يطلق عليهم اسم سجناء الرأي، والأجدر أن نسميهم أحرار الرأي، سجناء النظام، أصحاب الفكر المختلف.
وقد قيل «خالف تعرف» أما في عالمنا العربي فالأفضل أن نقول «خالف تسجن»، أو «خالف تقتل أو تكفر أو تنفى».
فالاختلاف في الرأي مرفوض، بل هو وباء قاتل ولا يرتبط بمفهوم الحرية التي مازالت تقتصر على المسافة التي تبعدنا عن جدران السجن. ومن منَا لا يخشى عالم السجون؟ قلة هم، من لم يختاروا التضحية بحريتهم الفكرية، وسجنها داخل أجسادهم مقابل البقاء خارج الزنزانة.
من منَا لم يمتنع في كثير من الأحيان عن التعبير عن رأيه خوفا من قيود حديدية تكبَل يديه؟ من منَا لم يتصارع مع نفسه، مع هذا الكائن في داخله مع هذا الفكر المختلف الذي يريد الخروج، ونأبى أن نسمح له بالتحرر؟ وإذ به ينفلت منا خلسة وينتصر على قيودنا رافضا البقاء ضمن الحدود الجغرافية المرسومة له مسبقا، والمعدَة لمنعه من التفكير أبعد من حدود النظام والدين والطائفة التي ينتمي إليها. ولكن ماذا بعد هذا الانتصار هذه الولادة لكائن مختلف عن الجماعة في عالم لا يريد أن يفهم معنى الحرية سوى بمنظوره الضيق، ولا يرى في المختلف سوى الفساد والكفر؟
فنتباهى بإلغائه ونهلَل لأصحاب السلطة ونرحَب بالتهميش الفكري، لنحيا ككائنات مسيَرة من دون روح أو فكر! فأوطان تكتظ سجونها بأصحاب الفكر وتعمل على الإلغاء الكامل للحرية الفكرية ليست أوطانا لشعوب بشرية بل لقطعان داجنة. فوطني حيث تصان كرامتي وتتحرر أفكاري، كما ان حريتي لا ترتبط بالمكان الجغرافي الذي أكون فيه ومدى اتساعه أو ضيقه، إنَما هي امتداد لا نهاية له لفكري، هي ليست داخل أسوار النظام في وطن ما، أو بالأحرى في سجن كبير فانٍ، شعبه يتحرك وفقا لأنظمة تمَت برمجته عليها، إنَما هي في عالم روحي خالد لا يزول.
ما معنى وجودي كإنسان عندما أولد وأعيش وأزول دون أن أترك أي أثر قيَم خلفي؟
لقد ولدنا من أجل مهمة لكل منَا، ولكن كثرا هم الفاشلون وقلَة هم الناجحون الذين يتمكَنون من إتمام مهمتهم غير آبهين بالنتائج المجحفة بحقهم والكارثية أحيانا. هم الخالدون بنظرياتهم وأفكارهم، المفتدون بملذات الحياة مقابل سمو فكري لإحداث فارق إيجابي في حياة الآخرين.
ألا يستحق هؤلاء الذين لم ترهبهم غياهب السجون أن نكتب لأجلهم كلمة حق مطالبين فيها بإنصافهم وتحريرهم؟
إن صمتنا هو جريمة خرساء نرتكبها بحق الإنسانية
لقد تأخرنا كثيرا في نيل حرياتنا ولكن هذا لا يعني أنه قد فات الأوان، والأهم أن نتذكر دوما أن الحرية لا تعطى بل تؤخذ، فإذا لم نتعاون في الداخل على الحوار الفكري السلمي لتحسين أوضاعنا المأساوية فإن النتائج ستكون وخيمة. ومهما اشتدَت الملاحقات وقست الأحكام بحق أصحاب الضمير، ومهما ابتكر لهم من تهم، تبقى الحرية هدفا ساميا لا تراجع عنه، فالمسيرة لم تبدأ اليوم، بل بدأت مع أجدادنا وآبائنا وتستمر معنا ليكمل أبناؤنا من بعدنا. إنها أجيال وأجيال إلى ما لا نهاية صامدة من أجل حرية الكلمة، فإلى متى يصمد الطغاة في وجه الحق؟
كثير من المفاهيم قابل للتغير والبطلان ولكن بعضها ثابت لا يتبدل مهما تطور الزمن وانقلبت المبادئ، ومنها مفهوم الكلمة الحرة التي باتت تصل إلينا من كل حدب وصوب. كما لم يعد بالإمكان السيطرة على مصادر الخبر، فالتكنولوجيا خائنة ليس لها صديق تخلص له، فهي تتعاون مع جميع الأطراف، ومنهم أصحاب الضمير الحرُ لإيصال أصواتهم إلى العالم بأجمعه، فإن أسكتوهم خلف قضبان السجون أو نفوهم إلى أماكن بعيدة، فلن يخلو عالمنا العربي من أصحاب الضمائر الحية التي ستنتفض من أجل كلمة حق.
إقرأ أيضا لـ "كاتيا يوسف"العدد 1735 - الأربعاء 06 يونيو 2007م الموافق 20 جمادى الأولى 1428هـ