العدد 1716 - الجمعة 18 مايو 2007م الموافق 01 جمادى الأولى 1428هـ

«الأبطال الوطنيون»: تبديد لأموال دافعي الضرائب

مصباح الحرية comments [at] alwasatnews.com

مشروع مصباح الحرية

لدى الشركات الكبيرة متعددة الجنسيات قدرات مالية تفوق الناتج المحلي الإجمالي لبلدانٍ بأسرها. إن مساهمتها في إيجاد فرص العمل والنمو والإيرادات المالية تجعلنا نفهم لماذا أن الحكومات تجد تنمية الشركات المحلية وجعلها «أبطالا وطنيين» أمرا جاذبا. ومع ذلك، فإن تنمية تلك الفِرق الوطنية العملاقة تجعلها معتمدة على مساعدة الحكومة بدلا من إتاحة الفرصة أمامها لكي تصبح منافسة في الأسواق الدولية. إننا ننصح الحكومات بأن تكون حكيمة في التصرف بأموال دافعي الضرائب وأن تبتعد عن الأخطاء التي ارتكبها أقرانها في أوروبا وأميركا.

هناك أمثلة عملية كثيرة والتي أثبتت فشل السياسات الهادفة إلى خلق «أبطال وطنيين». لقد صرفت الحكومة الفرنسية ملايين الفرنكات في عقدي الستينات والسبعينات على تطوير طائرات الكونكورد التي تتجاوز سرعة الصوت والتي انتهت إلى الفشل. وصُرِفت مليارات أخرى بلا طائل لإقامة صناعة كمبيوتر فرنسية. وأخيرا وليس آخرا، أقامت الحكومات الأوروبية صناعة طائرات إيرباص الأوروبية باهظة الثمن، لأنها كانت تشعر بعدم الرضى بوجود ثنائي بوينغ وماكدونل - دوغلاس اللتين كانتا قائمتين في الولايات المتحدة.

السياسيون يؤيدون فكرة الأبطال الوطنيين لأن لديها إمكانية إفادتهم مرتين.

أولا، سيحصلون على دعاية إيجابية عن طريق فتح مقرات رئيسية للبطل الوطني ضمن حدود صلاحياتهم.

ثانيا، بعد أن يكون الأبطال الوطنيون قد استوعبوا نهائيا جميع أشكال الدعم الحكومي وأصبحوا مصابين بمرض مميت، فإنه يمكن للسياسيين أن يَظهروا كملائكة حماية. لقد وضع مستشار ألمانيا السابق شرويدر مثالا على ذلك عندما اندفع متوجها إلى دائرته الانتخابية لإعطاء تأييده لشركة هولزمان للبناء المتعثرة، وبطبيعة الحال تم ذلك قُبيل الانتخابات، ثم ما لبث أن تُرِكت لتندثر بعد أن تمت الانتخابات!

عندما كانت شركة إنديسا الإسبانية العملاقة للكهرباء ضعيفة بحيث أصبحت عرضة للاستحواذ من قبل منافسين طامعين في سبتمبر/ أيلول 2005، رحب رئيس وزراء إسبانيا ثباتيرو بعرض الاستحواذ من قبل شركة الغاز الطبيعي التي تملكها حكومة إقليم كتالونيا الإسباني. لقد عرضوا دفع 21.3 يورو مقابل كل سهم من اسهم شركة إنديسا، وقد كانت النظرة إلى تلك الصفقة هي أنها كانت بمثابة «ثمن سياسي». ذلك لأن الشركة الألمانية إي. أون دفعت لاحقا 40 يورو. وقد بدا بأن ثباتيرو باختياره لشركة الغاز الطبيعي كان على وشك الموافقة على خسارة حوالي 20 بليون يورو لأسباب سياسية.

وفي النهاية اشترت شركة أكسيونا الإسبانية للإنشاءات 21 في المئة من أسهم إنديسا، كما استملكت شركة الكهرباء العملاقة إنيل المملوكة للدولة الإيطالية 25 في المئة من الأسهم الأخرى. ما تزال إنديسا شركة إسبانية وطنية، لأن الشركة الإسبانية تملك 50.01 في المئة من الأصوات في الشركة القابضة. وقد حالت الحكومة الإسبانية دون وجود سوق فعالٍ للتنافس والذي بسببه ستُجلب القضية أمام المحكمة من قبل المفوضية الأوروبية.

