العدد 1689 - السبت 21 أبريل 2007م الموافق 03 ربيع الثاني 1428هـ

مستقبل الزراعة في دول مجلس التعاون... تقنيات الزراعة الحديثة (3)

وليد خليل زباري Waleed.Zubari [at] alwasatnews.com

وليد خليل زباري

استعرض المقال السابق التحديات الطبيعية التي تواجه القطاع الزراعي في دول مجلس التعاون والمتمثلة في محدودية الموارد المائية والأراضي الصالحة للزراعة، والتحدي الحالي المتمثل في التدهور المستمر الذي تتعرض له المياه الجوفية المستخدمة في الري وتدني نوعيتها وتملح الأراضي الزراعية وخروج الكثير من الطبقات المائية والأراضي الزراعية من دائرة الاستثمار الزراعي في دول المجلس. كما استعرض المقال المجالات المتاحة لترشيد استخدام المياه في القطاع الزراعي لتخفيض معدلات استنزاف المياه الجوفية، وكذلك الجهود المبذولة من قبل دول المجلس للسيطرة على هذا الوضع المتأزم وعدم فعاليتها في إيقاف التدهور المستمر الذي تمر به المياه الجوفية، وخصوصا أن غالبيتها غير متجدد.

وانتهى المقال إلى أن هناك حاجة لعملية تحول جذري في القطاع الزراعي، إذا أريد له البقاء في هذه البقعة الجافة من العالم، يتم فيها تغيير أنماط التفكير السائدة الحالية لتحسين وضع هذا القطاع، وإعادة تأسيسه والمجتمع الزراعي ككل من قطاع بدائي ومتخلف يهدم بيده مقومات بقائه، المحدودة أصلا، إلى قطاع ومجتمع زراعي حديث ومتقدم، يستطيع الاستمرار والتوسع تحت ظروف الندرة المائية السائدة في المنطقة، ويحقق في الوقت نفسه الأهداف التنموية الاجتماعية والاقتصادية لدول مجلس التعاون.

وبنظرة سريعة للتحديات التي تواجه التنمية الزراعية واستدامتها في دول المجلس سنجد بأن أول التحديات الطبيعية التي تواجه دول المجلس هو التحدي المائي المتمثل في ندرة المياه وتناقصها باستمرار بسبب التدني المستمر في نوعيتها الناتج عن استنزافها أساسا من قبل القطاع الزراعي نفسه، بالإضافة إلى اعتماد القطاع الزراعي على مياه إحفورية غير متجددة ستنضب عاجلا أو آجلا. أما التحدي الثاني فهو محدودية الأراضي الصالحة للزراعة في معظم دول المجلس وفقر محتواها العضوي، ما يؤدي إلى استخدام مكثف للأسمدة الزراعية، العضوية والكيميائية منها، لتحسين خصوبة التربة وزيادة الإنتاج الزراعي، الأمر الذي يؤدي إلى تلوث البيئة والتأثير على صحة الإنسان وتقليل ربحية المزارع. والجدير بالذكر أن دول المجلس تعتبر من الدول عالية الاستهلاك للأسمدة على مستوى العالم، فعلى سبيل المثال تستخدم بعض دول المجلس الأسمدة الكيميائية بمعدل يصل إلى 450 كيلوجراما للهكتار الواحد مقارنة بحوالي 100 كيلوجرام للهكتار في دول العالم المتقدم. كما يعتبر المناخ الزراعي القاسي الذي تتسم به معظم مناطق دول مجلس التعاون من التحديات الرئيسة التي تعيق التنمية الزراعية فيها، حيث يؤدي هذا المناخ، أولا إلى حصر الموسم الزراعي في فترات محددة في السنة وطرح معظم الإنتاج الزراعي في فترة زمنية قصيرة جدا مؤديا إلى انخفاض أسعار المنتجات الزراعية بشكل كبير وبالتالي ربحية المزارعين، وثانيا إلى انخفاض جودة المحاصيل الزراعية. أضف إلى ذلك إتباع طرق الزراعة التقليدية في معظم دول المجلس تحت هذه الظروف المناخية ما يؤدي إلى معدلات بخر وهدر عاليين للمياه وفي النهاية كفاءة ري منخفضة تفاقم بدورها من عملية استنزاف الموارد المائية الجوفية.

أما بالنسبة للتحديات الأخرى ذات العلاقة بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية لدول المجلس فتتمثل في عزوف الشباب الخليجي عن العمل في الزراعة التقليدية بسبب الطبيعة الاجتماعية والاقتصادية الحالية للمجتمع الخليجي ونظرة المجتمع الحالية إلى هذا النشاط، وتطلب العمل الزراعي التقليدي مجهود بدني كبير من حراثة وفلاحة، وغيرها، بالإضافة إلى انخفاض المردود المادي من العمل الزراعي مقارنة بالقطاعات الأخرى ووجود فرص عمل أكثر نسبيا في القطاعات الأخرى. وحاليا لا يمثل القطاع الزراعي في دول المجلس مصدرا مهما في توظيف القوى العاملة الوطنية في دول المجلس، حتى لشريحة المواطنين التي تحمل مؤهلات تعليمية أقل من الثانوية العامة.

ومن ناحية أخرى، يمثل التنافس الحاد لواردات المنتجات الغذائية من الدول الأخرى التي تمتلك الميزة النسبية في الزراعة مع المنتجات المحلية تحديا إضافيا. وإن وجدت الميزة النسبية في بعض دول المجلس فهي بسبب الدعم الحكومي لبعض أو جميع عناصر الإنتاج (المياه، الطاقة، الأراضي، الأسمدة، المكننة الزراعية،...)، وضمان شراء المحاصيل الزراعية من المزارعين من قبل حكومات بعض الدول، وفي بعض الدول إتباع سياسات الحماية المباشرة وغير المباشرة للمنتجات الوطنية، وكل ذلك يؤدي إلى تشويه الأسعار والعوائد لهذا القطاع. ومن غير المتوقع أن يستمر ذلك لعدة أسباب منها العبء المالي الذي تتحمله دول المجلس في دعم القطاع وكذلك بسبب اتفاقيات التجارة الحرة التي انضمت لها دول المجلس. والتحدي الآخر الذي يواجه الزراعة في دول المجلس، وهو الأكبر، هو ضعف مساهمة القطاع الزراعي في الناتج القومي المحلي بدول المجلس بالرغم من استحواذه على معظم المياه المحدودة أصلا في هذه الدول.

وأمام هذه التحديات الجمة التي تواجه الزراعة في دول المجلس، وإذا كانت هذه الدول ترغب فعلا في استمرار التنمية الزراعية والإبقاء على القطاع الزراعي فيها في ظل مؤشراته المتهاوية، فإن انتشال هذا القطاع من واقعه الحالي الصعب لا يحتاج إلى محاولات تقليدية لتعديل المسار (curve-bending)، وإنما يحتاج إلى قفزة (leapfrogging) في التفكير التقليدي الحالي لإصلاح هذا الواقع، وإلى حلول جذرية غير تقليدية يتم من خلالها التغلب على محددات الزراعة الطبيعية الحالية (الماء والتربة والمناخ) في دول المجلس، ووجود رؤية مستقبلية خليجية مشتركة تهدف إلى تحويل الزراعة في هذه الدول من قطاع هامشي يتجه للانكماش إلى قطاع يتنامى باستدامة ويرفع مساهمته في الناتج القومي المحلي، وأن يكون مصدرا لفرص عمل متزايدة تجذب الشباب الخليجي وتساهم في تنمية مستدامة للمجتمع الخليجي، وتساهم في تأمين نسبة أفضل من الأمن الغذائي ولا تتعارض مع الأمن المائي في المنطقة.

قد يرى البعض بأن هذه رؤية طموحة جدا، ولكنها ليست غير قابلة للتحقيق في دول المجلس متى ما وجدت الإرادة السياسية ودعمت بالتخطيط الاستراتيجي والبحث العلمي وسخرت لها الإمكانات المادية في هذه الدول، كما أثبتت التجارب في العديد من دول العالم.

إن التقدم العلمي والتقني الذي حدث في الربع الأخير من القرن الماضي وتسخير البحث العلمي لحل المشكلات المجتمعية قد ساهم في إيجاد حلول للكثير من مشكلات التنمية الزراعية، وكذلك توفير متطلبات واحتياجات الكثير من مجتمعات دول في العالم. ومن أهم هذه الحلول المطروحة حاليا، وخصوصا للمجتمعات التي تعيش في المناطق الجافة، هي الزراعة الحديثة والمتطورة، ويأتي على رأسها الزراعة خارج التربة (يطلق عليها كذلك الزراعة من دون تربة) والزراعة المائية، التي حدث فيها تقدم علمي و تقني كبير في الآونة الأخيرة. وأصبحت الكثير من الدول المتقدمة زراعيا تستخدم هذه التقنيات لإنتاج معظم المحاصيل الزراعية الأساسية فيها لما لها من مميزات. فعلى سبيل المثال، تستخدم نصف البيوت المحمية في هولندا، التي تعتبر من أكثر الدول المتقدمة زراعيا، تقنية الزراعة خارج التربة، كما يتم استخدام هذه التقنية في ثلثي مساحة البيوت المحمية التي تنتج الخضروات فيها، ويتم إنتاج جميع منتجات الطماطم والخيار والفلفل بواسطتها. أي أن معظم، أن لم يكن جميع منتجات الخضروات التي يتم استيرادها من قبل دول المجلس من هذه الدولة، والتي تعتبر منتجاتها الزراعية أغلى نسبيا من المنتج المحلي والدول المجاورة الأخرى، هي منتجة بواسطة تقنية الزراعة خارج التربة.

لقد احتلت الزراعة خارج التربة في الوقت الحالي جزءا مهما في الزراعة العالمية، فقبل 40 عام كانت المساحات المزروعة في جميع أنحاء العالم لا تزيد عن 10 هكتارات (0.1 كيلومتر مربع)، ووصلت حاليا هذه المساحة إلى أكثر من 40 ألف هكتار، وهي في تزايد وانتشار مستمر في مختلف أنحاء العالم. وتستخدم هذه التقنية لزراعة المحاصيل المختلفة في المناطق الجافة والرطبة على السواء، إلا أن المستقبل يتجه نحو استخدام هذه التقنيات في إنشاء مزارع حضرية بالقرب من مراكز التجمعات السكانية في المناطق الصحراوية.

وتعتبر هذه التقنيات، أي تقنيات الزراعة خارج التربة، في المراكز الأكاديمية والبحثية المتخصصة في مجال الاستزراع الصحراوي في المنطقة، مثل جامعة الخليج العربي، أحدى مناطق الحل لاستدامة التنمية الزراعية في دول مجلس التعاون والمساهمة في التنمية الاجتماعية والاقتصادية لهذه الدول. ومع تزايد شحة المياه والأراضي الصالحة للزراعة وزيادة الطلب على الغذاء والتقدم التقني المتسارع أثبتت هذه التقنيات جدواها التقنية والاقتصادية في الكثير من دول العالم الواقعة في النطاق الجاف، وهي تتناسب بشكل كبير مع ظروف دول مجلس التعاون بسبب قضائها على الكثير من معوقات الزراعة كندرة المياه والمناخ وضعف خصوبة التربة، بالإضافة إلى قدرتها على خفض الكلفة المائية (كمية المياه المستخدمة لإنتاج كجم من المحصول) للمحاصيل الزراعية وخصوصا الخضروات بنسب تصل إلى أكثر من 75 في المئة، وكذلك قدرتها على رفع إنتاجية المتر المربع من مساحة الأرض لهذه المحاصيل من ضعفين (200 في المئة) إلى تسعة أضعاف (900 في المئة)، مقارنة بطرق الزراعة التقليدية السائدة كالزراعة المحمية في التربة أو الزراعة الحقلية.

وسيتطرق المقال القادم إلى كيفية تحويل التحديات التي تواجه التنمية الزراعية في دول مجلس التعاون إلى فرص يستفاد منها بأكبر قدر ممكن باستخدام هذه التقنية الزراعية الحديثة، والمتطلبات التقنية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية لتحقيق ذلك.

إقرأ أيضا لـ "وليد خليل زباري"

العدد 1689 - السبت 21 أبريل 2007م الموافق 03 ربيع الثاني 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً