطية نامية أو متقدمة، إذ يكون المجتمع المدني بكامل منظماته ومؤسساته وأحزابه هو الأصل والمنبثق الأساس الذي تنشأ من أضلاعه هياكل الدولة وأبنيتها التنفيذية!

وهو ربما يكون أمرا مختلفا وشأنا متباينا في ما يرتبط بأحوال وصروف دول لم تطبع بعد علاقاتها المؤسساتية مع مجتمعاتها، أو أنها تكون قد سلطت على مجتمعاتها نفرا من الجن المؤسساتي أو شبكات «الغونغو» لأجل مسه وتقمصه عسى أن ينطق من وحي روحها ومصالحها، و للأخيرة تنظيماتها التشطيرية ومراكزها الحقوقية، بالإضافة إلى بياناتها وتقاريرها الصادرة منها، وأيضا الصادرة عنها والراصدة والمجسدة لحسن سير وسلوك أفرادها وأعيانها!

في حين أرى بأننا كمواطنين بحاجة ماسة إلى تقارير رقابية عالية المهنية والاحترافية تراقب الأداء البرلماني للنواب من مختلف الكتل والانتماءات، وتعين نقاط القوة والضعف، كما أنها ترصد مختلف قضايا الفساد واستغلال النفوذ العام لتحقيق مصالح خاصة التي قد يتورط فيها نواب الشعب، والذي يشير إلى أنهم قد خانوا الثقة والأمانة، ولم يحترموا الإرادة الانتخابية التي أوصلتهم إلى كرسي المسئولية والتكليف العام.

ومثل تلك التقارير الحاملة لهم شرعية المساءلة والمسئولية الشعبية الوطنية ينبغي أن تصدر من قبل منظمات مدنية مستقلة لا تخضع لنفوذ الجمعيات السياسية وحساباتها، وأرى أنها قد لا تتعطل في أن تجد ضالتها حالما ترى إثراء طاغيا غير مشروع وقد ساد الجموح البرلماني الفتي حينما يلمح المواطن نائبا يذكر قبلها بحالته المتواضعة وسيارته «الكرمبع»، وقد أصبح خلسة في عداد الأثرياء و»المليونيرية»!

أو أن تقع على كتلة تستخدم نفوذها النيابي العام في تمرير قوائم التوظيف الفئوية التي لا تحمل في ذلك من قبس الوحي الإلهي والسنة النبوية والعقلانية البشرية أي هدي أو إلهام، أو اصطياد فضائح رشاوى تستهدف شراء المواقف والأصوات النيابية ومساومات لا تحمل الخير إلا لفئة صغيرة من الانتفاعيين والانتهازيين في الوطن!

وأرى أن الحاجة إلى مثل تلك التقارير، والتي يعدها مراقبون من منظمات المجتمع المدني عن النواب وأدائهم البرلماني ومدى التزامهم بمعايير الشفافية، قد تتعزز بوجود أمثال بعض النواب الذين يرون أن اختلاط نبيذ السياسي برحيق الديني راهنا يمنحهم الفرصة في أن يكونوا بمأمن من أعين الرقابة وأسئلة المحاسبة الشعبية، فاستهدافهم بات في نظرهم كاستهداف السماء التي لا يعلو عليها شيء عسى أن تتاح لهم الفرصة لنسج المزيد من شبكات المصالح الفئوية الفاسدة مع المؤسسات في الدولة وللدخول في موضوعات المساومة النيابية الفئوية على مناصب عليا! كما أنها قد تربك وتزعج نوابا لكونها تفرض عليهم طوقا من الرقابة، وتضعهم تحت مرمى المساءلة الشعبية والوطنية المشروعة، وهم الذين استاءوا بالأمس من تحسين أوضاعهم، وزيادة صلاحياتهم التشريعية الضرورية عبر اقتراح مبدئي لتعديلات دستورية طفيفة، فلا غرو أن ينزعجوا بحصرهم ومراقبتهم ومحاسبتهم الواجبة!

فكم هو غريب أمر هؤلاء النواب الذين لا يبدو غالبيتهم بوارد الاستعداد للإفصاح عن رصيده المالي قبل دخول البرلمان ومن بعده أسوة بما فعل مرشحو القائمة الوطنية للتغيير «وعد» الذين أبدوا استعدادهم لكشف ذمتهم المالية أمام الجميع في موقف مشرف قل وجوده؟! هل سيطبق نواب الشعب قانون الذمة المالية ومبدأ «من أين لك هذا» على أنفسهم عسى أن يكونوا أسوة حسنة لغيرهم، وبالتالي يتم تطبيقه على الجميع؟!

وإن دلفنا إلى ناحية المشهد السياسي المحلي والصدمة الشعبية التي هندستها ذكرى وفاجعة يوم الغياب والمرض النيابي الكبير، أو بحسب تعبير الزميل محمد العثمان «يوم الهروب السياسي الكبير» ، فإننا نرى النواب قد تسببوا بتحطيم آمال الشعب في تحقيق مطالبه الوطنية المشروعة وحلحلة قضاياه الضرورية المتراكمة تاريخيا، فهاهم النواب الذين سبق وأن تعذروا بمحدودية الصلاحيات التشريعية وتواضعها هم أنفسهم أول الرافسين والرافضين سياسيا لتقبل المشاركة في هذه الفرصة الاحتفالية التاريخية للإجماع على تعديلات دستورية طفيفة تكفل لهم تحسين وضعهم البرلماني المهني لا المادي أولا من حيث السلطة والصلاحية حتى يتسنى لهم أن يحسنوا وضع الشعب المعيشي والمواطني تاليا!، وهم المتراجعون سياسيا (باستثناء المرضى أساسا) من مواجهة يوم المحك وساحة إثبات جدية الذات البرلمانية، وساعة الاختبار لحسم الاختيار بين شراك أمور عائلية وشخصية وعالم مفتوح على التحديات والشئون والمصالح العامة التي وضع النواب أنفسهم في سبيل التعامل معها وحلها ونصرتها والتوفيق بينها!

وحتى نكون أكثر دقة واستيعابا لمفاصل المشهد السياسي البرلماني يمكن القول إنه أخذا بعوامل التغيب والمرض وحتى عوامل الهروب السياسية المعلنة وغير المعلنة تظل مسألة نواب «ضغطة زر» هي ذاتها لم تتغير، وإن تغيرت الوجوه والأشكال والألوان فسبحان ربي خالقها!

إن ما يخشاه المواطن الواعي هو تغول ذلك الوجود لحيز غالب من قوى الموالاة الذي سيتم تحريك عناصره وأدواته البرلمانية في سلسلة خداع بصري بين غائب وحاضر في الأيام البرلمانية المقبلة مع الحفاظ على كلمة الفصل العليا في إسقاط التعديلات الدستورية وما سواها من قضايا أساسية، ومواصلة الحفاظ على عباءة الخيبة ذاتها التي اعتاد الشعب ارتداءها في مقام نواب «ما سووا شي» ولا «بيسوون شي»!

بل هم بتراجعهم السياسي غير المستحق عن المواجهة يعطون المبرر الشرعي الواقعي مرة أخرى لقوى المعارضة المقاطعة، ومن يتحالف معها للاعتزاز بمقاطعتها لهذه التجربة البرلمانية العقيمة التي تحرق الأرصدة الشعبية، وتشنق المطالب الوطنية، ولا تحقق شيئا سوى الوجاهة الشخصية والثراء السريع!

ولأجل التصدي لكل أشكال انعدام الجدية البرلمانية وغياب النية والإرادة لإصلاح الوضع الحالي، والتنكر للمطالب الوطنية الشعبية إلا من داعٍ لمولد وانبثاق آليات شعبية تحاسب النواب، وتراقب أدائهم لحفظ الصالح العام، وتردع المتسلقين والملمعين اصطناعيا بخدمات الصحافة المدفوعة الأجر والأجل؟! وهل من تقارير موضوعية تعدها منظمات المجتمع المدني لمحاسبة النواب؟!

لا ننسى أنه في البحرين قد يكون من حق «الضب» و»اللوهة» وغزال البرية و»الشرياص» و»الطرثوث» و»أبوالنفيخ» محاسبة النائب وكتابة التقارير بشأنه إذا ما اعتبروا جميعا ناخبين، فكيف بحق المواطن ابن «الدائرة الانتخابية» وابن الوطن؟!

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 1737 - الجمعة 08 يونيو 2007م الموافق 22 جمادى الأولى 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً