العدد 1725 - الأحد 27 مايو 2007م الموافق 10 جمادى الأولى 1428هـ

مجلس التعاون ... المشروع الناجح

عبدالله القويز comments [at] alwasatnews.com

عندما أنشئ مجلس التعاون في مايو/ أيار 1980 كنت أقيم في مدينة أبوظبي عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة ممثلا لبلادي المملكة العربية السعودية في مجلس المديرين التنفيذيين لصندوق النقد العربي الذي أنشأته الدول العربية هناك قبل ثلاث سنوات لإعادة تدوير جزء من الفوائض البترولية (الخليجية) لبقية الدول العربية بهدف تسريع تنميتها الاقتصادية. كان علينا في ذلك الوقت أن ننتظر لأكثر من ثلاثة أشهر على الأقل لكي نحظى باستقبال مواطن سعودي واحد تشاء الصدفة أن يزور مدينة أبوظبي. وحتى مدينة دبي التي كانت تهيئ نفسها لانطلاقتها الحالية بإنشاء ميناء جبل علي وتوسيع المطار لم تكن تحظى بزيارة السعوديين إلا نادرا ؛لأنها ببساطة «ليست على الطريق». وخلال ربع قرن تغيّرت الصورة تماما. فالذهاب إلى جدة أو الدمام أو المدينة أو أبها. والتجارة (صادرات وواردات) بين المملكة وبقية دول مجلس التعاون قفزت من أرقام لا تذكر إلى أن فاقت 8 مليارات دولار في نهاية العام 2005م. وهي تتضاعف كل خمس سنوات. ولن يمر وقت طويل حتى تصبح بقية دول مجلس التعاون هي الشريك التجاري الأول للمملكة وذلك لسببين الأول هو أن التجارة بين المملكة وبقية دول مجلس التعاون تزداد بمعدلات أسرع من نمو الناتج المحلي الإجمالي لجميع دول المجلس والثاني هو أن التجارة البينية لهذه الدول تزداد بمعدلات أعلى من معدلات النمو في مجمل تجارتها مع العالم الخارجي. وما يسى على المملكة ينطبق على بقية دول مجلس التعاون. فلو نظرنا إلى أرقام تجارة مملكة البحرين مثلا مع بقية دول مجلس التعاون لوجدنا الظاهرة نفسها إذ تضاعفت تجارتها مع بقية دول مجلس التعاون خلال خمس سنوات من قرابة 1600 مليون دولار في العام 2000 إلى ما يزيد على 3200 مليون دولار في العام.

وعلى رغم أن غالبية دول مجلس التعاون مصدرة لرأس المال فإن تبني دول المجلس للمزيد من سياسات الانفتاح وإقرار أنظمة وقوانين توحيد السوق ومساواة المستثمرين من مواطني دول المجلس الطبيعيين والاعتبارين بمواطني الدولة العضو قد ساهم في تدفق الاستثمار بين دول المجلس. وليس أدل على ذلك من المشاريع العملاقة التي تشهدها معظم دول المجلس والتي يلعب القطاع الخاص الخليجي دورا رائدا في طرحها وتمويلها وإدارتها.

وحتى السياحة البينية الخليجية التي بدأت من لا شيء تقريبا أصبحت تشكل نسبة لا يستهان بها من الناتج المحلي الإجمالي للكثير من دول المجلس. وما على المراقب إلاّ أن يشاهد مطارات الخليج وطرقه البرية وفنادقه ؛ليستنتج أن الخليج أصبح هو الخيار الأول للسياح الخليجيين.

إن التعاون بين دول المجلس هو الذي وفر الغطاء الأمني والسياسي لهذه الدول لكي تمضي قدما في تنفيذ خططها الهادفة إلى تطوير هياكلها الأساسية وتوسيع قاعدتها الاقتصادية وتنويعها. كما أن هذا التعاون هو الذي مكّن الدول الأعضاء من حشد الجهود الدولية لتحرير الكويت من براثن الاحتلال. وقد أدى ذلك إلى مزيد من الثقة بالنفس، وحوّل دول المجلس لاعبا رئيسيا فيما يخص القضايا الإقليمية الرئيسية.

السؤال الذي يطرحه المواطنون دائما ليس التشكيك بجدوى المجلس وإنما المطالبة بتحقيق المزيد من الإنجازات مما يدل على أن المجلس أصبح متغلغلا في أعماق المواطن. ولا شك أن أي عمل جماعي يتطلب الصبر للوصول إلى القرارات ويصادف بعض التسويف من قبل بعض الدول لتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه ويخضع للمراجعة من وقت لآخر لتقييم المسيرة.

هذه الأعراض لا تنفرد بها دول المجلس وإنما هي صفات ملازمة لأي عمل جماعي. وما عليك إلا أن تتبع المسار التاريخي للاتحاد الأوروبي لتجد الدليل على ما أدعيه. فقد ظل ذلك الاتحاد يراوح مكانه لمدة ثلاثين سنة إلى أن اتخذت دوله القرار الشجاع بتغيير طريقة التصويت العام 1986م. كما لا يجب أن نذهب بعيدا لإيجاد الأدلة فقبل سنتين فقط أسقط الناخبون الأوروبيون مشروع الدستور الموحّد بعد أكثر من ثلاث سنوات من العمل المضني على مستوى الدول الأعضاء وعلى مستوى أجهزة الهيئة الأوروبية في بروكسل. فالأخطاء والمراجعات والإخفاقات هي من طبيعة أي مشروع تحت التنفيذ «work in progress». فالاتحاد الجمركي تصادفه بعض المصاعب مثل توحيد المواصفات وتوحيد الحوافز وإيجاد آلية سهلة ومرنة ومقبولة وعادلة لتوزيع الحصيلة الجمركية بين الدول الأعضاء لكي تتحقق نقطة الدخول الواحدة وتلغي الحدود الجمركية. وايجاد حل لاتفاقيات التجارة الحرة التي وقعتها بعض الدول الأعضاء مع طرف ثالث. لكن رغم ذلك ظل الاتحاد الجمركي يعمل والتجارة تتدفق بكل سهولة ويسر وتزداد سنويا بمعدلات متسارعة كما سبق أن أشرت. ولا أحد يدعو إلى إلغاء أو إيقاف الاتحاد الجمركي وإنما بذل المزيد من الجهود لإزالة العوائق التي تواجهه.

وهناك قرارات اتخذت لمساواة المستثمرين من الأشخاص الطبيعيين والاعتباريين والمهنيين والحرفيين بمواطني الدولة العضو المضيفة وتتوسع قوائم هذه الأنشطة عاما بعد عام لدرجة أن عدم السماح أصبح هو الاستثناء ولم يعد هناك إلا عدد قليل من الأنشطة غير المسموح بممارستها. ويصادف التنفيذ الكثير من القيود البيروقراطية وتأخر بعض الدول في إصدار القوانين لكن الاستثمار عبر الحدود يتزايد والمشروعات المشتركة تتنامى لدرجة أن الكثير من المواطنين اتخذوا محلات إقامة ثانية لهم في دولة أخرى أو أكثر من دول المجلس. وعلى رغم بعض التعقيدات الإدارية وبعض الإحباطات التنفيذية فإن أحدا لا يطالب بإلغاء قرارات المساواة وإنما المطالبة بالمزيد من التسهيل.

اتخذ قادة دول المجلس قبل ثلاث سنوات قرارا بالعمل على توحيد العملة في العام 2010م، ومنذ ذلك التاريخ والدراسات تتم واللجان الفنية والوزارية تجتمع لتنفيذ هذا القرار في موعده، إلا أن الاتفاق على معايير موحدة للسياسات النقدية والمالية التي ستصاحب توحيد العملة كانت عرضة لبعض التجاذبات. كما أن إحدى دول المجلس أشارت إلى أنها غير مستعدة في الوقت الحاضر للدخول ضمن منظومة العملة الموحدة. وقامت دولة أخرى بتغيير ربط عملتها بسلسلة من العملات المرتبطة بتجارتها الخارجية خلافا لما سبق الاتفاق عليه بربط عملات دول المجلس بالدولار الأميركي كمرحلة أولى نحو إصدار العملة الموحدة. قد تؤخر هذه العقبات موعد إصدار العملة الموحدة لكن الجميع مقتنع بان الاقتصاد الخليجي الموحّد يتطلب العمل على توحيد العملة. فمازالت التحويلات المالية من دولة خليجية إلى أخرى تتم عن طريق نيويورك. وهذا يعيق من حركتي التجارة والاستثمار بين دول المجلس. لذا فإن العملة الموحدة قادمة لان الجميع يريدها، والتعاملات اليومية بين مواطني دول الخليج تتطلبها، والدور الاقتصادي المتنامي لدول الخليج على المستوى العالمي يملي وجودها.

سبق أن قرر أصحاب السمو والمعالي وزراء داخلية دول المجلس التنقل بين الدول الأعضاء بالبطاقة الشخصية (الهوية) والعمل على إصدار جواز موحّد والسماح مستقبلا للأجانب الحاصلين على تأشيرة من إحدى دول المجلس بالتنقل بين بقية دولة الأعضاء. وقد حالت بعض المتطلبات الفنية من دون تنفيذ ذلك من قبل بعض الدول الأعضاء. لكن هذه المتطلبات الفنية يتم التغلب عليها تدريجيا ؛لان الرغبة متوافرة لدى الجميع بضرورة التنفيذ لتسهيل تنقلات المواطنين والمقيمين.

تتفاوض دول المجلس مع الدول والمجموعات الاقتصادية ككتلة واحدة. فهناك مفاوضات مع كل من الاتحاد الأوروبي ومنطقة التجارة الحرة الأوروبية والهند والصين واليابان وباكستان وبعض الدول العربية وبعض دول أميركا اللاتينية وذلك لإعداد اتفاقات للتجارة الحرة بين دول المجلس وهذه الدول والمجموعات. هذه المفاوضات طويلة ومرهقة للأمانة العامة وللدول الأعضاء وقد يصاحبها بعض خيبات الأمل لكن الجميع مقتنع بضرورتها وأهميتها لحماية مصالح دول المجلس وتقوية مركزها التفاوضي وتأكيد دورها القيادي في الاقتصاد العالمي.

لذا فإن هذه المفاوضات ستستمر إلى أن تحقق الأهداف المرجوة من ورائها.

وفوق كل ذلك يوجد إيمان راسخ لا يتزعزع على مستوى قيادات دول المجلس وعلى أعلى المستويات بالأهمية الاستراتيجية لهذا المجلس وبضرورة استمراره وتعزيز مسيرته والمحافظة عليه. وهنا تلتقي توجهات القادة مع تطلعات الشعوب وهذه - لعمري - هي مواصفات المشروع الناجح.

إقرأ أيضا لـ "عبدالله القويز "

العدد 1725 - الأحد 27 مايو 2007م الموافق 10 جمادى الأولى 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً