هناك اعتبارات كثيرة لسياسة الاتحاد الأوروبي تجاه دول مجلس التعاون الخليجي، كما أن هناك أولويات لهذه السياسة، وتباينا في مقاربتها بين الدول الكبرى في الاتحاد الأوروبي، وطبعا تباينا في التعاطي مع كل دولة في دول المجلس على حدة.
وإذا ما أخذنا في الاعتبار أن الخليج العربي تحت الحراسة الأميركية وأن المصالح النفطية والشركات النفطية الأساسية هي أميركية، فإن ذلك يستتبع نفوذا سياسيا طاغيا للولايات المتحدة. من هنا باستثناء بريطانيا التي لها وجود تاريخي في الخليج وعلاقات تاريخية سواء في العهد الاستعماري أو في عهد الاستقلال، فإن باقي دول الاتحاد الأوروبي وخصوصا دوله الكبرى مثل ألمانيا وفرنسا وإلى حد ما إيطاليا تعمل على توطيد حضورها ونفوذها ومصالحها الاقتصادية في المنطقة. وقد نجحت فرنسا خصوصا في كسر الاحتكار النفطي الأميركي البريطاني، بحصول شركاتها على امتيازات في عمان، على حين نجحت في كسر احتكار توريد السلاح إلى عدد من دول المجلس مثل السعودية وقطر والإمارات. وتعتبر دول الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأول لدول مجلس التعاون الخليجي سواء من حيث الصادرات أو الواردات، وتأتي في المرتبة الثانية من حيث حجم الاستثمارات الخليجية بعد الولايات المتحدة، بل إن هناك تحولا لمزيد من الاستثمار الخليجي في أوروبا على حساب الولايات المتحدة بعد حوادث 11 سبتمبر/ أيلول 2001، وما تبعها من تداعيات.
وعلى الجانب الدبلوماسي، إن مرحلة ما بعد الاستقلال لدول المجلس شهدت حضورا دبلوماسيا وسياسيا متزايدا للدول الكبرى للاتحاد الأوروبي. ولقد وجدت دول مجلس التعاون أن دول الاتحاد الأوروبي أقرب إليها وأكثر تعاطفا معها في القضايا العربية المحورية مثل قضية الصراع العربي - الإسرائيلي، والتكامل الاقتصادي العربي والجهود العربية المشتركة سواء لحل الخلافات العربية أو حل خلافات دول عربية مع جيرانها.
ولكن كل ذلك لا يمثل سياسة أوروبية موحدة، ولكنه ومع توجه الدول الأوروبية نحو التوحد السياسي بعد أن توحدت اقتصاديا، وقيام الاتحاد الأوروبي على أنه تطور نوعي للسوق الأوروبية، وما رافق ذلك من تطور البنى السياسية للاتحاد وتزايد صلاحياته المركزية مثل البرلمان الأوروبي ومجلس أوروبا، والمفوضية الأوروبية فإن ذلك انعكس على مزيد من التقارب والاندماج في صوغ سياسية خارجية للاتحاد الأوروبي.
اتفاق التجارة الحرة
مضت سنوات والمفاوضات جارية بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي للوصول إلى اتفاق التجارة الحرة بين المجموعتين. لقد أبرمت الولايات المتحدة اتفاق تجارة حرة، بعد سنوات أقل بكثير من تلك التي استغرقتها مع الاتحاد الأوروبي، مع كل من البحرين وقطر وعمان، فيما لاتزال المواقف متباعدة مع المملكة العربية السعودية.
وإذا كانت سياسة الولايات المتحدة هي الإصرار على إبرام اتفاقات منفردة مع دول المجلس، فإن سياسة الاتحاد الأوروبي هي الإصرار على اتفاق شامل لجميع أعضاء المجموعتين وهو ما أخر التوصل إلى هذا الاتفاق.
وانطلاقا من النظام الأساسي للاتحاد الأوروبي فإنه إلى جانب الاشتراطات التجارية والاقتصادية والنقدية، فإن احترام حقوق الإنسان سواء أكان مواطنا أم وافدا أم مقيما، وبموجب المعايير الدولية يجب أن يكون شرطا لإبرام الاتفاق.
اهتمام الاتحاد الأوروبي
إن الاتحاد الأوروبي - مثله مثل الولايات المتحدة - قلق مما يعرف بـ «التطرف الإسلامي» والإرهاب المنطلق من عقيدة متعصبة، والتنظيمات الإرهابية العابرة للحدود إذ شهدت بعض العواصم الأوروبية مثل مدريد ولندن وباريس عمليات إرهابية، فيما تم إحباط عمليات إرهابية أخرى في بلدان أوروبية أخرى، ويُجرى تفكيك شبكات إرهابية باستمرار. وعلى رغم أن أيا من مواطني منظمات تنتمي إلى مجلس التعاون ليست متورطة في أيٍّ من هذه العمليات، فإن الاتحاد الأوروبي ودوله قلقة من الروابط بين المجموعات الإرهابية والأصولية في البلدان الأوروبية ومنظمات «القاعدة» أو المنظمات المثيلة في المنطقة (مجلس التعاون والعراق واليمن) التي قامت بعمليات إرهابية ضد أهداف أميركية ومحلية، ومدنيين غربيين وعربٍ ومحليين.
إن الاتحاد الأوروبي قلق أيضا من اكتساح ما يعرف بـ «الإسلام السياسي» للعالم العربي، بما في ذلك بلدان مجلس التعاون الخليجي، والذي يشكل في رأي الاتحاد الأوروبي الحاضن للاتجاهات المتطرفة، المناهضة للغرب وفي مقدمتها الولايات المتحدة وبعض دول الاتحاد الأوروبي.
من هنا، فإن للاتحاد الأوروبي مصلحة في دعم مجلس التعاون ودوله لاحتواء هذه الاتجاهات الأصولية والمتطرفة وتعزيز الاتجاهات الوسطية الإسلامية والاتجاهات الليبرالية التي تتوسل النضال السلمي؛ لإحداث إصلاحات ديمقراطية تخلق البيئة المناسبة لعملية تحديث المجتمع ودمقرطة الدولة، وتجعل القوى السياسية مشاركة في العملية السياسية بصفتها بديلا من التهميش والإقصاء اللذين يدفعان نحو المواجهة والصراع العنيف.
مفارقة دور «الناتو»
تكمن المفارقة هنا في الدور المتزايد لحلف الناتو إلى جانب الولايات المتحدة في لعب دور أمني متزايد لمواجهة التحديات الأمنية التي تواجه مجلس التعاون الخليجي ودوله والمتمثل في مخاطر الإرهاب الداخلي لهذه المنظمات ومخاطر الأمن الإقليمي الذي تمثله إيران بنظر حلف الناتو ومجلس التعاون الخليجي.
مؤتمر اسطنبول الذي انعقد في نهاية العام 2004، المنطلق لصوغ ما يعرف بـ «سياسة التوسع في مجال عمل الحلف خارج نطاق حلف الأطلسي الجغرافي»، وفي هذا الإطار فإن حلف الناتو لم يعد يطرح نفسه على أنه حلف عسكري أمني لدوله الأعضاء فقط، بل أضحى يطرح نفسه على أنه منظمة سياسية مستعدة لتقديم الدعم والخبرة والتعاون في مجالات عدة تشمل مكافحة الإرهاب، وشبكات تهريب الأفراد والمخدرات، والإنقاذ، حتى التدريب على إجراء الانتخابات.
انطلاقا من مبادرة اسطنبول سعى حلف الناتو إلى إقامة علاقات وثيقة بمجلس التعاون، وقد عُقد مؤتمران في الدوحة خلال العامين 2005 و2006 ضما قادة وخبراء ودبلوماسيين لكل من حلف الناتو ودول مجلس التعاون الخليجي، ولكن الأهم هو أن أربع دول من المجلس، وهي: الكويت، البحرين، قطر والإمارات قد وقعت اتفاقات أمنية مع الحلف، لم يكشف عن مضمونها ولم تعرض على المجالس التشريعية للتصديق عليها.
ومن مؤشرات الاهتمام المتزايد لحلف الأطلسي بمجلس التعاون، قيام وفد برلماني كبير حديثا بجولة خليجية، إذ التقى إلى جانب الرسميين كلا من الشورى والنواب، وممثلي الجمعيات الأهلية، وتحاور معهم بشأن سبل تعزيز التحول الديمقراطي. ولكنه حتى الآن لم يقم وفد من البرلمان الأوروبي العتيد بأي زيارة لدول المجلس، وهو الأَوْلى بذلك. هل هو تقسيم عمل أو انعكاس لطغيان حلف الأطلسي عسكريا وأمنيا؟
إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"العدد 1702 - الجمعة 04 مايو 2007م الموافق 16 ربيع الثاني 1428هـ