لقد تم التركيز والتأكيد على قوانين الاستحواذ الوطنية والأنظمة المتعلقة بحَمَلَةِ الأسهم إلى درجة أن مراقب السوق المالي الوطني قرر الاستقالة من منصبه.

ما إن تتلقى الشركات الوطنية الدعم الحكومي حتى تُصبح أية حكومة تحت ضغط سياسي واسع لضمان أن الشركة سوف تظل تحت الهيمنة الوطنية. لقد أقامت الحكومة الإيطالية أنظمة لمراقبة الاستثمارات الخارجية في قطاعات استراتيجية عدة. وكان قد صدر قرار وزاري من قبل الحكومة الفرنسية يفرض الحصول على موافقة الحكومة على أي استثمار دولي في قطاعات تغطي الصناعات الدفاعية وشركات الأمن الخاصة وحتى الكازينوهات.

وأخيرا وليس آخرا، فإن اللجنة المختصة في الاستثمارات الأجنبية في الولايات المتحدة أثارت عناوين أخبار دولية عندما رفضت عرضا تقدمت به الصين للاستحواذ على شركة البترول الأمريكية أونوكال وكذلك محاولةٌ من قبل شركة مرافق دبي العالمية لإدارة ستٍ من موانئ أمريكا البحرية.

وفي غضون ذلك، شهدت إنجلترا على امتداد السنوات الأخيرة اكتساحا هائلا في عمليات الاستحواذ. إلا أن أنظمتها الليبرالية قد سمحت للمستثمرين الدوليين بشراء أسهم مسيطرةٍ في شركات بريطانية كبرى، بما في ذلك الصناعة البنكية التي اشتهرت بها لندن، وكذلك صناعة السيارات.

لقد كان أداء الاقتصاد الوطني جيدا إلى أقصى الحدود في ظل الأنظمة الليبرالية للاستحواذ، وللبيئة الجاذبة للأعمال التجارية التي تبقي الاستثمار والمقرات الرئيسية للشركات في المملكة المتحدة. وقد عُرف ذلك بشكل عمومي بـ»مؤثر ويمبلدن»: لم يعد هناك أبطال بريطانيون بيد أن المباريات تجري في بريطانيا.

في آسيا، تنتهج جمهورية الصين الشعبية سياسة الأبطال الوطنيين. قد يكون للصين الموارد المالية لانتهاج هذه السياسة. ولكن ما هو أهم من ذلك، في غياب الديمقراطية هو أن الصين لا تحتاج إلى إعلان مكاسبها أو خسائرها أو أن تبرر إنفاقها أمام دافعي الضرائب الصينيين.

أما العديد من الحكومات الأخرى في العالم، والتي تتبع أنظمة الديمقراطية التمثيلية، فإنها مضطرةٌ لتقديم حسابات عن الأموال التي تُنفقها. ومع ذلك، فكثيرا ما يكون هنالك علاقة وثيقة بين السياسات وكبريات الشركات، والتي تؤدي إلى قيام الثلاثي سيئ السمعة «الفساد، والتواطؤ والمحسوبية». كذلك، فإن الكثير من الديمقراطيات ما زالت غير ناضجة، الأمر الذي يؤدي إلى ضعف عام في أنظمة المراقبة، بما في ذلك تشريعات غير فعالة ومؤسسات مراقبة مالية غير سليمة، وفقدان للحرية الصحفية.

تحت تلك الظروف فإن سياسة قائمة على بناء وحماية الأبطال الوطنيين، لن تُعيد فقط الأخطاء الأوروبية والأميركية؛ بل إنها على الأغلب ستتم بثمنٍ أعلى بكثير. وقد تؤدي في نهاية المطاف إلى زعزعة استقرار المجتمعات وإساءة سمعة الديمقراطية.

*ممثل ماليزيا لدى مؤسسة فريدريش نيومان،

والمقال ينشر بالتعاون مع «مصباح الحرية»

إقرأ أيضا لـ "مصباح الحرية"

العدد 1716 - الجمعة 18 مايو 2007م الموافق 01 جمادى الأولى 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً