مع أنهم كانوا يعلمون من خلال الكثير من استطلاعات الرأي خيارَ الفرنسيين منذ البدء، الكثير هي ردود «الفعل» المتشنجة التي خرج بها الإعلاميون العرب نحو التحذير من صعود اليميني «ساركوزي» على حساب اليسارية الأنيقة «رويال» في الانتخابات الفرنسية الأخيرة.
حذر الكثيرون من «أمركة» ستطرأ على السياسية الخارجية الفرنسية على الطريقة البريطانية. وآخرون أكدوا خطورة «ساركوزي» على ملفات عربية أخرى كملف الجاليات العربية (دول شمال إفريقيا) وصولا إلى الملف اللبناني.
الناخب الفرنسي كان أمام الخيارين في موقف صعب، خيار اليسار «الحالم» وتجارب اليسار لم تعد مقنعة مقارنة بنهاياتها في دول أميركا الجنوبية خصوصا، حيث تحول «اليسار» في السلطة إلى نماذجَ من الدكتاتوريات العنيفة. ولا يُعقل لبلد مثل «فرنسا» أن يطمح فيما يطمح إلى نموذج على شاكلة «تشافيز» أو «كاسترو»سياسيا حتى اقتصاديا. ولم يكن سوى خيار اليمين «المتأمرك» على «وهناته» الخيار «الأعقل» أمام صناديق الاقتراع الفرنسية.
مجموع الخسائر التي تعرض لها الاقتصاد الفرنسي - ولتكن البيانات الصادرة عن شركة توتال إبان حرب تحرير العراق نموذجا - جراء سياسات المواجهة المباشرة مع الأميركيين انتهت مع الانتخابات الفرنسية إلى المزيد من تأكيد الاتجاهات الواقعية أمام صناديق الاقتراع؛ ما أفضى إلى أن يكون «ساركوزي» في الإليزيه لا رويال.
عجلة الاقتصاد الأميركي السريعة لا تعطي المناوئين لها الفرصة للبقاء على الحياد، فالطاحونة الأميركية - على رغم أخطائها الكثيرة في الأونة الأخيرة - لاتزال تحرك مُجريات السياسة الدولية، وليست نتائج الانتخابات الفرنسية الأخيرة إلا دلالة على أن «الأمركة» المعتمدة على العجلة الاقتصادية تسير بالعالم نحو الوجهة التي ترتضيها «واشنطن» على الدوام.
من جانب آخر، قد يذهب البعض الى أن السياسة الخارجية الفرنسية ستتأثر جراء صعود «ساركوزي» إلى السلطة، وهذا أمر صحيح. ولكن، سيكون هذا «التغيير» لمصلحة الفرنسيين وهو لن يكون منساقا بالضرورة إلى كل ما هو «أميركي»، إلا أنه سيعطي فرنسا مكانا داخل الخريطة العالمية لا خارجها كما كانت.
وعلى الصعيد نفسه، قد يعتقد البعض بأن «لندن» تتجه نحو رؤية سياسية أكثر تحفظا عن تجاه القرارات الأميركية في المنطقة، وهذا صحيح أيضا، إلا أنه لن يكون في حدود كسر العصا «الأميركية» فليست لندن مستعدة لأن تحل محل «باريس» خلال السنوات المقبلة. الجديد أن مزيدا من الهيمنة الأميركية في القرار الأوروبي قد تحققت فعلا مع أني لا أثق بأن الأميركيين قد تنبهوا لذلك أصلا.
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 1727 - الثلثاء 29 مايو 2007م الموافق 12 جمادى الأولى 1428هـ