العدد 172 - الإثنين 24 فبراير 2003م الموافق 22 ذي الحجة 1423هـ

كولن باول: الصقر الجديد في الإدارة الأميركية

ماذا يجري في الولايات المتحدة؟

إلياس حنا comments [at] alwasatnews.com

كاتب لبناني، عميد ركن متقاعد

ماذا يجري في العالم هذه الأيام؟ ما هذا اليوم الذي غيّر التاريخ؟ قلما نجد في العالم حمائم سياسية حاليا. كلهم صقور بطرق وأوجه مختلفة. ها هو باول يكشف عن وجهه الحقيقي، فيُعلن موت قسم من عقيدته السابقة، التي قامت على الآتي:

- لا تتدخل القوات الأميركية إلا إذا كانت مصالح أميركا العليا مهددة.

- إذا تدخلت القوات الأميركية، فمن الواجب التدخل بقوة لا مثيل لها، والحسم بسرعة مع أقل عدد ممكن من الخسائر البشرية الأميركية.

- من الواجب أن تكون هناك هنا استراتيجية للخروج بعد التنفيذ العسكري في محاضرته المضنية لتبرير حربه، أظهر باول ان ما يجري في العراق يهدد مصالح الولايات المتحدة. وهو يلوّح باستعمال القوة، والتي أصبحت عناصرها على مرمى حجر من العاصمة بغداد. لكن الجديد في موقف باول هو في القسم الثالث من عقيدته، إذ لا نجد استراتيجية للخروج من العراق، أو المنطقة. ما الجديد في محاضرة باول؟

إنها محاضرة مضنية للعالم. لا يستطيع العالم إلا أن يستمع إليها حتى ولو كان يكره أميركا. إنها محاضرة تقنية بحتة، جافة مملة. تضمنت ولأول مرة إفشاء لمعلومات سرية، مدعمة بالتسجيل الصوتي والصور الجوية. ويتساءل المرء هنا عن صحة هذه المعلومات. إنها من مصادر بشرية، ومن الأقمار الاصطناعية الأميركية،. ومصدر التسجيل الصوتي من وكالة الأمن القومي (NSA) حتى أن باول، وقبل البدء في محاضرته، كان قد حُضّر لها كي يستطيع تفسير الصور الجوية، فأين الصدقية؟ فالمعروف في هذا المجال ان تفسير وتقييم الصور الجوية هو من الاختصاصات الصعبة جدا، والتي تستلزم سنينا كثيرة من الخبرات. لذلك لم تقنع المحاضرة أحدا، وعلى رأسهم الشارع العربي، والذي سيقول دائما ان هذه الاثباتات هي من فبركة العم سام.

على ماذا ركّزت المحاضرة؟

تمحورت المحاضرة على إظهار العراق بأنه ارتكب خرقا ماديا للقرار 1441. فهو تنصّت على المفتشين، وأخفى عنهم المعلومات. ولم يُسهل مهمتهم، واستمر بالتصنيع العسكري الممنوع، ضمنا النووي. كذلك الأمر، ولاستكمال إطلاق الأحكام النهائية المبرمة، شرح باول علاقة الرئيس صدام بتنظيم القاعدة. ومسخت المحاضرة أيضا صورة العراق، الذي وبحسب باول لم يتبع سوى سياسة القط والفأر، كما اتهمته بإجراء التجارب البيولوجية على السجناء.

ولكي يذكّر باول الأميركيين، ويستثير مشاعرهم، ذكر ان الـ 100 طن من العوامل البيولوجية والتي يملكها صدام قد تجعله قادرا على قتل كل من يوجد ضمن مساحة وقدرها 100 ميل مربع، أي ما يوازي خمس مرات مساحة منهاتن (لاحظوا منهاتن وعلاقتها بـ 11 سبتمبر/ أيلول). كذلك الأمر استكمل باول استثارة المشاعر الأميركية، فذكر ان الرئيس صدام يطلق على علمائه النوويين تسمية «المجاهدين النوويين» (لاحظوا كلمة مجاهدين وعلاقتها بـ 11 سبتمبر.

هل يمكننا القول إنه تغير، أم انه كان دائما هكذا؟ هل لعب الرئيس بوش مع العالم لعبة «الشرطي السيئ، الشرطي الجيد» Bad Cop Good Cop فكان باول الجيد ظاهريا، ورامسفيلد السيئ علنا؟ أم ان باول شعر بعد معاندة طويلة انه يسير بعكس التيار، وأصبح مستقبله السياسي على المحك، فاضطر إلى الانصياع؟ ويقال في هذا المجال وردا على هذه الأسئلة، ان الرئيس بوش لام باول على مواقفه المعارضة التي أظهرت الإدارة الأميركية منقسمة على نفسها، وانه شجّع بطريقة غير مباشرة بعد الدول على الوقوف في وجه أميركا وعلى رأسهم ألمانيا وفرنسا.

كيف يرى باول العراق؟

باختصار صوّر كولن باول العراق وكأنه من الدول المتقدمة جدا علميا. حتى انه يمكن له ـ أي العراق ـ ان يضاهي القوى العظمى في تقنياته ووسائله العلمية. فهو استطاع ان يجعل من بعض الشاحنات مراكز للأبحاث البيولوجية المتنقلة، وهذا الأمر يتطلب خبرات عالية ومتقدمة. وهو يستطيع تجفيف الانتراكس. كما ان العراق استطاع تحوير وصنع الطيارات من دون طيار، والتي بإمكانها نشر هذه المواد على بُعد 500 كلم عن العراق. ويملك العراق من 100 ـ 500 طن من المواد الكيماوية، و16000 ألف صاروخ. لدى العراق وبحسب باول كل البنى التحتية لصناعة القنبلة النووية. فهو لديه، العلماء، الخبرة، والتصميم للقنبلة. وكل ما ينقصه هو المواد الأولية، والمتهم بأنه حاول شراءها من افريقيا. لدى العراق صواريخ قادرة على ضرب أهدافا بعيدة حوالي 900 كلم عن العراق.

كيف يرى رامسفيلد العراق؟

صرّح رامسفيلد حديثا وخلال زيارته للقاعدة الجوية الأميركية في ايطاليا، «بأن الحرب ضد العراق، قد تدوم 6 أيام، أو ستة أسابيع، لكنني أشك في انها قد تدوم ستة أشهر». يقول رامسفيلد ان الحرب سوف لن تكون حربا عالمية ثالثة. وإن الفرق بين الحرب في العام 1991، والحرب المزمع خوضها حاليا هي، ان القوات الأميركية أصبحت حاليا أقوى بكثير، والقوات العراقية هي شبح ما كانت عليه في العام 1991. وقد صرح في هذا المجال أحد الخبراء في المجال الاستخباراتي، فقال: «تعاني القوات العراقية من مشكلة أساسية في المعنويات. فهي لا تريد التورط في حرب مع الأميركيين، وخصوصا مع نقص كبير في العدة والعتاد، ومع فرق كبير في نوعية العتاد. فقد رأى العراقيون كيف قاتلت أميركا في كوسوفو وأفغانستان، ولديهم تجربة سباقة - مستمرّة مع الطيران الاميركي، من هنا ترسخت لديهم عقدة النقص تجاه القوات الاميركية».

في تفسير نظرة باول: ان الشرح الدقيق، المفصل والتقني، والذي قدمه كولن باول يجعلنا نتساءل عن الامور الآتية:

- اذا كانت اميركا قادرة على رصد العراق بهذه الدقة والاستمرارية، فلماذا لم تستطع أجهزتها ووكالاتها رصد كل الاعتداءات على الارض والاهداف الاميركية، وعلى رأسها ضربة 11 سبتمبر؟ وهل يستطيع باول، واجهزته ان يقولوا لنا اين أصبحت الحرب على الارهاب؟ واين بن لادن العدو الاول؟ واذا كان العراق خطرا إلى هذه الدرجة، ويملك كل هذا الكم من اسلحة الدمار الشامل، فهل ستكون الحرب عليه نزهة بسيطة؟ وهل ان الحرب هي افضل مما اقترحه باول سابقا من ضمن استراتيجية «العقوبات الذكية»؟ فالعراق حاليا منصاع للتفتيش، وهو فتح ابوابه للمفتشين. واذا ما اعطي المفتشون بعض الوقت المدعوم بالقوة العسكرية، فانهم حتما سيقضون على ما يملك العراق من أسلحة دمار شامل. والوضع الاميركي السياسي الحالي، الداخلي والعالمي هو اقصى ما يمكن ان تحلم به اميركا. فهي المتعاونة بامتياز، وليست المتفردة. كل أوروبا تؤيدها. وهي استطاعت ان تعزل فرنسا والمانيا، وتظهر لهما ان القرار الاوروبي هو ليس في يديهما. حتى ان رامسفيلد بدأ يفكر في نقل القوات الاميركية المتمركزة في المانيا إلى بولندا. اذا اصبح لاميركا بدائل كثيرة في اوروبا، وهي ستعزز حتما موقعها الاوروبي في الايام المقبلة.

في تفسير نظرة رامسفيلد: اذا كان العراق بهذا الضعف، اذا من المفروض ان يعتمد الرئيس صدام حسين الاستراتيجية الآتية:

- بسبب ضعفه تقليديا مقابل القوات الاميركية، وبسبب تجاربه المريرة مع اميركا، وجب على العراق ان يركز على الحرب اللاتماثلية (Asymmetric).

- يجب على العراق ان يركز على اسلحة الدمار الشامل للتعويض عن النقص التقليدي.

- اذا اعتمد العراق هذا الخيار، فانه حتما قد ادخل اسلحة الدمار الشامل في عقيدته العسكرية، فوزع الادوار والاوامر للاستعمال عند الضرورة. هذا مع العلم ان لدى العراق تجارب مهمة في هذا القتال غير التقليدي.

اذا كيف يصرح رامسفيلد بأن الحرب لن تدوم اكثر من ستة ايام، او ستة اسابيع؟ فهل يندرج هذا التصريح من ضمن خطة الحرب النفسية؟ ام ان لدى رامسفيلد معلومات اكيدة ان العراق سوف لن يستعمل اسلحة الدمار الشامل، أو ان العراق لا يملك هذه الاسلحة؟ في الحالين، رامسفيلد مخطئ، وباول كاذب. فخطؤه بحسم عدم استعمال العراق لاسلحة الدمار الشامل هو غير محله، لان الرئيس صدام سوف لن يتوانى عن هذا الاستعمال اذا صدق معه جنوده، وذلك لان الرئيس صدام يعتبر هذه الحرب كحرب وجود. وفي حروب الوجود لاموانع، ولا ضوابط. واذا كان رامسفيلد صادقا في ان العراق لا يملك هذه الاسلحة، فهذا يعني ان كولن باول كاذب، وان محاضرته زائفة وجائرة.

اذا ماذا تريد اميركا من حربها على العراق؟

تريد اميركا إلى جانب الاستيلاء النفطي، ومركز العراق الاستراتيجي ان تظهر للعالم الامور الآتية:

- انها القوة الاعظم، وهي ستثبت هيمنتها على النظام الدولي.

- يعتبر العراق والنصر فيه، وكأنه رسالة لمن يريد. فالنجاح في العراق قد يحدد طريقة التعامل مع العالم ومشاكله في المستقبل.

- بسبب الحرب على العراق والنقاش حولها، جمعت اميركا تقريبا غالبية دول العالم المصنفة من الدرجتين الثانية والثالثة، إلى جانبها، وعزلت في الوقت نفسه، أو أحرجت غالبية القوى العظمى.

- تريد اميركا من هذا التقسيم والتصنيف، ان تقوم هي في تنفيذ المهمات العسكرية عند الحاجة إلى تحقيق المصالح العليا، وايكال المهمات الثانوية للدول الصديقة، على ان توزع هي الارباح كما تريد. وهذا ما يقلق الدول الكبرى، لان كرامتها لا تسمح لها بأن تكون قوة ملحقة. لكن معضلة القوى الكبرى هي في انها عاجزة عن مجاراة النسر الاميركي.

- بعد الانتهاء من العراق، ستسعى اميركا إلى المحافظة على الستاتيكو الذي يناسبها، ولذلك ستمنع قيام اية قوة تنافسها، وستمنع قيام اي تحالف يشكل خطرا عليها.

هل هذا ممكن؟

طبعا لكن لفترة ليست طويلة. فالتاريخ علمنا ان الهيمنة من قبل قوة عظمى ممكنة، لكن على جزء بسيط من العالم. لكن اميركا، وفي نشأتها التاريخية، كانت فريدة في نوعها. وهي فريدة حاليا في موقعها ودورها. فهي اول امبراطورية ديمقراطية تهيمن على العالم كله، ولا منافس لها على الساحة العالمية. فهل ستكون ايضا فريدة في استمرارية هيمنتها على مصير العالم؟ ممكن، لكن لفترة قصيرة. واذا ما استمرت هذه الهيمنة لفترة طويلة، فاننا نأمل ألا تكون مع بوش الابن، رامسفيلد وامثالهما

العدد 172 - الإثنين 24 فبراير 2003م الموافق 22 ذي الحجة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً