العدد 1702 - الجمعة 04 مايو 2007م الموافق 16 ربيع الثاني 1428هـ

وداعا للشقيقتين الماليتين العالميتين؟

مصباح الحرية comments [at] alwasatnews.com

مشروع مصباح الحرية

هل تعتقد بأنه يتوجب إلغاء صندوق النقد الدولي والبنك الدولي؟ من الواضح لكل إنسان أن المنظمتين في ورطة كبيرة.

لقد تم تشكيل المنظمتين في مؤتمر بريتن وودز في ولاية نوهامبشر، الذي انعقد في يوليو/تموز من العام 1944. لقد أعطي صندوق النقد الدولي المسئولية الرئيسية لضمان استقرار النظام النقدي والمالي الدولي، وبشكل محدد إدارة نسب تبادل محددة للعمولات مرتبطة بسعر الذهب والتي أُقيمت يومئذ (ولكنها أُلغيت في العام 1973).

أما البنك الدولي فهو في الحقيقة مجموعة من منظمات دولية خمس مهمتها الرئيسية تقديم التمويل للتنمية وإسداء النصح من أجل القضاء على الفقر على امتداد العالم. وعلى مدى عقود عدة كان نقاد البنك (بما في ذلك عدد من كبار موظفيها السابقين، مثل كبير الاقتصاديين السابق، والحائز جائزة نوبل، جوزيف ستيغليتز، وعالِم الاقتصاد البارز وليم إيسترلي) كان هؤلاء النقاد قد قدموا إثباتات كثيرة بأن المؤسسة قد خلقت مشكلات أكثر كثيرا مما كانت قادرة على حلها.

الرسالة الأساسية للبنك الدولي قد تم تصورها بشكل خاطئ منذ البداية، وبالتالي فقد كان محكوما عليها بالفشل. فبالرجوع إلى العام 1944، كان هنالك اعتقاد واسعٌ بأنه إذا ما زوِّدت حكومات البلدان الفقيرة بمبالغ من المال لإقامة البنى التحتية وغيرها من أسباب التطوير فإن بإمكانها أن تصبح أكثر رخاء وبسرعة.

وكما نعلم الآن فإن موظفي الحكومات الذين ينفقون أموال شعوب غيرهم على مشروعات يتم تقريرها على أسس سياسية تؤدي في نتائجها إلى إنفاقٍ زائد وأداء ضعيف، حتى في البلدان الديمقراطية الغنية. أما في البلدان الفقيرة، فإن النتائج هي على الدوام أسوأ من ذلك. لذلك فإن أموالا كثيرة جدا اكتسبها البنك الدولي من دافعي الضرائب من الطبقات الوسطى في البلدان الغنية إنما ذهبت لإثراء موظفي الحكومات وقادتها الفاسدين في البلدان الفقيرة.

إن البنك الدولي، وبسبب غياب رقابات حسابية والإشراف المناسب والشفافية، قد ساهم في إذكاء الفساد والاضطهاد في القارة الإفريقية وغيرها. يُضاف إلى ذلك أن الناس الفقراء الذين لم يستفيدوا مما أنفقه البنك قد انتهى بهم الأمر بأن أصبحوا مُكبّلين بديون توجب عليهم إعادة دفعها إليه.

في العام 1990، كنتُ رئيسا مشاركا للفريق الاقتصادي البلغاري الانتقالي، الذي كانت ترعاه مؤسسة الغرب الوطنية التجارية والحكومة البلغارية. وكجزء من جهودنا، كنا نحاول خصخصة معظم الشركات التي تمتلكها الحكومة، بما في ذلك شركة الهواتف التي تملكها الدولة.

