قد تعتبر دول المشرق العربي متقدمة على مجموعة دول مجلس التعاون الخليجية في مجال المشاركة السياسية للمرأة إن في كونها تملك تجربة أقدم وإن في كون تمثيل المرأة نيابيا في بلدانها أوسع وأشمل. تسليط شيء من الضوء على واقع مشاركة المرأة في السلطة التشريعية في تلك الدول قد يمنحنا إمكانا محرزا في المقارنة بين الوضعين والحكم متروك للقارئ الكريم. في سياق ما نسلطه من ضوء نضم اليمن إلى مجموعة دول المشرق العربي ونستبعد مصر فتكون الدول المقصودة هي اليمن والعراق والأردن وسورية ولبنان وفلسطين.
منذ أن أعلن الدستور اليمني العام 1981 حتى آخر تعديل أجري عليه العام 2000 حفظ في أكثر من مادة حق المرأة في المشاركة السياسية وساواها بالرجل مساواة كاملة. وقد تزايدت نسبة المسجلات للانتخابات النيابية من النساء ما بين انتخابات العام 1993 وآخر انتخابات نيابية جرت في العام 2003. إلا أنه جرى تراجع فيما حققته المرأة اليمنية المترشحة من نجاحات. ففي العام 1993 ترشحت 48 امرأة فازت منهن اثنتان. وفي العام 2003 ترشحت 11 امرأة فازت منهن واحدة فقط. وبالمقارنة النسبية مع الدول العربية تسجل المرأة اليمنية أقل نسبة تمثيل في البرلمان بين الدول العربية التي تجرى فيها انتخابات. ولتفسير ذلك تؤخذ في الاعتبار هيمنة الموروثات والتقاليد البالية في النظر للمرأة وكذلك نسبة الأمية العالية بين النساء اليمنيات. بالإضافة إلى أن الدستور اليمني ذاته يتضمن نصا (المادة 31) يقول: النساء شقائق الرجال ولهن حقوق وعليهن واجبات ما تكفله وتوجبه الشريعة الإسلامية وينص عليه القانون. وذلك يعني أن حقوق الرجل وحقوق المرأة ومنها الحقوق السياسية التي تؤكدها وتساوي بينها نصوص دستورية، قابلة للاختلاف بين الجنسين وفق اجتهادات التفسير الشرعي لها. وهو ما يوقع النصوص الدستورية في تناقض.
أما المرأة العراقية فيتميز وضعها في الأمس واليوم بخصوصية معينة تنطوي على متناقضات كثيرة تقع وبالا على المرأة العراقية وتصادر حقوقها بما يشمل ذلك حقوقها السياسية. المرأة العراقية كما الشعب العراقي لم تعش وضعا طبيعيا منذ أن تأسست الدولة العراقية مطلع الثلاثينات الماضية. فعلى مدى ما يقرب الثمانية عقود وقعت على المرأة العراقية أعباء حياتية ثقيلة أذهبت بمشاركتها السياسية وصادرت حقوقها التي نصت عليها الدساتير العراقية. نقول دساتير باعتبار أن أول دستور مؤسسي صدر بالعراق كان في عهد الملكية العام 1925 ثم تعاقبت على العراق ثلاث جمهوريات انقلابية بثلاثة دساتير مؤقتة، وفي أعقاب الاحتلال الأميركي صدر آخر دستور عراقي العام 2005. ما عاشه العراق من اضطرابات وقلاقل وانقلابات واحترابات دموية وحكم دكتاتوري واحتلال أجنبي أفرغ المواد المتطورة ذات العلاقة بحقوق المرأة التي امتازت بها الدساتير العراقية دون غيرها من محتواها. وطوال عقود وقع فيها على كاهل المرأة العراقية عبء لملمة أوضاع عائلتها وتدبير شئون حياتها وتجرع آلام الفقد التي عايشتها وتعايشها كل عائلة عراقية. المرأة العراقية لم تتمتع بوضع طبيعي يسهم في انخراطها في الشأن المجتمعي العام ويعزز توجهها للمشاركة في الحياة السياسية. وإن تمكنت المرأة العراقية من تمثيل شعبها خلال عقود الحكم البعثي فقد كان لتمثيلها صبغة اللون الواحد الخاضع للخط الرسمي. وفي التجربة الحالية نص الدستور المؤقت الذي وضع العام 2004 على وجوب أن تمثل النساء في الجمعية الوطنية العراقية بنسبة 25 في المئة على الأقل. وفي أعقاب الانتخابات الأخيرة 2005 بلغت نسبة مشاركة المرأة في السلطة التشريعية 30 في المئة وهي أعلى نسبة عربية. إلا أن الوضع القاسي الذي يعيشه العراق في ظل الاحتلال والحرب الطائفية لا يمنح المرأة إمكانات الانطلاق لاستثمار وتوظيف تلك الحقوق.
المرأة الأردنية نالت حقها في المشاركة السياسية في الانتخاب فقط للمجالس النيابية العام 1955 وفي العام 1974 نالت حقها كاملا في الترشح والانتخاب. ومارست ذلك الحق في الانتخابات البلدية. وفي أول انتخابات نيابية العام 1989 لم تفز أي مترشحة. وفي انتخابات 1993 فازت توجان الفيصل بعضوية المجلس النيابي بمقعد الشركس. وفي انتخابات 1979 لم تفز أي مترشحة. وفي العام 2003 اعتمد نظام للكوتا يضمن وصول النساء إلى عضوية المجلس إذ أجري تعديل على قانون الانتخابات خصصت بموجبه ستة مقاعد لإشغالها بالمترشحات من مختلف دوائر المملكة على أساس نسبة عدد الأصوات التي تنالها كل مترشحة. وطبق نظام الكوتا في الانتخابات التي جرت العام 2003 إذ ترشحت 54 امرأة فازت منهن 6 نساء ضمن كوتا الستة مقاعد ولم تفز أي واحدة خارج هذا النطاق. تلك النتائج تؤكد صعوبة فوز المرأة الأردنية من دون الأخذ بآليات الكوتا النسائية، كما تؤكد أن الموروث الثقافي في النظر لمشاركة المرأة وبلوغها مراكز اتخاذ القرار لم يزل عائقا كبيرا لن يتزحزح إلا بتوسيع الأخذ بآليات الكوتا.
أما المرأة السورية فقد نالت حقها في الانتخاب للمجالس النيابية منذ العام 1949. وفي العام 1960 فازت امرأتان لعضوية مجلس الأمة. ومنذ استقرار حزب البعث السوري في السلطة تسهم الحصة الثابتة المعتمدة لمترشحي حزب البعث الحاكم والتي تبلغ نسبتها 52 في المئة من مقاعد مجلس الشعب في ضمان وصول عدد من النساء لعضوية المجلس. وقد بلغ عدد النساء أعضاء المجلس في دوره التشريعي الثامن 2003 -2007، 30 امرأة من أصل 250 عضوا أي بنسبة 12 في المئة من مجموع الأعضاء. نسبة مشاركة المرأة السورية في السلطة التشريعية نسبة عالية على الصعيد العربي، لكنها لم تتحقق إلا بالكوتا السياسية المعتمدة في سورية، كوتا هيمنة الحزب الحاكم.
المرأة اللبنانية حصلت على حق الانتخاب والترشح العام 1952 بقيود والعام 1953 من دون أية قيود. وقد بلغ عدد النائبات في مجلس النواب اللبناني العام 2000 ثلاث نائبات فقط بنسبة 2.34 في المئة. وفي آخر انتخابات نيابية العام 2005 بقيت نسبة تمثيل المرأة في مجلس النواب متدنية إذ حققت 6 نساء فقط فوزا بالمقاعد النيابية من مجموع 128 بنسبة 4.68 في المئة. وخلال العام 2006 طرح مشروع قانون الانتخابات النيابية باعتماد آلية الكوتا وفقا للنظام النسبي بحيث تضم كل لائحة ترشح 30 في المئة مترشحات نساء، ولم يتحقق للآن الإصدار الرسمي للقانون. وقد انعكست الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان، بالإضافة إلى الوضع السياسي اللبناني المضطرب المفعم بالاحتراب الطائفي انعكاسا سلبيا على ما يمكن أن تحققه المرأة من تقدم في جهة توسيع وجودها على مقاعد السلطة التشريعية.
بدأت المرأة الفلسطينية تمارس حقها في الانتخاب والترشح للمجلس التشريعي في العام 1996 وبلغ تسجيل النساء في القوائم الانتخابية نحو 45 في المئة وهي نسبة جيدة قياسا بكونها التجربة الأولى. وفي انتخابات 2006 وبفوز 18 امرأة على مستوى القوائم والدوائر زادت نسبة تمثيل المرأة في المجلس التشريعي من 3 في المئة إلى 14 في المئة وهي من أعلى النسب على الصعيد العربي. ولولا الوضع الفلسطيني المضطرب حد المأساة لشكلت مشاركة المرأة في السلطة التشريعية واحدة من أنصع التجارب العربية.
إقرأ أيضا لـ "فوزية مطر"العدد 1709 - الجمعة 11 مايو 2007م الموافق 23 ربيع الثاني 1428هـ