العدد 170 - السبت 22 فبراير 2003م الموافق 20 ذي الحجة 1423هـ

القابلية النفسية للشباب المسلم للتأثر بخطاب أسامة بن لادن الأخير

حسن المصطفى comments [at] alwasatnews.com

يأتي خطاب زعيم تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن الأخير في مناسبة عيد الأضحى المبارك، ضمن سياق التعبئة النفسية والعقدية للجماهير الإسلامية لمواجهة السياسات الأميركية في المنطقة وما تعد له من حرب على العراق، ذاهبا في خطابه إلى أبعد من ذلك، محرضا الشعوب على التمرد على حكامها وإعلان البراءة منها، لأن هؤلاء الحكام، بحسب رأيه، ارتكبوا إحدى نواقض الإسلام العشر، وصار الخروج عليهم والبراءة منهم أمرا واجبا.

خطاب بن لادن، أسس لرؤية عقدية، تشكل أرضية فكرية وفقهية تعطي الشرعية، وتبرئ الذمة للأتباع والمريدين أمام الله، بوصفها دليلا شرعيا بمثابة الفتوى التي تبيح لهم تمردهم على حكامهم من جهة، وضربهم للمصالح الأميركية ومصالح من أسماهم بـ «الكفار» و«الصليبيين» من جهة أخرى.

المتابع للخطاب يجدهُ مشحوذا بالكثير من الأحاديث النبوية والآيات القرآنية والقصص التاريخية والأمثلة المعاصرة، إضافة إلى محاولةٍ منه لكسر حاجز الخوف من الجبروت الأميركي وما يمتلكه من قوة لدى الشباب المسلم، والتي تصب بكلها في صالح فكر بن لادن وما يدعو إليه.

هذا الخطاب يتقاطع بدوره مع تربية عقدية واجتماعية ونفسية ألفها الناس واعتادوا عليها وتشربوها منذ صغرهم، وإن لم يقوموا بأي عمل إجرائي مسلحٍ أو عنيفٍ بناء عليها، إلا أنها تشكل بنية ذاتية للكثير الكثير من الشعوب العربية والإسلامية. هذه الشعوب وما تحمله من وازع ديني قوي، وما تراه من ممارسة أميركية وصهيونية استعلائية وظالمة، وما يلف معيشتها من ضغوط اقتصادية وإحباط سياسي جراء عجز الحكومات الإسلامية، وحال القطيعة بين الشعوب وحكوماتها التي تتكرس يوما بعد يوم لسبب أو آخر.

كل ذلك يصب في اتجاه التعزيز من/ وتشجيع هكذا خطابات يطلقها بن لادن، لأنها عرفت كيف تختزل التناقضات العربية والإسلامية وتؤسس من خلالها لخطاب على رغم بساطته وعدم تعقيده فإنه بالغ التأثير في الشارع الإسلامي العام.

كثير من الحكومات تقف عاجزة عن حل هذه الإشكالية، والإدارة الأميركية بتجبرها تعتقد أن بمقدورها أن تفرغ الخطاب الجهادي من مضمونه، وبإمكانها محاصرة تنظيماته وخلاياه المتعددة، عبر الحصار والاعتقال والتعاون الأمني مع الدول الغربية والإسلامية، إلا أن هذا الخطاب يزداد يوما بعد يوم شعبية في الشارع العام، من دون أن تفيد كل الضغوط في كبحه نفسيا وفكريا.

إن ازدياد شعبية التعاطف مع الخطابات الجهادية لا يعني تحول المسلمين إلى إرهابيين كما يحلو لأميركا أن تصفهم بذلك، وإنما يعني عمق الخلل البنيوي الذي تعيشه الذات المسلمة من جهة، وفشل مشروعات الدولة القومية الحديثة في بناء مجتمع مدني يؤسس أرضية مواتية للاستفادة من طاقات جيل من الشباب، بدلا من الدخول معه في مشاحنات وصلت في بعض احتداماتها إلى مستوى العنف المسلح والتصفية المتبادلة.

إن جذر هذا التعاطف مع خطابات أسامة بن لادن من قطاعات كبيرة قد يختلف جزء كبير منها معه ـ وقد يقف جزء آخر من المتعاطفين معه على التضاد منه ـ نابع من أمرين، يتعلق الأول بالتركيب الفكري والنفساني للشخصية المسلمة، لا بوصفها مسلمة، بل لطبيعة المناهج التي لُقنتْ إياها وتشربتها، والتربية «الأصولية» التي جعلت قابليتها للتشدد والإقصاء كامنة وجاهزة في أي وقت. والأمر الآخر، يرتبط بالحال التي تعيشها الشعوب، سياسيا، واقتصاديا، وما تراه من ظلم متزايد، وهي بذلك تنحو جهة يأس سوداوي يجعلها تجابه العنف بمثيله، ويجعل أسامة بن لادن مثلها الأعلى الذي تصطف من خلفه جموع من الجماهير بمختلف مذاهبها وقومياتها وأعراقها، وليغدو بن لادن رمزا لـ «المستضعفين»، لأن الرمز الحقيقي غائب، بل لا يراد له أن يكون

العدد 170 - السبت 22 فبراير 2003م الموافق 20 ذي الحجة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً