العدد 1695 - الجمعة 27 أبريل 2007م الموافق 09 ربيع الثاني 1428هـ

الليبرالية والتفاؤل بالمستقبل

مصباح الحرية comments [at] alwasatnews.com

مشروع مصباح الحرية

قبل فترة زمنية قصيرة، أجرى مجلس بلدة البورغ، وهي بلدة صغيرة في إقليم ملقة الإسباني، استفتاء بين سكان البلدة البالغ عددهم ألف نسمة. طُلب من المواطنين الاختيار بين بديلين اثنين: الإنسانية أو الليبرالية الجديدة.

جاءت نتيجة الاستفتاء 515 صوتا للإنسانية و4 أصوات لليبرالية الجديدة. منذ ذلك الحين، لم أستطع إبعاد تلك الأصوات الأربعة عن تفكيري. ففي وجه تلك المعضلة الدرامية، لم يتردد أولئك الفرسان الأربعة في التصدي للإنسانية باسم تلك الفزّاعة المرعبة، المتمثلة بـ «الليبرالية الجديدة».

من الخطأ الجسيم إهمال هذه الإشارات كرفرفات لا قيمة لها، فهي تمثل الأبعاد المتفجرة لحركة سياسية وأيديولوجية شاسعة، متجذرة بصلابة، في قطاعات على اليسار والوسط واليمين. لقد بنى المشككون مخاوفهم في شكل شبح جديد أطلقوا عليه اسم «الليبرالية الجديدة».

وفي مجمل التعابير الشائعة التي يستخدمها علماء الاجتماع والسياسة، فإنها تعرف كذلك بأنها «الفكر الوحيد،» كبش الفداء الذي تعلق على شماعته الكوارث الحالية والماضية من التاريخ العالمي.

أساتذة ذوو عقول كبيرة، في جامعات باريس وهارفارد والمكسيك، ينتفون شعورهم وهم يحاولون أن يثبتوا بأن الأسواق الحرة لا تخدم أبعد من جعل الغني أكثر غنى والفقير أكثر فقرا. إنهم يقولون لنا إن التدويل والعولمة لا يخدمان سوى الشركات الضخمة عابرة القارات، وتسمح لهما «بعصر» البلدان الناشئة إلى درجة خنقها، وأنها تدمر الطبيعة الكونية تدميرا تاما. لذلك، فلا عجب أن نرى مواطني بلدة البورغ يعتقدون بأن العدو الحقيقي للإنسانية - المُدان بالشرور كافة، من معاناة وفقر واستغلال وتمييز وإساءة وجرائم ضد حقوق الإنسان، التي ترتكب في القارات الخمس، ضد ملايين البشر، هي تلك الكائنة المدمرة التي تعرف بـ»الليبرالية الجديدة».

إنني أعتبر نفسي ليبراليا، وأعرف أناسا كثيرين ممن هم ليبراليون، وغيرهم كثر ممن هم غير ذلك، ولكن، وعلى امتداد تاريخ طويل من العمل، فإنني لم أر «ليبراليا جديدا» واحدا. ماذا يمثل الليبرالي الجديد؟ هو ضد ماذا؟ وعلى النقيض من الماركسية، أو الأنماط المختلفة للفاشية، فإن الليبرالية الحقيقية لا تمثل عقيدة، أيديولوجية متكاملة تكفي نفسها بنفسها، مع أجوبة جاهزة على جميع القضايا الاجتماعية.

وبدلا من ذلك، فإن الليبرالية هي عقيدة لا تتعدى الجمع بين مبادئ أساسية بسيطة نسبيا، تتجمع حول الدفاع عن الحرية السياسية والاقتصادية (أي الديمقراطية والسوق الحرة). كما أنها تضم تشكيلة واسعة من التوجهات والصيحات الاحتجاجية. الذي لم تشمله حتى الآن، والذي لن تشمله في المستقبل، هو ذلك الكاريكاتور الذي يقدمه أعداؤها تحت تسمية الليبرالية الجديدة. في الإنجليزية «Neo» أي الجديد، هو شخص يزعم بأنه ذو شأن، شخص هو في الوقت ذاته داخل وخارج شيء ما؛ إنه تركيبة مهجنة مراوغة، رجل من القش، أقيم دون أن يجسد قيمة محددة، أو فكرة، أو نظاما أو عقيدة.

قول الليبرالية الجديدة مطابق لقول شبه ليبرالية، أو ليبرالية زائفة. إنها هراء في هراء. إما أن يكون المرء مناصرا للحرية أو ضدها، ولكن لا يستطيع أن يكون نصف مناصر، أو مناصرا زائفا للحرية مثلما أنه لا يمكن للإنسان أن يكون نصف حامل، أو نصف حيّ، أو نصف ميت. لم تخترع التسمية للتعبير عن حقيقة فكرية، بل كسلاح ماض يستخدم للسخرية.

نحن الليبراليين لا نؤمن بأن إنهاء الاقتصاد الشعبي، أو الإمساك برقبة التضخم، يشكلان أقل درجات التقدم للمجتمع، أو إذا كان في الوقت ذاته تحريرا للأسعار، وخفض الإنفاق العام، وخصخصة القطاع العام، فإن كل ذلك لا قيمة له إذا كانت النتيجة إخضاع المواطنين للعيش في ظل الخوف المرعب. التقدم لا يعني الدوس على حقوق المواطنين. التقدم لا يحرم المواطنين من صحافة حرة، أو حرمانهم من اللجوء إلى قضاء نزيه محايد، عندما يتم التعدي على حقوقهم أو يساء إليهم أو التزوير ضدهم. فبموجب النظرية الليبرالية، فإن التقدم يسير في آن معا في ميادين الاقتصاد والسياسة والثقافة. وإلا، وبكل بساطة، فإنه ليس بتقدم. هذا القول يستند إلى أسباب عملية وأخلاقية. فالمجتمعات المفتوحة، حيث تنتقل المعلومات من دون قيود أو إعاقة، والتي يسود فيها حكم القانون، هي أكثر تحصينا في مواجهة الأزمات من المجتمعات المقيدة.

الشركة الرأسمالية لها طبائع الحرباء. ففي بلد ديمقراطي، فإنها تشكل مؤسسة ناجعة في التطور والتقدم. ولكن، في البلدان التي لا يسودها حكم القانون، ولا توجد فيها سوق حرة، والذي يتقرر كل شيء فيه على يد إرادة حاكم مطلق، أو فئة حاكمة مستنفعة، فإن المؤسسة الرأسمالية يمكن أن تكون مصدرا للكوارث. الشركات ليست أخلاقية أو لا أخلاقية، وهي تتأقلم بسهولة مع قوانين اللعبة التي تعمل في إطارها. فإذا كان سلوك الشركات متعددة الجنسيات مدعاة للإدانة في كثير من البلدان النامية، فما ذلك إلا مسئولية أولئك الذين يقع على عاتقهم وضع قوانين اللعبة، في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. نحن لا نستطيع لوم الشركات في اتباعهم لتلك القوانين، من خلال سعيهم لتحقيق الربح.

بالنسبة لليبراليين، فإن إدراكهم بأنهم يسيرون نحو هدف يمكن تحقيقه يشكل لهم حافزا عظيما. فكرة أن يكون العالم موحدا حول ثقافة الحرية ليست يوتوبيا خيالية، بل هي فكرة جميلة يمكن تحقيقها. وكما قال كارل بوبر: «التفاؤل واجب. المستقبل مفتوح. إنه ليس مقررا سلفا، ولا يستطيع أحد التنبؤ به، إلا من قبل الحظ. نحن جميعنا نساهم في تقريره، من خلال ما نفعل. ونحن جميعنا مسئولون بالتساوي لنجاحه».

*مفكر وروائي من البيرو، والمقال ينشر بالتعاون مع «مصباح الحرية»

إقرأ أيضا لـ "مصباح الحرية"

العدد 1695 - الجمعة 27 أبريل 2007م الموافق 09 ربيع الثاني 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً