كان يوم 23 سبتمبر/أيلول من العام 1932 يوما مشهودا في تاريخ الخليج والجزيرة العربية إذ نجح الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود في الدخول إلى قصر المصمك التاريخي وبالتالي فتح الرياض وإعلانها عاصمة موحدة للمملكة العربية السعودية التي أنهت فترة الشرذمة في جزيرة العرب ووحدة الممالك والإمارات التي انتشرت بها تحت رايات أسر عربية عريقة لكنها متفرقة الكلمة.
وبطبيعة الحال فإن الأمر لم يكن سهلا على تلك الأسر التي شعرت بأنها قد خسرت ممالكها وإماراتها لصالح الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن ودولته الجديدة، لكن المؤكد أن هذه الدولة التي أعلن عن ميلادها في ذلك التاريخ قد أصبحت أحد أهم الدول العربية ليس في منطقة الخليج أو الجزيرة فحسب بل وعلى مستوى الوطن العربي بأكمله.
وربما كان من حسن الطالع أن النفط لم يكتشف في أراضي شبه الجزيرة العربية إلا بعد أن وحدها الملك المؤسس للمملكة العربية السعودية تحت راية واحدة وكان ذلك في العام 1939، باعتبار أن اكتشاف النفط قبل هذا التاريخ كان سيعني بالضرورة ارتباط الممالك والإمارات والأسر التي تحكمها بعقود وتحالفات تجارية وسياسية مع الشركات والدول الاستعمارية التي تمتلك التكنولوجيا اللازمة لاستخراج النفط وحيث كانت أعين هذه الجهات مفتوحة باتساع احداقها على الأهمية الاقتصادية لهذه المنطقة ليس على صعيد التجارة من وإلى الهند فقط بل في اعتبارها موردا للطاقة والثروة منذ أن تم اكتشاف النفط في جزيرة البحرين في العام 1932.
لعب تاريخ 23 سبتمبر دورا حاسما في توحيد الجزء الأكبر من الجزيرة العربية تحت راية المملكة العربية السعودية التي أصبحت فيما بعد صمام أمان للمنطقة باعتبارها واحدة من الدول الإقليمية المهمة والمسئولة عن حفظ التوازن الإقليمي في واحدة من أهم مناطق العالم استقطابا للاهتمام الدولي بعد أن تم اكتشاف كميات كبيرة من النفط في المنطقة مما جعلها عرضة للكثير من الأطماع الاستعمارية الآتية من الشرق ومن الغرب وخصوصا بعد تأكد امتلاكها لأكثر من نصف المخزون الاحتياطي العالمي للنفط.
لعبت المملكة العربية السعودية وكل من إيران والعراق دورا كبيرا في رسم خريطة التحالفات الدولية سواء كان ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر عبر التعاطي مع هذه التحالفات سلبا وإيجابا حسب الحالة التي كانت تعيشها كل من هذه الدول الثلاث، لكن المملكة بقيت على الدوام الساحة الأكثر أهمية بالنسبة لكثير من القوى الاستعمارية الطامعة في موطئ قدم في هذه المنطقة بل يمكننا القول إن كثيرا من المؤامرات والخطط الشيطانية حتى وإن كانت في ظاهرها موجهة لبلدان أخرى في المنطقة إلا أنها كانت دائما تضع في حسبانها المملكة العربية السعودية وتبقى أطماعها دائما في السيطرة على هذه الأرض التي بارك الله فيها وجعلها قبلة لملايين من البشر حين حباها جل وعلا بالبيت الحرام والمسجد النبوي الشريف.
وأبدا لم تنته المؤامرات التي تحاك دوما للسيطرة على نفط المنطقة عموما ونفط المملكة خصوصا وطوال عقود متواصلة من الزمن كانت الأخيرة تلعب دورها في التوازن العالمي ومن ثم المحافظة على مصالحها وبقائها والدول العربية الخليجية المنضوية معها في مجلس التعاون لدول الخليج الذي تأسس في أبو ظبي في ديسمبر/كانون الأول 1981 رقما صعبا لا يمكن تجاهله أو تجاوزه عند الحديث عن التنمية العالمية المرتبطة حكما بالنفط الذي تختزنه منطقة الخليج العربية بكميات كبيرة.
وعلى رغم أن محاولات كثيرة سابقة فشلت في إحداث حالة استعمار عسكري مباشر على المملكة الأمر الذي جعلها تنفرد من بين الدول العربية كافة بمسمى الدولة التي لم تستعمر فإن تماسك المملكة ووحدة أراضيها شكل هاجسا مقلقا بالنسبة إلى كثير من راسمي السياسة الاستعماري الجديدة المرتبطة بالمشروع الصهيوني في المنطقة العربية المكون دائما بهاجس التقسيم منذ نجح في احتلال فلسطين ومن ثم تقسيمها إلى دولتين عربية ويهودية العام 1947 ما حقق للصهاينة حلمهم المقيت الذي وعدهم وزير خارجية بريطانيا بلفور العام 1917، الأمر الذي جعلهم يفكرون دوما في تكرار هذه التجربة من خلال التفكير في كيفية تفكيك هذا البنيان الذي صمد أمام مؤامراتهم ما يقارب 75 سنة حتى الآن.
الدوائر الأميركية المتصهينة
ومرة أخرى تحاول بعض الجهات النافذة في الدوائر المتصهينة إثارة الشبهات والشكوك عن المملكة ومدى ارتباطها بتفريخ الإرهاب كما يحلو لهؤلاء الصهاينة ترديده، مستفيدين من التطورات التي تلت الهجمات الانتحارية التي أطاحت ببرجي التجارة العالمية في نيويورك في 11 سبتمبر 2001 في اعتبار أن عددا من منفذي هذا الهجوم الذي نسب إلى تنظيم «القاعدة» بقيادة أسامة بن لادن هم من أصل سعودي نشأوا وترعرعوا في المملكة وتعلموا في مدارسها وربما جامعاتها أيضا.
أن هذه الجهات الصهيونية تطرح بشكل علني ما سبق أن خططته وتحدثت بشأنه في جلسات واجتماعات سرية عديدة من أهمية تفكيك المملكة العربية السعودية إلى ثلاث دويلات على الأقل، تحت ذرائع واهية تدور كلها في فلك واحد ينتهي بتهمة تفريخ الإرهاب ومحاولة إلصاق هذه التهمة بالإسلام والمسلمين من دون تمييز وبلا دليل.
تمثل ذلك في بذل محاولات مستميتة للتدخل في النظام التعليمي في المملكة وبالتالي النظام التربوي وحتى النظام الأسري المرتبط بالتعاليم والشرائع الدينية التي تلتزم بها المملكة وشعبها.
ما هو مطروح على طاولة البحث اليوم تقسيم المملكة بعد 75 عاما من توحيدها إلى ثلاث ممالك إو إمارات أو دويلات - ليس ذلك مهما - المهم هو الرغبة في إزالة أسهم المملكة أو في أبسط الأحوال تحجيم دورها ومساحتها وتأثيرها في المنطقة العربية عموما والمنطقة الخليجية خصوصا ومن ثم تقليص هذا الدور على صعيد النفط والتنمية الاقتصادية العالمية وربما إعادتنا جميعا إلى شظف العيش ومجتمع الصحراء.
ولا يقف المشروع الصهيوني عند هذا الحد بل أنه يمتد وربما يرتبط بشكل متوازن مع سياسة أميركا المعلنة في نيتها الهجوم على العراق أيا كان تفاعل الأخير مع الدعاوى والذرائع التي تتشبث بها أميركا عن إلزامية عودة المفتشين الدوليين والدليل على ذلك أنها لا تزال تصر على توجيه هجوم كاسح عليه حتى بعد أن أعلن العراق ترحيبه بعودة المفتشين الدوليين من دون شروط.
من جهة أخرى فإن استهداف المملكة يتزامن مع وضع إيران في «محور الشر» الذي أعلنته أميركا من جانب واحد مدعية أن كلا من إيران وكوريا الشمالية والعراق يشكل مثلث الشر في العالم لكنها سرعان ما غيرت وجهتها وفضلت البحث عن ضلع بديل لكوريا الشمالية يكون قريبا من منابع النفط وربما يوفر عليها تشتيت قواتها واساطيلها عابرة المحيطات وحاملة الطائرات بصورة تقلل من فعالية القوة التي لا تقهر حسب تصورها، مخافة أن تتعرض جهودها وهيبتها لانتكاسة جديدة لا يستطيع الشعب الأميركي تصورها أو قبولها بعد حوادث سبتمبر باعتبار أن ذلك كان أول هجوم خارجي تتعرض له الولايات المتحدة منذ نشأتها.
ومن الواضح أن النية تتجه وتنعقد لاستبدال كوريا الشمالية بالمملكة حتى تكتمل حاجة أميركا إلى ذريعة مناسبة لمهاجمة مثلث الشر بالنسبة لها والذي تقتضي الضرورة أن تكون أضلاعه الثلاثة دولا إسلامية بحكم سيطرة اللوبي الصهيوني على القرار السياسي والعسكري فضلا عن القرارين الاقتصادي والإعلامي في أميركا (سيدة العالم الحر).
ويبدو من خلال السيناريو الجديد ان منطقتنا الخليجية مقبلة على فترة طويلة من عدم الاستقرار إذا ما قدر لهذا النهج الصهيوني أن يستمر في السيطرة على القرار الأميركي لفترة أطول من اللازم ضمن استراتيجية جديدة تتخذ من إعادة رسم الحدود وتقسيم الدول القائمة - خصوصا الدول الإقليمية الثلاث السعودية والعراق وإيران - وتحويلها إلى كانتونات ودويلات صغيرة تبحث عن الحماية عند السيد الأميركي المتسلط على العالم بدرجة الانفراد والاستفراد والهيمنة.
مخاوف التقسيم هذه تقودنا إلى الدعوى إلى انتهاج أسلوب جديد في التعاطي مع الأزمة العالمية والحرب التي تديرها أميركا بذريعة مكافحة الإرهاب، اسلوب يتطلب منا جميعا أن نقف صفا واحدا مع وحدة أراضي العراق وإيران وبالتأكيد مع وحدة وسلامة وتماسك المملكة العربية السعودية بغية تكريس مبدأ الوحدة خصوصا ونحن نحتفل باليوم الوطني للمملكة هذه الأيام.
ترى هل تلتفت هذه الشخصيات والقوى السياسية الفاعلة في المنطقة لهذه المخاوف وتسعى إلى رص الصفوف من أجل المحافظة على الوحدة وتكريس الاستقلالية حتى لو تطلب ذلك انفتاحا أكبر على الحكومات في المنطقة من باب تقديم النصيحة والالتزام بالواجب الوطني باعتبارنا جميعا نبحر في القارب المهدد بالغرق
إقرأ أيضا لـ "محمد حسن العرادي"العدد 17 - الأحد 22 سبتمبر 2002م الموافق 15 رجب 1423هـ