لا أظن أننا بحاجة فعلا إلى استيراد الأفكار الأجنبية من الخارج وأظن بأننا لم يصل بنا الحال من الإفلاس إلى الحد الذي نضطر فيه إلى استيراد أفكار ترقيعية لحل الأوضاع المعيشية التي يعاني منها المواطن البحريني، من دول تعاني من استنزاف الوضع المعيشي فيها حتى أصبحت مضرب مثل للفقر والبؤس، فشتان ما بين فقر البحرين وبنغلاديش من دون الغوص في الفوارق والتي ربما أبرزها وجود الذهب الأسود في الأولى وغيابه في الثانية، وكل ما نحتاج إليه واقعا إذا ما أردنا فعلا أن ننقل حال المواطن البحريني من حال سيئ إلى حال أفضل سوى الإرادة الحقيقية في الإصلاح المعيشي ولن يتأتى ذلك إلا من خلال إصلاح سياسي وأمني لضمان الاستقرار الاقتصادي واستقطاب رؤوس الأموال، لا من خلال إنتاج مسرحيات سيناريوهاتها مماثلة لسيناريوهات حقبة أمن الدولة فهي طاردة ومنفرة لرؤوس الأموال وتالفة للاستثمارات الخارجية في المنطقة، فلسنا في حال مشابه لحالة الفقر في بنغلاديش وإن كانت بعض قرى البحرين تتشابه في بعض الملامح لحالة الفقر لبنغلاديش، إلا أن ثمة أمورا وأوضاعا اجتماعية واقتصادية ونفسية تختلف كل الاختلاف عن الأخيرة، وأعتقد بأننا أيضا لم تشح لدينا الكوادر البحرينية القادرة على الإبداع وإنتاج الأفكار الكفيلة بوضع استراتجيات وخطط بعيدة المدى قادرة على القضاء على سرطان الفقر المستشري والذي يزداد يوم بعد يوم من جراء الغلاء وقلة الرواتب وقلة الإعانات الرسمية للمحتاجين، فنحن على أية حال لسنا دولة تعتمد في دخلها على المحاصيل الزراعية، وإنما دولة نفطية مصدرة للذهب الأسود وهو في غلاء مستمر ولكن سوء توزيع الثروة وغياب الخطط والاستراتجيات، وانتشار الفساد المالي كفيل بنهب ولهف الثروة وانحسارها في أيدي البعض وعدم وصولها إلى البعض الآخر.
لذلك لا أعتقد أننا بحاجة إلى بنك للفقراء وإذا كنا نشخص بواقعية أكبر فإننا واقعا بحاجة إلى مصارف للأغنياء لتكديس وتخزين أموالهم واستثمارها من خلال استغلال حاجة الفقراء إلى بعض منها لقضاء حوائجهم الشخصية من زواج وبناء ودراسة وعلاج وغيرها من أسباب، ولا نحتاج إلى مصارف للفقراء للاقتراض لإدارة مشروعات صغيرة أو متوسطة لأن الأغنياء مع شديد الأسف لم يتركوا للفقراء فسحة من الأمل في استغلال الأموال فيما لو تفضلت علهم وزارة التنمية بعد ضجة إعلامية واقترضتهم إياها، فماذا عساه الفقير أن يدير بالقرض البسيط الذي حصل عليه في سوق يسيطر عليها المتنفذون ويحتكرها أصحاب رؤوس الأموال الضخمة؟ الذين يعانون من ترهلات وتخمات حتى الموت ، هل تريد الحكومة أن تقول للعالم بأننا نواجه الفقر بالأسلوب والمستوى المبذول نفسهما في أفقر دول العالم ولكن لم ننجح، وإننا نبذل قصارى جهدنا في سبيل العمل على السيطرة على الفقر ولكن الفقراء في البحرين هم غير المتعاونين مع كل المشروعات التنموية والاقتصادية التي تطرح لهم؟ هل هذا مضمون الرسالة التي تريد الحكومة أن توجهها؟ أم أننا إلى الآن لم نفهمها؟ أم أننا في كل مرة نسيء فهم الحكومة وننتقد نواياها الحسنة؟ وإلا ما سر الاحتفاء الكبير الذي حظى به بروفيسور العلوم الاقتصادية محمد يونس وسر الإعجاب بمشروعه ومحاولة تطبيق أفكاره بعلاتها على فقراء البحرين الذين ما كان لهم أن يعرفوا منقذ الفقراء إلا من خلال زيارته للبحرين؟
فهناك الكثير من الأسئلة التي يجب أن تأخذ نصيبها الكافي من الإيضاح، فإذا كانت الحكومة فعلا جادة في سعيها الحثيث من أجل العمل على إعانة الفقراء ومساعدته على التخلص منه، لماذا تقف بالمرصاد للمشروعات التنموية الأخرى والتي منشأها اللجان الأهلية ومؤسسات المجتمع المدني والصناديق الخيرية والتي تحاول جاهدة التعاون مع الحكومة من أجل تقليص رقعة الفقر؟ ومن أمثلة ذلك مشروع بازار البحرين والذي يضم مجموعة من الأسر المنتجة والتي تأتي فكرة المشروع مستوحاة من بنك جرامين المقام في بنغلاديش والذي أعجبنا به وبصاحب الفكرة، ولماذا تعرقل وزارة التنمية مشروعات الصناديق الخيرية التي تعد الذراع الحقيقي لإدارة عجلة إصلاح واقع الأسر الفقيرة على رغم محدودية الإمكانات المادية والبشرية فيها؟ على رغم كون رواده يعملون بنظام جزئي وبشكل تطوعي بلا مقابل، لماذا لا يفرغوا رواد العمل التطوعي للعمل على تقليل بؤر الفقر من خلال الدراسات ووضع الاستراتجيات العملية التي من الممكن الاستفادة منها على الأرض أظن بأننا لا يوجد لدينا ثمانية مليون فقير في البحرين، وبالتالي لا نهول ولا نبالغ إذا أخذتنا الموجه العاتية وصرخنا من الأعماق بأننا لابد لنا أن نحذو حذو بنغلاديش ومشروع محمد يونس.
علينا ألا يسيل لعابنا لما هو موجود خارج رقعتنا إلا عندما نستنزف كل الجهود المحلية، وأظن بأنه شيء من الاهتمام بعمليات التدريب والتعليم ومجانية التعليم العالي والتوعية وتحسين الخدمات الصحية، إلى جانب زيادة الموازنات المرصودة كمساعدات وإعانات للأسر الفقيرة ودعم السلع الاستهلاكية وتحسين الرواتب والزيادات السنوية وصرف «بونس» بشكل سنوي لموظفي القطاعين العام والخاص، وخفض أسعار بنزين السيارات وتعرفه الكهرباء والماء، ومكافآت موسمية يحصل عليها المواطن خصوصا في المناسبات كالأعياد وشهر رمضان والاستعداد للمدارس تعد حلولا كافية للقضاء على الفقر أو التقليل من وجعه وهمه، فنحن نشخص أساسا أسباب الفقر ونستطيع أن صوغ الحلول المناسبة وفقنا للحالة.
لا نحتاج إلى تبديد المال العام من أجل الإطلاع على تجارب غيرنا ونحن لا نملك أصلا أن نطبق 5 في المئة منها وبالتالي تذهب الأموال مع الريح ويظل الفقر يراوح مكانه ستظل الفقراء تصرخ من الفقر وستظل الحكومة المسئول الأول عن توفير الحياة الكريمة لمواطنيها ولن يتذكروا بأنهم استضافوا أكبر بروفيسور يعنى بالقضاء على الفقر، فالفقراء مشغولون بفقرهم وبالبحث عن لقمة عيشهم، والذين استمتعوا بحديثه هم النخب المثقفة التي لا تعاني لا من الفقر الثقافي ولا الاقتصادي ولكن فضولهم الذي شجعهم للخروج من بيوتهم للسماع إليه.
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 1700 - الأربعاء 02 مايو 2007م الموافق 14 ربيع الثاني 1428هـ