العدد 1698 - الإثنين 30 أبريل 2007م الموافق 12 ربيع الثاني 1428هـ

الخلايا النائمة... فكرية

محمد غانم الرميحي comments [at] alwasatnews.com

بالإعلان في المملكة العربية السعودية عن اكتشاف مجموعة من الخلايا الإرهابية، نجد تطورين ملحوظين في الحرب ضد الإرهاب. التطور الأول هو هذا العدد الكبير نسبيا، الذي بلغ مئة وسبعين عنصرا، وهو عدد لم يصل إلى هذا المجموع في السابق، إذ يفضل القائمون على مثل هذه الأعمال أن يكون العدد قليلا ومحصورا بين أهل الثقة. والتطور الثاني هو في الأهداف المعلن متابعتها، التي تطورت لتكون انتقائية واستراتيجية في الوقت نفسه، وهي استهداف كبار الشخصيات ومناطق النفط، وكلاهما يختلفان عما تم في السابق، فقد كانت الأهداف عشوائية وعامة تخضع إلى التجربة والخطأ.

طبعا الجديد هو في هذا السباق بين رجال الأمن والخلايا الإرهابية. من الواضح أن رجال الأمن قد طوروا طرقَ ومناهجَ المتابعة؛ كي تقع كل هذه الخلايا في يد السلطات قبل أن تطلق طلقة واحدة، وتوضع اليد على الأموال والأسلحة ووسائل الاتصال، إلا أن هذا التطور يقابله تطور آخر في تكتيكات الإرهابيين، فقد جمعوا المال ووجدوا مخابئَ للأسلحة تبدو عصية على المتابعة. ما يمكن استخلاصه أن هناك مارثونا كبيرا بين تلك الخلايا ومناصريها، والأجهزة العامة للدولة.

الإرهاب يضرب في كل مكان في منطقتنا، وهو يجد له مسرحا جاهزا للتدريب في العراق وربما في أماكنَ أخرى في الطريق إلى العراق أو في الإياب منه، كما يفرّخ في قرى باكستان وتخوم أفغانستان مثله مثل تفريخه في المدن الصغيرة والمتوسطة في أوروبا كما حدث قبل الصيف الماضي في لندن.

إلا أن الثابت - الذي لا يريد البعض أن يعترف به أو يناقشه - أن مركزية الإرهاب - بأشكاله المختلفة - هي فكرية، فالفكر هي القاعدة الرئيسية التي على أساسها يتم التجنيد وجمع المال ووضع خطط التخريب وتخريجها. ومن اللافت - ولكن ليس الجديد أو المفاجئ - أن «بيعة أمير الجماعة» الأخيرة التي أعلنتها المملكة العربية السعودية قد تمت في ظلال الحرم المكي قبلة المسلمين جميعا.

أصحاب الفكر الظلامي يصرون على أن يخطفوا التراث ويجعلوه خاصا بهم لا يشاركهم أحد فيه، كما أنهم يصرون على أن يكون فكرهم آحاديَّ له طريق واحد لا مناقشة بشأنه ولا رجعة عنه. هذا التيار الفكري الذي يغذي عقول الشباب ويجرفهم باتجاه التشدد أولا ثم باتجاه الإرهاب ثانيا. هو فكر يحوم حولنا ويتجذر، بل يقبله بعضٌ منا على أساس أنه جزء من الخريطة الفكرية، والجهود المبذولة لمقارعة هذا الفكر تذهب شتاتا في الهواء؛ لأنها تتردد أو ترفض المواجهة الحقيقية، وهي الاعتراف بأن تعليمنا منقطعٌ عن العصر، وفي كثير من الأوقات معادٍ له.

التأثير على الآخرين يكون فعله أفضل وأنجح حين يكون جذابا ومغريا وشاهدا، وهنا تأتي وسائل الاتصال الحديثة لتقدم إلينا الكثير من الفكر الظلامي، فالإرهاب التكفيري يسبقه بفترة الإرهاب التخديري، وهو المتوافر في الكثير من برامجنا التلفزيونية وما ينشر في وسائل إعلامنا. تجد هذا الرجل أو تلك المرأة - وهما في ملابس معينة - يفرضان وجهة نظرهما في تفسير العالم اعتمادا على نصوص يُجرى تطويعها لتصورات بالغة الأغراض، حتى تكتمل الصورة يبدو الزي والشكل الخارجي وطريقة الابتسام والتحذير منسجمة مع الرسالة التي يراد إرسالها. يعتقد بعض القائمين على مثل هذه الرسائل في تلفزيوناتنا الرسمية، والكثير الآن غير رسمي، بأنهم يقدمون خدمة، وهي في الحقيقة خدمة مضادة، تقع على عقولٍ في الغالب لم تعتد التفكير النقدي أو المنطقي فيصبح ما يقال وكأنه مُنَزَّل. هذا الإرهاب التخديري يؤسس للإرهاب التكفيري الذي يليه.

في مثل هذه الأجواء يصبح الإرهاب ليس أمرا عابرا بل هو مقيم ومؤسس على قاعدة لا تنضب من الرفد البشري. الخيار العقلاني المبني على النسبية في أمور الدنيا ليس واردا في معظم ما نشاهد وما نقرأ، ومادام الأمر كذلك فإن الشكوى من جماعات الإرهاب لن تنتهي بانتهاء القبض على هذه المجموعة أو تلك.

حدث أن قابلت بعضا من أولئك الذين خرجوا من ذلك القمقم التكفيري وتمت مناقشة الأمر معهم، فكانت الإجابات عن الأسئلة المعلقة والمقلقة، أنهم لم يكن بإمكانهم التفكير في قراءة مصادر أخرى غير ما يقرره عليهم رؤساؤهم ولم يكن بمقدورهم أن يفكروا مستقلين حتى يتحدثوا مع أناس قيل لهم إنهم ضالون... هكذا يُعزل الشبابُ عن المجتمع عزلا نهائيا ويكون لهم مرجعهم الأحادي، من دون قرارها لا يعرف حتى كيف يتناول وجباته اليومية.

لقد فقد تعليمنا وإعلامنا في الغالب التوازن والقدرة على تصويب الخطأ حتى غدا منتجا لبشر منعزلين ومتهورين ومنقادين عرضة لنداءات الغوغائية تحت سقف التراث.

إذا كان قد تم اكتشاف الخلايا النائمة في المملكة العربية السعودية، ربما بطرق حديثة، فإن تلك الجماعات تستخدم رموزا مشفرة لا يمكن متابعتها؛ ما يزيد من مجتمع المراقبة، ويهيئ آخرين للانضمام في المستقبل بسبب ضيق فرص التسامح في المجتمع.

والمعادلة التي أمامنا هي كيف يمكن أن نعطي الثقة لجيل كامل ونتأكد من عدم انجراره إلى الغلو في الوقت نفسه. ليست هناك إجابة عن هذه المعادلة غير التعليم المنهجي المفتوح والناقد الذي يخرج من بين دفتيه، المعرفة والمهارة أناس قادرون على استخدام عقولهم قبل عواطفهم.

العملية التصحيحية الحقيقة هي إعادة النظر في المفاهيم والفكر إعادة شجاعة توقف هذا العبث بالعقول.

إقرأ أيضا لـ "محمد غانم الرميحي"

العدد 1698 - الإثنين 30 أبريل 2007م الموافق 12 ربيع الثاني 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً