العدد 172 - الإثنين 24 فبراير 2003م الموافق 22 ذي الحجة 1423هـ

كتب إصدرت عن سبتمبر والحرب المقبلة... حرب طاولة القهوة

روبرت فيسك comments [at] alwasatnews.com

كتبت الصحف في بريطانيا بهستيرية حججها عن الحرب.

وألفوا في اميركا كتبا بكميات ضخمة، كتب طاولة القهوة التي تذكر بهجمات الحادي عشر من سبتمبر/ ايلول 2001، وكتبا ورقية الاغلفة تطلب السلام في العراق، ومجلدات ضخمة مثقلة بالحاشيات التي تمجد وتطري بإفراط فضائل «تغيير النظام» في الشرق الأوسط. في نيويورك ، دخل الناشرون بالاضافة إلى وسائل الاعلام الحرب من قبل.

اقرأ فقط عناوين كتب 11/9 - كثير من المجلدات الضخمة ذات الصور التذكارية - في اكشاك الصحف الأميركية: «فوق الارض المقدسة، من أجل ان يعيش الآخرون، القلب الشجاع، ما نراه نحن، الحد الأخير، انتقام لله، ظلال السيوف... الخ» ولا عجب ان تستطيع شبكات التلفزة الاميركية اعتبار الحرب المقبلة حتمية الحدوث، فأعلنت شبكة «سي. إن . إن» الاخبارية: «مواجهة في العراق»، «تجهيزات الحرب». ولا أحد يسأل عن تأكيدها. لقد عارضت اثناء مقابلة في الاذاعة مطلع الشهر الجاري طلبا من المشاركين - وهم اكاديمي اسرائيلي وموظف ايرلندي سابق في الامم المتحدة، وطبيب بيطري من فيتنام، وآخرون (من بينهم شخصي) - ألا يناقشوا ما اذا ستكون هناك حرب في العراق ولكن ما العواقب لتلك الحرب؟ لقد كُتبت حتمية الحرب في المخطوطات والنصوص.

وكانت اكثر مساهمة حديثة ومبهرجة في هذا «الجدل» المخادع في الولايات المتحدة هي «العاصفة المرعبة»: حجة غزو العراق (راندوم هاوس - نيويورك) بواسطة كتيث بولاك، وهو رجل الاستخبارات المركزية السابق، ومدير سابق «لشئون الخليج» في مجلس الامن القومي. وهو الكتاب الذي يفترض ان يتحدث عنه كل الناس في اميركا، وعنوانه «العاصفة المرعبة» طبعا نسخة طبق الاصل من «العاصفة المتراكمة» المجلد الاول لتاريخ ونيستون تشرتشل في الحرب العالمية الثانية، يخبرك عن كل ما ترغب في ان تعرفه من المحتويات.

بينما حاول جورج بوش ان يضع نفسه في العام الماضي في مهادنة حرب تشرتشل، تظاهر بولاك ايضا مرتين بأن العالم يواجه المصيبة نفسها التي واجهت بريطانيا وفرنسا في العام 1938. ويستطيع الحلفاء ان يكسبوا في مدة سنة، كما ادعى بولاك، اذا خاضوا الحرب ضد هتلر آنذاك. والحقيقة ان فرنسا وبريطانيا على رغم انهما قويتان عدديا في القوات، ولكنهما ضعيفتان في العتاد الحديث - بينما الولايات المتحدة اليوم تستطيع سحق قوات صدام في اسبوع - ولم يسمح لهما بالتدخل مع هذه الحجة الخادعة. وقبل بولاك بأن صدام ليس هتلر، ولكن مرة اخرى ارتدى صدام ملابس هتلر - بالضبط كما كان ناصر (موسوليني النيل) اثناء ازمة السويس في العام 1956 - ومن يعارض الحرب مناصر ومؤيد للنازية.

قبل وبعد بدء الحرب العالمية الثانية مباشرة، نشر الكتّاب البريطانيون مؤلفاتهم لدعم الحرب. كان فيكتور غولانكز مدافعا لا يكل عن الحريات البريطانية. وبحلول العام 1941، كنا قد نشرنا الكتاب الذي حقق افضل المبيعات «القطار الاخير من برلين» لمؤلفة هواردكي سميث، وهو وصف لحياة مرعبة في المانيا النازية بواسطة المراسل الخارجي الاميركي المتألق وذلك قبل ان تدخل الولايات المتحدة الحرب.

وكانت تلك المؤلفات اعمالا ادبية بالاضافة إلى انها ايديولوجية ولكن ما يحدث الآن في الولايات المتحدة شيء مختلف تماما: محاولة رخيصة لدفع الاميركيين للدخول في حرب على خلفية تضحية الحادي عشر من سبتمبر. أما «حجج بولاك» للحرب في العراق، فإنها تحتاج إلى تحليل ونقد لعل وعسى ان يحصل المجلد الواقع في 494 صفحة على الوضع الايقوني الذي قصد منه بوضوح ان يحصل عليه.

هنا، بعض الامثلة الاستنتاجية: «إن الفائدة العظيمة من غزو العراق هي النتيجة المؤكدة والقريبة... إذا شنت الولايات المتحدة حربا شاملة بكل ما اوتيت من قوة ضد العراق، فإن لدينا ثقة عالية بالنصر... كلفة النصر غير واضحة، ولكن على اسوأ الحالات فإنها لن تكون مأسوية. هذه الاستنتاجات تجد المساندة الواسعة من قبل المؤسسة العسكرية لدى الولايات المتحدة».

«إن التخلص من صدام حسين، كما كتب بولاك، سيكون هدية عظيمة للسياسة الخارجية للولايات المتحدة، لانه سيريح واشنطن من متابعة قضايا اخرى في أجندة السياسة الخارجية. وسيؤكد غزو العراق للدول العربية المعتدلة اننا جادون في الاطاحة بصدام، ويسمح لنا بخفض وجودنا في منطقة الخليج وخصوصا المملكة العربية السعودية، إذ أن افراد جيشنا لا يحبون اللوائح الصارمة هناك، والمسكن غير الملائم. ومضى الكاتب يقول: «إن اسقاط صدام حسين سينهي (الربط) بين قضية العراق والصراع الاسرائيلي - العربي الاسوأ خطورة وشؤما في محيط الشرق الاوسط.

وعلى المدى الطويل، ستلغي هذه الحرب مصدرا مهما للكراهية الاميركية، وتنتج مستقبلا ايجابيا اذا نصبت الولايات المتحدة حكومة عراقية جديدة شمولية قوية ومزدهرة... نموذجا لما يجب ان تكون عليه الدولة العربية الحديثة. إن غزو العراق - كما استطرد بولاك - ربما لن يكون خيارنا الاسوأ الاخير ولكن على الارجح سيكون شوطنا الافضل للعمل».

اذا حتى لو استبعدنا الآن التأكيدات الاولية التي اوردها رجل الاستخبارات المركزية السابق (بولاك)، فإن ادعاءه بأن الجيش الاميركي يدعم الحرب وفقا لعدد من جنرالات البنتاغون، غير صحيح ببساطة، وحجة بولاك للحرب غير اخلاقية بشكل مثير. فالحرب وفقا لما ذكره هي القرار الصحيح وتبدو انها ليست ضرورية اخلاقيا ولكن لاننا سنكسبها بالتأكيد. الحرب، بعيدا عن كونها رمزا للفشل الكامل للروح الانسانية وتخلف معاناة واسعة النطاق وموتا للابرياء، أصبحت أمرا قابلا للتطبيق وخيارا مرجحا لسياسة ناجحة وفقا لبولاك.

انها ستطلق سراح اجندة سياسة واشنطن الخارجية، ويفترض انها تسمح لاميركا بغزو دولة اخرى أو دولتين اينما اكتشفت المصالح الحيوية الاميركية. الغزو، كما قال بولاك، سيؤكد ثانية للعرب «المعتدلين» (الديكتاتوريين المدعومين اميركيا من العرب) بينما في الوقت ذاته ينقذ افراد القوات الاميركية المساكين من ثكناتهم «غير الملائمة» في منطقة الخليج.

وبما ان بولاك اشار إلى وجود عسكري ضخم للولايات المتحدة في عراق ما بعد الغزو، فإن المرء يتعجب فقط من نوع الثكنات التي سيجدها الاميركيون وسط حطام بلاد ما بين النهرين.