ومن وراء ظهورنا قدم البنك الدولي قرضا إلى احتكار الدولة للهاتف، يرافقه شرط بأن الحكومة لا يمكن أن تسمح بالمنافسة الخاصة. وعندما واجهت المسئول في البنك الدولي، قال لي ان الأكثر أهمية للبنك هو أن يسترجع ما قدمه وليس أن يكون لشعب بلغاريا نظام اتصالات منافس خاص (أي أسعار أقل وخدمة أفضل). وحتى هذا اليوم مازالت هذه العقلية تهيمن بشدة على البنك الدولي. لقد تم تحقيق بعض التقدم في الإشراف والشفافية خلال السنين الأخيرة، ولكن كثيرا جدا من مشروعات البنك الدولي كانت ضعيفة الدراسة وسيئة الإدارة وبطبيعة الحال فاسدة.

عندما تسلم بول وولفويتز رئاسة البنك الدولي في يونيو/ حزيران العام 2005، جعل مكافحة الفساد من قبل المقترضين من البنك الدولي، والمتعاقدين معه، وحتى من موظفي البنك أولوية مركزية. بطبيعة الحال فإن الحكومات الفاسدة ومؤيديها، والمتعاقدين الفاسدين، وحتى بعض موظفي البنك قد اشتكوا. عندها ارتكب السيد وولفويتز خطأ أحمق بإعطاء عدد من الأشخاص الذين جلبهم معه وصديقته (وهي موظفة في البنك الدولي) زيادات كبيرة في الرواتب وبالتالي أساء إلى حملة مكافحة الفساد ووضع نفسه على المشرحة ليتم ذبحه من قبل أعدائه.

قضية صندوق النقد الدولي هي أكثر تعقيدا من إذ إنه ارتكب أخطاء فادحة، من حيث أنه أرغم البلدان الفقيرة على زيادة الضرائب، ومن حيث كونه الملجأ الأخير لتقديم القروض لبلدان غير مسئولة وبالتالي زيادة المخاطرة بالنظام العالمي. بيد أن صندوق النقد قد حقق بعض النجاحات من حيث المساعدة في إقامة أنظمة بنكية ومالية ونقدية في عدد من البلدان الشيوعية السابقة. إلا أن مشكلاته الحالية تتأتى من حقيقة كونه يتلقى أمواله العاملة من القروض التي يكون قد منحها إلى الحكومات في حالات عُسرها، وإذ إن معظم المدينين الكبار للصندوق قد أعادوا دفع تلك القروض، فإن دخل صندوق النقد الدولي هو بضع مئات من ملايين الدولارات أقل من نفقاته. وعندما كانت محفظة الصندوق عامرة، انغمس في سلسلة لا تنتهي وغير ضرورية من الانتفاخ البيروقراطي العام وبأعداد كبيرة جدا من الموظفين الذين يتلقون رواتب عالية.

فإذا استطاع صندوق النقد الدولي أن يُخفض تخفيضا راديكاليا من حجمه وأن يُقيّد نفسه بمهمة جمع المعلومات، وتشجيع الدفعات الدولية المنتظمة، وتوسيع التجارة وبعض مهمات المساعدات التقنية المحدودة (وجميع تلك المهمات يُمكن إنجازُها بِعُشر عدد جهاز صندوق النقد وموازنته) فإنه يمكن عندها للصندوق أن يُبرر استمرار وجوده.

إن قول «وداعا» للبنك الدولي وإلى جزء كبير من صندوق النقد الدولي سيكون لهما الفوائد والنتائج نفسها التي تمخضت عنها الإصلاحات التي أُدخلت في برامج المساعدات الاجتماعية في الولايات المتحدة. عندما لا يعود أمام الحكومات، مثل الأفراد، أي خيار لديهم سوى تحمل مسئولياتٍ أكبر إزاء أفعالهم، فإن معظمهم سيفعلون ذلك.

*خبير اقتصادي أميركي في معهد كيتو في واشنطن العاصمة،

والمقال ينشر بالتعاون مع «مصباح الحرية»

إقرأ أيضا لـ "مصباح الحرية"

العدد 1702 - الجمعة 04 مايو 2007م الموافق 16 ربيع الثاني 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً