المقصود بالعمل الأسود هو ذلك العمل الذي يؤديه صاحبه من دون أي سجل رسمي. ومنذ عشرات السنين، تدور مناقشات حامية الوطيس حول ظاهرة تطور العمل الأسود أو السري وانعكاساته على المجتمع. فمن وجهة نظر السلطات، يمثل التوظيف غير المشروع للعمال، مصدرا للكثير من المشكلات، مثل تهديد الحماية التي يتمتع بها العمال والإضرار بالمنافسة في عدد من القطاعات الاقتصادية وخسارة نسبة من المداخيل الضريبية. أما بالنسبة إلى آخرين، يُعد العمل الأسود أو السري طريقة للإفلات من الالتزامات المبالغ فيها والمُكلِفة، المفروضة من طرف المؤسسات العمومية والبيروقراطية، إضافة إلى أنها وسيلة لتحسين مستوى العيش. وعلى رغم السجالات الكثيرة، التي أدلى فيها كل طرف بحُجَجه المعارضة أو المؤيدة لهذا الشكل من الاقتصاد المخفي، فإن العمل الأسود أو السري يظل ظاهرة مجهولة إلى حدٍّ بعيد، مثلما تؤكّد ذلك كتابات الكثير من المتخصصين في هذا المجال.ويرى الخبراء أن أسبابا مختلفة تقف وراء انتشار تلك الظاهرة، من أهمها التعقيدات الإدارية في الحصول على تصاريح العمل للأجانب، وارتفاع معدلات الرسوم التي يجب على صاحب العمل تسديدها للتأمينات الاجتماعية، أما العمال أنفسهم فيلجأون إلى العمل بشكل غير قانوني تهربا من سداد الضرائب المستحقة عليهم.
وقد يتبادر إلى الذهن أن غالبية من يعملون في «الأسود» - بحسب التعبير الشعبي المتداول لهذه الظاهرة - هم من الأجانب، إلا أن الواقع أثبت العكس إذ تشير الإحصاءات إلى أن الغالبية من السويسريين. وفي بعض الدول مثل سويسرا يواجه المخالفون عقوبات مشددة، تشمل الاستبعاد من المشاركة في المناقصات العمومية وخفض المعونات العمومية. إضافة إلى ذلك، ينص القانون على فرض غرامات مرتفعة جدا (تصل في بعض الأحيان إلى مليون فرنك) وعقوبات بالسجن (تصل إلى 5 أعوام).
ويوازي حجم الثروة الناجمة من الاقتصاد المخفي في سويسرا نحو 8.2 في المئة من إجمالي الناتج الداخلي (بحسب معطيات شنايدر، توقعات العام 2007). وتبلغ النسبة في اليونان 25.1 في المئة، وفي إيطاليا 22.3 في المئة وفي فرنسا 11.8 في المئة، وفي بريطانيا 10.6 في المئة، وفي النمسا 9.4 في المئة، وفي الولايات المتحدة 7.2 في المئة. أما في ألمانيا فقد طرح خبراء ألمان في دراسة نشرها معهد الاقتصاد الألماني في كولونيا، مقترحات على الحكومة تمكِّن من إيجاد 4.2 ملايين فرصة عمل، خلال السنوات الخمسة عشرة المقبلة، شريطة أن تخفِّض الدولة تدخلها في الاقتصاد والمجتمع.
وقال رئيس المعهد القريب من أرباب العمل ميشائيل هوتر: «على الحكومة خفض البيروقراطية الإدارية والتوجيه الزائد للاقتصاد، إلى المستوى المعمول به حاليا في الدول الاسكندنافية». وأضاف «إذا أخذ المرء الدول الأنغلوساكسونية مثالا، فمن الممكن عندها تأمين 4.9 ملايين فرصة عمل في ألمانيا»، ملاحظا أنه «كلما قلّ تدخل الدولة في سوق العمل، ارتفعت نسبة العمالة فيه».
واعترف التحالف المسيحي - الاشتراكي الحاكم بدوره في إمكان خفض 20 مليار يورو، عن كاهل الاقتصاد الألماني، من خلال إزالة البيروقراطية غير الضرورية، التي تنظم سوق العمل، وعلاقة الاقتصاد بالدوائر العامة. وقال أمين سر الكتلة النيابية للاتحاد المسيحي نوربرت روتغن إن حزبه والحزب الاشتراكي الديموقراطي الحليف في الحكومة، اتفقا على حذو هولندا في هذا المجال، داعيا إلى إعطاء مجلس الرقابة على القوانين سلطة وقف القوانين والقرارات غير الضرورية قبل إقرارها.
وذكرت النشرة الاقتصادية الدورية التي تصدرها غرفة التجارة والصناعة العربية - الألمانية، في عددها الأخير أن معهد الاقتصاد الألماني، نفذ دراسته بتكليف من هيئة تطلق على نفسها اسم «مبادرة اقتصاد السوق الاجتماعي الجديد»؛ لتحليل حجم تدخل الدولة في اقتصاد 22 دولة صناعية في العالم، والمقاربة بينها، من خلال دراسة تأثيرات التدخل.
وأظهرت الدراسة أن ألمانيا احتلت المرتبة الأخيرة في معيار التدخل في سوق العمل، والمرتبة الخامسة عشرة في معيار التدخل في قطاع التعليم والتدريب. واستنتج هوتر، أنه من دون تكبد مصاريف كبيرة، يمكن للشباب والنساء والكبار في السن، الإفادة بصورة أقوى من فرص التشغيل، في حال جرى خفض البيروقراطية، من طريق إلغاء مجموعة من القوانين المعوقة للشركات. وأضاف أن سوق «العمل الأسود» التي تتهرب من دفع ضريبتي الدخل والقيمة المضافة، ستضعف عنده، كما حصل في الدول الاسكندنافية والولايات المتحدة وكندا وإيرلندا وبريطانيا.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1735 - الأربعاء 06 يونيو 2007م الموافق 20 جمادى الأولى 1428هـ