غلبتني مقولة ماكس فيبر «الإنسان كائن يتشبث بشبكة المعاني التي نسجها بنفسه» لأبدأ بها عوض الاستهلال بمثل فارسي يقول: «شرارة واحدة تكفي لإحراق هذا العالم»! أما ما كان يحول دون البدء بمثل «فارسي» قبل مقولة «رومية» هو موضوع المقالة «القومية العربية». وكان فعلا من السيئ - أو ما قد يحسب قلة أدب - أن أبدأ حديثا قوميا عربيا بـ «مثل» فارسي تحديدا.
بدأت بماكس فيبر، وكان ما يخفف وطأة «تغليب» المقولة الفيبرية على المثل الفارسي أن المقولة لا تقل دلالاتها في أن تكون أكثر من شرارة تحرق «القومجية» وما وراءها. وقبل أن أدخل في «أس» المقال لابد أن أشير إلى سبب «مضمر» آخر في الاستهلال وسأعلنه بشجاعة، وهو اتقاء تهمة - تبدو متلازمة لدى القومية البعثية في البحرين خصوصا - وهي وجوب أن أكون إيرانيا «صفويا» حتى انتقد «القومجية» في طابعها الحاد في البحرين، أقول هذا، ولا أنكر اعتزازي - اللابريء - بلغتي «العربية» التي تبدو أرفع مستوى من «لغة» الكثير من الطارئين - من ذوي الأصول الإيرانية - على القومية العربية في البحرين.
إن كل ما في الأمر، هو أن «العرب» قد فشلوا في أن يصنعوا - كما يعبر الألماني تونيز - نظاما رئيسيا يمثل الولاء» للعروبة، وفشلوا في أن يجعلوا من نظام هذه «القومية» إطارا فاصلا بين المجتمعين المدنيين التقليدي والحديث، وفشلوا في أن يصيّروا من لغتهم، عرقهم، عاداتهم وتقاليدهم، أو دينهم مكونا رئيسيا لجماعة متحدة. حاولوا بالحديد والنار أن يلفقوا نماذج قسرية، بعضها انتهى، واستخرجَ رمزها من التراب كالجرذ، ومنهم من ينتظر. كل ما في الأمر هو أن العرب أتوا ليستعيروا من «تونيز» أنموذجه الألماني وامتداده الأوروبي، لكنهم فشلوا، ولايزالون.
فشل العرب لأنهم لم يتنبهوا إلى أن ثمة تعارضا واضحا بين مجتمع «GASELLSCHAFT» والذي ينشأ بشكل «غير انفعالي» وبطريقة «عقلانية» تتبسط على التجمع الإرادي تحت عقد اجتماعي من جهة، وبين المجتمع الذي يقوم على «القهر» والتجمع «اللااردي» من جهة أخرى. الأوروبيون مثال «الأول»، وكان القوميون العرب ولايزالون مثال «الثاني».
إن كل ما في الأمر، هو أن دعاة المشروع القومي الجديد/ الرؤية الجديدة/ استخراج الأموات من قبورهم ليسوا بحاجة إلى أكثر من أن يكونوا عند ذلك المستوى من العقلانية الأخيرة في أن يكتبوا بسعادة «إعلان وفاة» تأخر كثيرا، ولا مانع بعد إعلان الوفاة من أن يقيم «العرب» أنفسهم حفلا بهيجا ساهرا حتى الصباح ليتناسب ونهاية أغبى أفكارهم التي صدقوها في القرن العشرين.
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 1697 - الأحد 29 أبريل 2007م الموافق 11 ربيع الثاني 1428هـ