عندما كتبت في مقال سابق عن «صورة من صور الفقر والبؤس» كانت هناك ردود فعل جد إيجابية من أصحاب القلوب الرحيمة الذين لا يقبلون أبدا أن يقفوا مكتوفي الأيدي والتفرج على صور البؤس والفقر وحالات الحرمان من دون حراك، فالألم النفسي الذي أحدثه المقال لدى البعض فاق ما تصورته شخصيا بل لم أكن لأشعر بأني قد نجحت في تصوير حال الأسرة والبؤس التي تعانيه والحاجة والفاقة بيد أن الحال مركبة ومعقدة، فقر وإعاقة وحرمان و... فكل الشكر والتقدير لكل الذين ساهموا في إزالة شيء من قتامة صورة البؤس والفقر للأسرة التي تحدثت عنها.
سبحان الله، فالدنيا لاتزال بخير طالما بقيت قلوب الناس حية وواعية، وأصحاب الأيدي البيضاء الله يزيدهم من خيره ونعيمه، على الجانب الآخر من الموضوع أرغب في تسليط الضوء على زاوية أخرى تكمل الصورة. مازلت لا أستطيع نسيان ردة فعل نائب الدائرة عندما تحدثت إليه عن الحالة بعد أن عاينتها بنفسي واطلعت على أسرارها الحياتية وسر تركيبتها المعقدة فبيوت الناس أسرار وجزء من خصائص الفقير اللصيقة به والأصيلة هي إحساسه بالكرامة، فقبل إثارتها في الصحافة رغبت في أن أتحدث إلى نائب الدائرة، لا بغرض تقديم الإعانات المالية إليها، فالأسرة ذاتها لا تقبل أصلا فكرة الدعم المادي من أي شخص، فكما ذكرت سابقا كرامة أفرادها فوق كل اعتبار، وترغب الأسرة الكريمة في حفظ ماء وجهها، فكل ما طلبته منه تقديم إعانات من نوع آخر، تأخذ طابع الدعم اللوجستي.
فالأسرة لها حق لدى وزارة التنمية باعتبارها واحدة من أفقر الأسر البحرينية، وأيضا لها حق مرة أخرى لكون أحد أطفالها من المعوقين وحق الحصول على بدل سكن لكون طلبها مر عليه (13) سنة وبحسب معايير وزارة «الإسكان» دخل رب الأسرة أقل من 500 دينار بحريني، ولكن نظرا إلى قلة الوعي وقلة ذات اليد ونتيجة قلة المتابعات من قبلها فإن طلبها في الوزارة لم يتحرك، وما تريده الأسرة من النائب الكريم هو التحرك لمتابعة طلبها، ولكم أن تتصوروا كيف كانت ردة فعل النائب عندما تحدثت إليه عن الحالة وقبل أن يعرف المغزى الحقيقي من الطلب ارتعدت فرائصه وأعتقد كأنما ألمح إلى مساعدات مادية كأن تصرف مبالغ شهرية بشكل ثابت للأسرة أو غيرها من مساعدات غير محبذة له، معللا ذلك بألا تفتحوا لنا بابا لا نستطيع سده مع الأيام، بيد أن الدائرة ذاتها تعج بحالات الفقر والبؤس وخيرا له ألا يفتح الباب على مصراعيه حتى لا ينغص عليه والأفضل أن ندعه وشأنه، وعندما عرف أن ما أسعى إليه من مساعدة تختلف في طبيعتها عما في باله، ارتاح نفسيا وطلب تحويل الموضوع على مكتبه. حتى لحظة كتابة المقال لم يحصل للأسرة أي نوع من الدعم من قبل النائب سوى زيارة إحدى موظفات مكتبه بيتها - أعني الأسرة - لمعاينته والوقوف على الحالة من دون حراك يذكر.
بعكس ما تم الحصول عليه من ردات فعل جد إيجابية فقد انهالت المساعدات بأنواعها على الأسرة من خلالنا، بل ان البعض فكر في تخصيص مبلغ شهري ثابت لها، نوعا من المساعدة، بمعنى آخر أفراد يقومون بأدوار الحكومة الغائبة.
تخيلوا يا جماعة أن وزارة التنمية، الوزارة التي استضافت البروفيسور محمد يونس الاقتصادي والأب الروحي لفقراء العالم، عجزت عن متابعة الموضوع ولم تفكر أصلا في وضع الحلول لمثل تلك الحالات، فلاتزال في سباتها العميق ولم تفق بعد لمتابعة الحالة والتأكد أصلا من وجود طلب خاص بالعائلة وكأنها تجزم يقينا أن تلك الحالة وغيرها من الحالات الأخرى يراد لها أن تُنسى من أجل التخفيف على موازنة الوزارة التي تعاني من الشح، فلا فقر ولا بؤس أصلا في البحرين يستحقان من الحكومة أن توفر موازنة مناسبة ومخصصات مالية تتناسب مع وتيرة الغلاء المعيشي الذي تشهده البحرين فكل ما تقوم به من خطط وبرامج للفقراء يكمن في التفكير في فعاليات خيالية تستقطب النخب المثقفة وتتحدث إليهم عن الفقر والبؤس تاركة وراء ظهرها صور البؤس لأبطالها، والمتضرر الأكبر هم طبعا الفقراء والمحرومون الذين يزدادون فقرا وحرمانا كلما اشتدت وتيرة الغلاء المعيشي.
كما أن وزارة «الإسكان» هي الأخرى لم تختلف في نهجها عن نهج وزارة التنمية فيبدو أنها أيضا تنام بعد الهرولة في وضع المعايير التي حرمت أكبر عدد ممكن من المستفيدين من المكرمة، محاولة في تحدٍّ تطبيق توجهات الحكومة القاضية بترشيد النفقات، الموضة التي جاءت بعد أن ارتفعت الأسعار ولم تستطع الحكومة أن تضع حدا أو أن تقدم حلولا ناجعة، فما كان منها إلا تقديم النصائح الفارغة التي لا معنى لها، إذ كان عنوانها العريض لابد من الترشيد لمواجهة حالات الغلاء المعيشي، ولهؤلاء نعزيهم ونقول لهم: أنتم بخير بإذن الله طالما أن الدنيا بخير وإن الدنيا بخير طالما بقت القلوب الرحيمة تنبض حية، ولكم الله.
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 1723 - الجمعة 25 مايو 2007م الموافق 08 جمادى الأولى 1428هـ