أما فيما يتعلق بالفقرة الثانية: فقد وجدت صعوبة في الربط بين قلة الاستيراد والتضخم إذ يعتبر النائب جاسم ضالة حجم الواردات أحد أسباب التضخم. وفي هذا الشأن أقول إن الاقتصاديون يصنفون ثلاث أسباب للتضخم وهى:
1. تضخم سحب الطلب (Demand Pull Inflation) وهذا النوع من التضخم ينشىء نتيجة لزيادة حجم النقود لدى الأفراد مع ثبات حجم السلع والخدمات المتاحة في المجتمع ويقال هنا أن (نقود كثيرة تطارد سلعا قليلة) وهذا بدوره يؤدى إلى ارتفاع الأسعار بشكل مستمر ومتزايد مما يخلق تضخما ملموسا، ولعل أهم الأسباب المؤدية إلى مثل هذا النوع من التضخم هو ما يسمى بعجز الموازنة للدولة أو العجز المالي وهذا يحصل عندما يفوق الإنفاق الحكومي الإيرادات الحكومية فينشىء العجز المالي وعند قيام الدولة بتغطية العجز عن طريق إصدار النقود أو طبع النقود من خلال المصرف المركزي فإن ذلك يؤدى إلى حقن الاقتصاد بكميات من النقود لا يقابلها توسع في القاعدة الإنتاجية للبلاد مما يخلق أحجاما نقدية كبيرة مع ثبات الإنتاج. وهذا بدوره سينعكس في شكل زيادة أسعار وحدوث تضخم.
كما يمكن أن تسهم المصارف التجارية من خلال القروض ومنح الائتمان في خلق النقود وزيادة حجمها في الاقتصاد وهذا يؤدى أيضا مع ثبات الإنتاج إلى حدوث تضخم الطلب. وحتى مع زيادة الإنتاج ولكن بمستوى أقل من حجم الزيادة في النقود فإن ذلك لابد أن يحدث نوعا من التضخم، ويمكن معالجة هذا النوع من التضخم من خلال السياسة المالية والنقدية الانكماشية وفي ذلك الكثير من التفاصيل.
2. والنوع الثاني من التضخم هو تضخم دفع التكلفة (Cost Push Inflation) إذ يواجه المنتجون أحيانا تزايدا مفاجئا في تكاليف عناصر الإنتاج وغير وقتي وخاصة عندما يجد المنتج نفسه أمام نقابات عمال قوية قادرة على رفع مستوى الأجور للعمال دون أن يقابل ذلك ارتفاع في مستوى الإنتاجية، أو قد ترتفع أسعار بعض المواد الأولية بشكل مفاجئ وفي جميع الحالات فإن ذلك سيترك أثرا ملموسا على السعر النهائي للمنتجات التي تأثرت بزيادة تكاليف عناصر الإنتاج.
3. أما النوع الثالث من التضخم فهو التضخم المستورد (Importaed Inflation) ويظهر هذا النوع من التضخم في الاقتصاديات الصغيرة المنفتحة كما هو الحال في البحرين ويعرف هذا النوع من التضخم على انه الزيادة المتسارعة في أسعار السلع والخدمات النهائية المستوردة من الخارج وهذا يعنى أن الدول تستورد مجموعة من السلع والخدمات تأتيها بدورها مرتفعة الأسعار وتضطر إلى بيعها في الأسواق المحلية بتلك الأسعار. والدول الصغيرة المنفتحة على العالم كالبحرين كما سبق الإشارة لا يمكن أن يكون لها دور ملموس في تحديد أسعار السلع التي تستوردها، فهي مستهلك صغير ولا يؤثر في حجم السوق العالمي وأسعاره. وهناك من يخلط بين تضخم التكاليف والتضخم المستورد فالأول ناشىء عن استيراد مواد أولية أو عناصر إنتاج بأسعار متضخمة مما يؤدى إلى رفع أسعار المواد التي تستخدم في إنتاجها بينما التضخم المستورد يطلق على الارتفاع في أسعار السلع والخدمات النهائية المستوردة من الخارج أي التي سيتم استخدامها مباشرة من قبل المستهلك بمجرد استيرادها. وعليه فإن السبب الرئيسي للتضخم في البحرين هو ارتفاع تكلفة الواردات التي نستوردها، أي أن التضخم هو تضخم مستورد بالأساس وهذا يرجع إلى سببين أساسيين:
أولا: ارتفاع أسعار النفط أدى إلى ارتفاع أسعار الطاقة في البلدان المصنعة وأسعار الطاقة تشكل ما يقارب العشرين في المئة من التكلفة الكلية للمنتج وهذا بالتالي يدفع المصدرين إلى زيادة أسعار منتجاتهم. ثانيا: إن سعر الدينار البحريني مربوط بالدولار الأميركي ولا يخفي على الجميع التدهور الذي حصل ويحصل في قيمة الدولار أمام العملات الأخرى إذ تآكل سعر الدولار إلى أكثر من 40 في المئة من قيمته خلال الثلاث سنوات الأخيرة أمام باقي العملات الأوربية وحيث أن دول المجموعة الأوربية تشكل مصدر أساسي لكثير من واردات المملكة فعلى القارئ أن يتصور التكلفة الإضافية التي سيتحملها الاقتصاد البحريني نتيجة لذلك.
أما الفقرة الثالثة: وتتعلق بموضوع الميزان التجاري إذ ذكر النائب جاسم حسين أن وضع الدولة جيد في هذا الجانب وانه لا توجد مشكلات مالية، وفي هذا الخصوص هل وضع الدولة من حيث هو جيد أو غير ذلك يقاس من خلال الميزان التجاري والذي تشكل الصادرات النفطية الجزء الأكبر فيه وهذه الصادرات تتأثر بأسعار النفط وهو العامل الرئيسي في تحقيق أي فائض أو تقليل العجز. إن كون موازنة الدولة تعتمد بنسبة 75 في المئة على الصادرات النفطية وكون البحرين قليلة الموارد النفطية وأسعار النفط تتذبب في الأسواق العالمية كل ذلك يجعل هذه الإيرادات تحت رحمة الأسواق العالمية ويعرضها للتقلبات وبالتالي يعرض مشروعات الدولة للتذبذبات وعدم الاستقرار.، وهذا كله يؤثر على جهود التنمية والبناء. إن جهود الدولة في مضمار تنويع مصادر الدخل لا ينكر وأن القطاع المالي والخدمي عموما أصبح يشكل نسبة لابأس بها في الناتج المحلى الإجمالي إلا أن السياسة الاقتصادية التي تنتهجها الدولة تتجه إلى تقليل الاعتماد على المصادر النفطية وعلى هذا الأساس أن الفائض الذي يظهر في الحساب الختامي هو فائض مؤقت ولا يجب أن يخفي المشكلة الحقيقية القائمة وهى ضرورة العمل الجاد من خلال خطة اقتصادية طموحة تسعى لإعادة هيكلة الاقتصاد وتوجيهه نحو الاقتصاد القائم على العلم والمعرفة من خلال بناء العنصر البشري المتسلح بالعلم والتدريب ليساهم في تحقيق عملية التنمية والتقدم. وعلى ضوء ذلك فإن ما يتحقق الآن من ثروة أو فائض يجب عدم التفريط فيه من خلال التبذير والإسراف في الاستهلاك وإنما لاحتفاظ به وتنميته بما يعظم فائدته في المستقبل من خلال مشروعات وخدمات أساسية ومنتجة تعود على الجميع الجيل الحاضر والأجيال القادمة من أبناءنا التي لها حق في هذه الثروة بالخير والرفاه والحياة السعيدة. وأخيرا ان معالجة التضخم بات معروفا و يتأتى من خلال حزمة من الإجراءات والمعالجات في إطار منهج اقتصادي قويم وفي هذا الصدد يمكن للدولة في إطار هذا المنهج ان تقوم بتعديل هيكل الرواتب لزيادة القدرة الشرائية للمواطنين، زيادة المساعدات للأسر الفقيرة والمحتاجة وتوجيه سياسات الدعم بما يحقق توجيه هذا ا لدعم للشرائح المحتاجة في المجتمع.
إقرأ أيضا لـ "ناظم صالح الصالح"العدد 1696 - السبت 28 أبريل 2007م الموافق 10 ربيع الثاني 1428هـ