العدد 1691 - الإثنين 23 أبريل 2007م الموافق 05 ربيع الثاني 1428هـ

محكمة الجياع

معاذ المشاري muath.almishari [at] alwasatnews.com

روى المتقي الهندي في كتابه «كنز العمال» بالجزء الثالث عشر في صفحة 654، «عن الحسين بن علي قال: صعدت إلى عمر بن الخطاب المنبر فقلت له: انزل عن منبر أبي واصعد منبر أبيك، فقال: إن أبي لم يكن له منبر، فأقعدني معه، فلما نزل ذهب بي إلى منزله فقال: أَيْ بُنَي من علّمك هذا؟ قلت: ما علمنيه أحد، فقال: أَيْ بُنَي لو جعلت تأتينا وتغشانا، قال: فجئت يوما وهو خالٍ بمعاوية وابن عمر بالباب لم يؤذن له، فرجعت، فلقيني بعد فقال: يا بُنَي لم أركَ أتيتنا، قلت: جئت وأنت خالٍ بمعاوية فرأيت ابن عمر رجع فرجعت، فقال: أنت أحق بالإذن من عبدالله بن عمر إنما أنبت في رؤوسنا ما ترى الله ثم أنتم ووضع يده على رأسه».

وقد نسخت هذا الحديث بعد أن راجعته في أصل الكتاب، وقد رواه أيضا عدد من المحدثين والمؤرخين كابن أبي الحديد في شرح «نهج البلاغة» وابن حجر والذهبي وابن عساكر والبغدادي وغيرهم كثير من العلماء ممن نقلوا إلينا تاريخ الأمم السابقة... وما أود الإشارة إليه هو ثبات العقلية المستنيرة في التعامل والاختلاف واحتواء آثارهما بقبسات مضيئة من صفحات التربية العلوية وآثار العقل العُمَري، فالطريقة التي اعتمدها الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه في تعامله مع الحسين رضوان الله وسلامه عليه تجد فيها عمقا فكريا ورقيا إنسانيا قلّما تجد له مثيلا في الأوساط السياسية والإسلامية المعاصرة، فلم نقرأ أن عمر قد اتهم الحسين بخيانة الوطن، أو أن الخليفة قد شكل تنظيما سريا للتجسس على بني هاشم، بل على العكس تماما، فقد كان الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه مرجِعية دينية للدولة الإسلامية في عهد الخليفة عمر، وقد حاول عدد من المرجفين في عهد عمر زرع حِراب الشك بين الخليفة والإمام إلا أن تلك المحاولات قد باءت بالفشل أمام واقع المحافظة على مصلحة الإسلام وهيبته وتجاوز ما علق بالذاكرة من خلافات الماضي القريب.

عندما حدثت واقعة المنبر، كان الخليفة عمر - على الأرجح - لم يكمل الستين عاما والإمام الحسين دون العشرين من عمره، فأسلوب المحاورة المتبادل بين ولي الأمر وذلك الشاب الملهم بالعلم والعزة والحرية فكل ذلك قد مهد لأجيال متعددة لاستلهام روح متجددة في التفكير والتعبير عن الرأي، والتمهيد لبروز ثقافة الأُلفة والتسامح وحرية الكلمة بعيدا عن سياط الحاكم ومن دون استصغاره شأن الآخرين أو الازدراء بأفكارهم وبمطالبهم المشروعة، ولو أن ولاة الأمور جلسوا على بساط الصراحة وعقدوا محكمة للجياع يتحدثون فيها عن آلامهم وعن شجونهم، وبحثوا عن أجوبة عدة لأسئلة محرمة، لكان خيرا للجميع، وأصوبَ لضمان سلامة الأمة، ولكن حكومتنا الموقرة لا يطيب لها الأمر إلا بتحويل بعض الأقلام إلى أعواد خيزران لجَلْد الشباب بمقالات يومية غير مسئولة، وامتد ذلك الجَلْد إلى نصائح برلمانية متأخرة، من دون توجيه رسالة جزلة إلى السلطة؛ للبحث عن أصل المشكلة؛ وتحديد مواضع الجروح؛ والتوقف عن استفزاز المواطنين بتصرفات لا تليق بدولة صغيرة.

افسحوا المجال للحديث الحر المباشر عبر التلفزيون والإذاعة. أطلقوا العنان للملثمين من الشباب بضمانات أمنية للتحدث من دون مقاطعة، ولا تنصِّبوا البعض أوصياء عليهم فيتحدثوا بلسان السلطة ويحجبوا الحقيقة عن الرأي العام المحلي والدولي، ونعتقد بأن البحرين تمتلك كوادرَ علمية متخصصة قادرة على ممارسة الحياد وتحليل الواقع ووضع النقاط على الحروف، وتقديم المشورة الصالحة للجميع لتجاوز حوادث العنف ومحاصرة الإحساس بالضياع الجماعي بحلول منطقية تحترم العقل وتقدس روح المواطنة.

إقرأ أيضا لـ "معاذ المشاري"

العدد 1691 - الإثنين 23 أبريل 2007م الموافق 05 ربيع الثاني 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً