فعلا كان الاحتفال بافتتاح المرفأ المالي زاهيا وجميلا، والحضور الرفيع من صناع القرار الاقتصادي والحركة المالية في دول المنطقة يدل على أهمية هذا المشروع من الناحية الاستراتيجية، وخصوصا أنه يأتي ليحقق قصب السبق في ظل منافسة حامية الوطيس من الدول الخليجية المجاورة. وكم هو مفرح أن يرى البحريني بلده تسير بخطى ثابتة ومتميزة على الخريطة المالية والاقتصادية، وما هو مسر في الأمر أن يرأس هذا المرفأ الضخم عصام جناحي وهو شاب بحريني رسم اسمه في خريطة المبدعين الذين تفخر بهم المملكة، والذين هم خير سفراء لهذا البلد أمام العالم، ونعتد بهم باعتبارهم ثروة حقيقية لشغل مناصب قيادية متقدمة في المستقبل. إن مشروعا ضخما كالمرفأ المالي مهم من جهة استراتيجية البحرين لتقليل اعتماد الدخل القومي للمملكة من إنتاج النفط الذي يسير في منحنى تنازلي يوما بعد آخر، إذ ستفقد البحرين ثلث قدرتها الإنتاجية من هذا القطاع بعد عشر سنوات من الآن، كما أن عدم اكتشاف أية بئر نفطية جديدة في حقل البحرين يدق ناقوس الخطر إلى الحكومة لكسر الاعتماد الكبير على هذا القطاع بوصفها موردا مهما، كما أنها ستضطر لاستيراد الغاز من قطر وإيران بكلفة مرتفعة، وبالتالي وجب على الحكومة أن تعيد توجيه بوصلة الخيارات المستقبلية للاقتصاد البحريني.
نحن في البحرين أمامنا تحدٍ كبير لتطوير المخرجات الاقتصادية لبلدنا، والمملكة اليوم - ومن خلال هذا المشروع التاريخي العملاق - حققت طفرة كبيرة على مستوى احتضان كبريات الشركات والمؤسسات المالية العملاقة، ونحن واثقون بأن المرفأ المالي سيكسر خطأ المشروعات الأخرى، وسيخلق فرص التوظيف الكثيرة والمغرية والتي نتمنى أن تكون من نصيب البحريني أولا، لأن الانجاز الحقيقي أن تصنع هذه المشروعات فرصا واعدة لأبناء هذا البلد، وأن تحد من بعض «المافيات» الأجنبية التي تنتشر مثل الشبكة العنكبوتية، ففي الكثير من المؤسسات تجد الأجنبي معززا يشغل مقعدا لبحريني عاطل عن العمل.
نعم، أمامنا فرص واعدة لتطوير الاقتصاد، ولكن يجب أن تفكر الدولة جديا في وضع حد لمسلسل سرقة الأراضي، الأمر الذي من شأنه أن يقلص من فرص اقتناص عدد من المشروعات الكبرى بسبب غياب الشح المتعمد وليس الطبيعي في الأراضي، ويجب ألا نتذرع بعد اليوم بقلة المساحة طالما أن هناك مناطق بهكتارات واسعة محرمة على المواطن والمستثمر، والسبب أن هذا المتنفذ أو ذاك يسيل لعابه عليها فطوقها أو وهب إياها على رغم أنها تعود في الأساس إلى الملكية العامة وواضح الفرق بينها وبين النظام الحالي الذي يشبه «الاقطاعات».
البحرين يجب عليها أن تمضي قدما في مكافحة الفساد المالي والإداري، وتعزيز الشفافية ومحاربة البيروقراطية التي لا تزال تنهك القطاع الحكومي، فالمرء يتردد كثيرا قبل أن يفكر في أي مشروع إذا تطلب إنجاز معاملة حكومية، لأنه يعرف حجم العناء الذي سيواجهه مسبقا من الشروط المعقدة ثم تقاذف المسئوليات حتى يمضي من الوقت الكثير ما يجبر صاحب المشروع أن يلعن اليوم الذي وقف فيه أمام هذه الدائرة الحكومية ليتفاجأ بعد مرور أشهر طويلة أن طلبه قد رفض.
وربما يحسب للمملكة في هذا الإطار تأسيسها مجلس المناقصات الذي يرأسه وزير يشهد بنزاهته الجميع، وهو إداري محترف، والكل بدأ يشعر الفرق عندما ترأس الوزير عبدالحسين ميرزا هذا المجلس المهم، فأصبحت لدينا شفافية معقولة في إرساء العطاءات، وهذه الخطوة يجب أن تشجع من قبل البرلمان والصحافة، لأنها تعكس وجها آخر للوضع الذي كان سائدا منذ عشرات السنين في البحرين، وهي أن العقود والمناقصات والصفقات ترسى تحت جنح الظلام دائما، وكذلك يجب علينا الإسراع في خطى الإصلاح الاقتصادي الذي يقوده سمو ولي العهد على رغم المعوقات الموضوعية أو المفتعلة التي تعترض طريقه حاليا.
سماء البحرين أضاءت في افتتاح المرحلة الأولى من المرفأ المالي، ولعل هذه الإضاءة تحمل لنا البشرى ليضيء وطننا أرضا وسماء، وهذه الإضاءة هي حلم أن يعامل البحريني بكرامة، معززا في وطنه، وأن يحصل على فرصة عمل لائق وسط حرب «المافيات»، ويجب أن تتغير الثقافة السائدة لدى الكثيرين بأن البحرين ليست أهلا لموقع القيادة وخصوصا في القطاع المالي ذي الدخل المجزي، والذي يحظى الموظفون فيه بشروط عمل محفزة، وأملنا في التغيير كبير!
إقرأ أيضا لـ "حيدر محمد"العدد 1703 - السبت 05 مايو 2007م الموافق 17 ربيع الثاني 1428هـ