لفتني على نحو خاص الاقتراح الذي رفعه البرلمان في جلسته الاستثنائية التي غابت عنها الكتلة الوفاقية، ويتضمن هذا الاقتراح في طياته توصيات للحكومة بإنشاء وحدة متكاملة لعلاج العقم لدى الجنسين، وبرغم أهمية هذا الاقتراح فانني أجد أمام مخيلتي اقتراحا أكثر وجاهة كان يجب أن يرفع إلى الحكومة في الوقت الحالي وهو البحث عن علاج العقم الذي صنعه دستور 2002 للسلطة التشريعية المنتخبة.
في أسبوعين مضيا كنا نحن البحرينيين مشغولين بشغف بمتابعة تداعيات الاستجواب الذي باغتت به الكتلة الوفاقية وزير شئون مجلس الوزراء الشيخ أحمد بن عطية الله آل خليفة، وقد تابعنا معاَ حركة المد والجزر التي عصفت بعقرب الساعة السياسية البحرينية، وهذا الاختبار أفرز على الملأ مدى الانقسام الكبير ليس بشأن هذه القضية وإنما لنمط التفكير لدى السلطة والمعارضة في البحرين.
جاهل كل الجهل مَنْ يعتقد أن الاستجواب موجّه لشخصٍ ما، ولو كان كذلك لما أثيرت كل هذه الضجة، ولما أستأسدت السلطة في عرقلته، وهذا ببساطة يعني أن الاستجواب أبعد من الوزير عطية الله، وهو يرقى - في نظرنا - لمحاكمة نظام سياسي كامل على طريقته في إدارة دفة الأمور منذ أعوام طويلة.
إن هذا الاستجواب في عمقه الحقيقي أبعد حتى من «التقرير المثير»؛ لأنه وضع الجميع على المحك وليس الوفاق وعطية الله وحدهما... إنه أقرب إلى إثبات صراع الإرادات في البحرين منه إلى ملاحقة وزير بتهم تتعلق بفساد مالي صغر أم كبر.
الوفاق- ومن خلال تصريح رئيس فريق الاستجواب - النائب جواد فيروز اكتشفت - بعد حين ربما - أن غرفة المجلس ضيّقت عليها الخناق، ولا سبيل لها للتنفس أمام محدودية الخيارات التي توفرها التجربة النيابية إلا أن تبدي موقفا حاسما لجماهيرها التي تنتظر منها أن تكشر عن أنيابها لإنقاذ ما أفسده الإيقاع السياسي المضطرب منذ نحو خمسة أعوام.
أنا، لا يمكنني بصراحة أن ألوم الوزير عطية الله، وليعذرني الوفاقيون في ذلك؛ لأن الوزير عطية الله لا يغرّد خارج السرب، إنما هو جزء من نظام سياسي كبير يدير الأمور بنمطية «سيستم» متأصل، وبالتالي فإن الوزراء ليسوا هم المشكلة في ذواتهم، إنما ينبغي العمل التراكمي لإصلاح «السيستم» الذي تحكمه ثقافة سياسية يتملّكها الخوف من الآخر، تصل إلى حد التشكيك في الذات أحيانا.
من الواضح أن معركة الاستجواب التي فجّرتها الوفاق لا يُراد بها استصدار شهادة إدانة قانونية، ولا يمكن إطلاقا قياس نجاح هذا الاستجواب أو فشله على أساس القشر القانوني؛ لأن المعركة الوفاقية في جوهرها سياسية وإعلامية أولا، فيمكنك أن تختلف معي في حيثيات هذا الاستجواب شكلا وموضوعا وتوقيقتا، ولكن ليس بوسع أحدٍ أن ينكر أن الاستجواب الوفاقي أحدث زلزالا إعلاميا كان له وقع كبير على السلطة بمواليها ومعارضيها.
إذا قسنا الاستجواب الوفاقي على مقياس «ريختير الإعلامي» فسنكتشف حينها خطأ الفرضية التي تراهن على قانونية (أو عدم) قانونية الاستجواب، فالوفاق أوصلت إلى شارعها رسالة ثانية من الحجم الثقيل « THE X-LARAG MASEEG»، فالأولى كانت مقاطعة بداية دور الانعقاد والثانية كانت مقاطعة نهاية دورالانعقاد، وفي كلتا المقاطعتين كانت الوفاق هي المبادرة وهي التي اختارت التوقيت حتى لو اختلفنا معها على طريقة أو جني ثمار المقاطعتين.
الفصل الأخير من مسرحية الاستجواب يجب على كل الأحوال ألا يكون نهاية المطاف، وهذه النهاية حتى لو كانت تراجيدية- لدى البعض- فإنها يمكن أن تفتح الباب إلى نافذة إيجابية مقبلة، فالسياسة لا تقاس بنظرة جازمة أما بيضاوية أو سوداودية، فالمشهد الرمادي الذي يعرف بالمسافة بينها يمكن المراهنة عليه كثيرا.
لا حاجة لمعرفة مَنْ هو «الغالب» و»المغلوب» في استجواب الوفاق، ولكننا بحاجة حقيقية وأكثر من أي وقت مضى ليس إلى استجواب في غرفة ذات ثمانية مقاعد، وإنما إلى «حوار مكاشفة»، وإذا كان السؤال: هل نحن بعد هذا الزلزال أمام أزمة كبيرة قادمة؟ بصرف النظرعن الجواب، فاننا يجب أن نتدارك أية عاصفة.
الحكمة تقتضي - الآن وقد أعلن الطرفان (الوفاق وعطية الله) حسن نواياهما - أن نرى حوارا جادا حقيقيا معمقا ليعيد الثقة المتبادلة من دون الحاجة إلى محاكمة، و»حوار المكاشفة» المنتظر يجب أن يؤسس على قاعدة مصلحة البحرين والخوف على البحرين، ومن أجل البحرين التي يجب أن تكون هي المنتصرة دائما وأبدا.
إقرأ أيضا لـ "حيدر محمد"العدد 1710 - السبت 12 مايو 2007م الموافق 24 ربيع الثاني 1428هـ