كما أن الهدف المهم للغاية برأيه أن الربط بين العراق والحرب الاسرائيلية - الفلسطينية سيتلاشى. هذه الفكرة تكررت مرات كثيرة في نصوص ورواية بولاك، إن حرمان الفلسطينيين من دعم احدى اقوى دول العالم العربي، سيجعلهم أكثر ضعفا في كفاحهم ضد الاحتلال الاسرائيلي. واشار بولاك إلى «الحملة الارهابية الشريرة» بواسطة الفلسطينيين من دون اقل انتقاد لاسرائيل. تحدث عن «الهجمات الارهابية الاسبوعية التي تعقبها الردود الاسرائيلية» هكذا، واعتبر الكاتب ان انحياز اميركا لصالح اسرائيل ليس سوى «اعتقاد» عربي. وباقتراحه نظام حكومة فيدراليا عربيا، يكون بولاك قد اقتبس باستحسان من الكتاب الاسرائيليين، ومن ثم قال بمكر «إننا لا نعلم كيف سيتفاعل العرب مع هجوم انتقامي اسرائيلي على العراق. اذا كان هذا صحيحا بحق، فإننا ايضا سنعلق الاستخبارات المركزية الاميركية».

ومحيت من صفحات كتاب بولاك المليء بالسخرية، طبعا، أية اشارات إلى احتلال اسرائيل للاراضي الفلسطينية، والمستوطنات اليهودية غير الشرعية، وتصريح مادلين اولبرايت الثوري بأن موت الآلاف من اطفال العراق تحت وطأة العقوبات ربما يكون «مستحقا» في الكفاح ضد صدام، وزيارات دونالد رامسفيلد للعراق في العام 1983 عندما كان وحش بغداد يستخدم آنذاك اسلحة دمار شامل في حربه ضد ايران.

كذلك، حذفت طبعا، اية اشارة إلى الاختراق الفاضح لهيئة التفتيش السابقة «يونسكوم» بواسطة مستخدمي بولاك السابقين «الاستخبارات المركزية». اورد الزعيم الكاذب أن «يونسكوم» تم طردها بواسطة العراقيين ( ص 233)، إذ ان المفتشين السابقين فقدوا صدقيتهم بواسطة تدخل الاستخبارات الاميركية، ومن ثم سحبوا بواسطة رتشارد بتلر قبيل احدى القذائف الصاروخية للرئيس كلينتون. ولا حاجة لنا إلى القول إنه لا ذكر ايضا للمجلد الصغير للمفتش السابق في الامم المتحدة ورائد البحرية السابق سكوت ريتر المعارض للحرب (الحرب على العراق): ما الذي لا يريد فريق بوش ان تعرفوه - الذي تعتبر صفحاته (96) جرحا في ظهر الادب المؤيد للحرب، والذي تم نشره الآن في واشنطن.

مرة اخرى في نهاية كتابه الكئيب عاد بولاك إلى مقارنة صدام بهتلر والذي اعلن في البداية انه يرفضها. اختارت بريطانيا وفرنسا الا تدخلا الحرب مع المانيا في العام 1938.

«في الواقع نحن نواجه خيارا مماثلا مع العراق اليوم». وصل هذا الخداع السياسي إلى حد الخيال.

ولكن لا عجب؟ فبينما أقرأ كتاب بولاك المفزع بنثره الفقير، إذ تحول فيه «دولاب القدر» ضد صدام الذي جاءه المفتشون كالقشة الاخيرة التي تقصم ظهر البعير وذلك من خلال تصرفاتهم المبتذلة، كانت آخر قطعة من الخيال تم نشرها في كل من واشنطن ولندن. فقد اختلطت قصص مزيد من الهجمات - على لينكولن تنيل وجسر الغولدن غيت في الولايات المتحدة - مع كل القصص النادرة التي قام البريطانيون بتزويدها في الاسابيع القليلة الماضية: الجدري، القدائف القذرة، الهجوم على الفنادق ومجمعات التسويق، الهجوم الكيماوي على قطار الانفاق، تسمم امدادات المياه، هجوم البطاقات البريدية على بيغ بين وكانري وارف، اعداد 5000 اكياس جسدية، 120000 بذلة تلوث، فصول استمرارية لاطفال المدارس في سن سبع سنوات، قوانين ضمان جديدة للبريطانيين في حال وقوع هجوم كيماوي (إن شاء الله سيتطلب هذا تجسد بلير في داونينج ستريت ايضا) - يبدو ألا نهاية لارهاب الحكومة هذا. هل يريدون ان يفوز اسامة بن لادن؟

أو أن هذا مجرد عد تنازلي للحرب ضد العراق، علاج الخوف الضروري الذي نحتاج جميعا إلى توفيره للسيدين بوش وبلير؟ لان هذه القصص توفر اسنادا مهما للأدب الداعم للحرب.

في الولايات المتحدة ذهب دعم المفكرين للحرب في الواقع إلى ابعد من كتاب كنيث بولاك سيئ الصيت. فمثلا في الاصدار الاخير من مجلة «الشئون الخارجية»، يذم الاستاذ في جامعة جونر هوبكنز، فؤاد عجمي، باستمرار العالم العربي لتخاذله، وانعدام الديمقراطية فيه واستخدامه المفترض للنزاع الاسرائيلي - الفلسطيني «عذرا» لمزيد من الرثاء على الذات والغضب. فقد اعلن: «بتحديز رزين... تلك الحرب يجب ان يتم شنها... فقد تم اجتياز روبيكون، أي تم اتخاذ القرار الذي لا رجعة فيه». وهنا خطأ يتذكره محبو الخيال، «أي تراجع عن الحرب سيكون بالتأكيد مقزما بواسطة العواقب المرعبة للسعي الحثيث لاميركا نحو الحرب ومن ثم تراجعها، ما يجعل الدكتاتور العراقي يضع شروطا لارجاء آخر». إن هذا المنطق مرعب بحق. يجب ان تذهب اميركا إلى الحرب لانها هدرت (أموالا) بفعل ذلك. اي ان تهديدها اصبح سببا للحرب، ومن ثم سيكون السلام اكثر رعبا من الحرب. وكما ذكرت الاستاذة في جامعة سنت لورنس في نيويورك، لورا ريديهز في مقال استدراكي في لغة عرضية - (طبعة جون كولينز وروز غلوفر، مطبعة جامعة نيويورك)، أحد افضل الكتب في لغويات هذه الحرب، في «معركة كونية» بين الخير والشر من نوع تصورات بوش - إن ازهاق ارواح الابرياء بواسطتنا مبرر لاننا نمثل الخير. ولكن عندما يقتل الآخرون ابرياء فإن ذلك غير مبرر لان الجانب الآخر يمثل الشر. «ما يجعل قتل اناس ابرياء سيئا، ليس موتهم في الواقع ولكن اوضاع واحاسيس اولئك الذين قتلوهم». وانه لاغاثة التحول إلى «خطة حرب العراق» بواسطة ميلان راي اورد عشرة اسباب لعدم شن حرب اخرى على العراق، وفي الكتاب مقال لنعوم تشومسكي الهادف الذي يذكر القراء بالاعمال الارهابية التي تم ارتكباها باسمنا، بواسطة تركيا ضد الاكراد ووسط الآخرين. يشتمل كتاب «العشرة أسباب» لمعارضة غزو العراق، على الكارثة الانسانية التي ستعقب الحرب وانعدام أية علاقة بين 11/9 والعراق واحتمال تنصيب «نسخة» صدام المؤيد لأميركا في بغداد وانعدام الدليل على اسلحة دمار شامل في العراق والخوف العربي من بوش اكثر من صدام وخطر الركود العالمي بعد الحرب.

ولمزيد من الاطلاع على اولئك الذين يعارضون حرب العراق، ارجع إلى كتاب ممتاز نشر قبل احد عشر عاما من تأليف كنيث ر. تايمرمان «لوبي الموت» فقط لنذكر انفسنا بمن نُصِّب وغد نهر دجلة. الحرب - وانني لا أمل من ازعاج الاصدقاء بتكرارها - هي في الاصل ليست عن النصر او الهزيمة انها عن الموت. وفي هذا السياق، استطيع ان اقتبس المساهمة الاكثر فاعلية عن الحملة المناوئة للحرب بلغة مصاحبة، وهي من امبير اموندسون التي اغتيل زوجها منتسب الجيش الاميركي في البنتاغون في الحادي عشر من سبتمبر 2001.

تقول اموندسون وهي تسأل قادة دولتها: «هل غزو العراق يحقق لنا مجتمعا عالميا مسالما أكثر؟... اذا اخترتم الرد على هذه الوحشية المذهلة (11 سبتمبر) بواسطة إثارة العنف ضد بشر آخرين، فإنكم لا تفعلون ذلك من أجل القصاص لزوجي».

خدمة الإندبندنت - خاص بـ «الوسط

العدد 172 - الإثنين 24 فبراير 2003م الموافق 22 ذي الحجة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً