كانت تلك أهم عبارة جاء بها أحد الردود من إحدى القارئات على مقال سابق، وكعادتي لا أفضل تجاهل ردود فعل قرائي عما اكتبه فإني اورد ما جاء في الرد. قالت القارئة في ردها: «الديمقراطية التي نطالب بها ليلا نهارا لن تكون وفق أمزجتنا السياسية، لا بد من انتصار رغبة الجمهور، وتحديد من يصلح لتمثيل قضاياهم، أما البكاء على أطلال النتائج فردي عليه هو: لماذا؟ ولماذا؟، (والكلام ما زال للقارئة) فهو لن يجدي أي خطوة... فمع وجود الكفاءة وحتى الخبرة تتدخل دواخل عدة في التحكم في الصعود إلى النيابي، ان العملية في البحرين مستنسخة أيضا، لان العقل الاجتماعي الخليجي قد نشأ على المحافظة على وداعة المرأة وتحصينها من أي مواجهة مجتمعية... قد لا تنسجم مع أنوثتها.
لن يختلف المشهد هنا عن هناك، وستتكرر الملامح العامة لمشهد السياسي للمرحلة القادمة والسبب هو انه ليست أن المرأة غير مهيأة أو أنها لم تعط الفرصة... بل لسبب بسيط هو أنها إلى الآن لا تعرف ماذا تريد؟.
انتهى رد أختي الكريمة، وفيما يلي تعليق موجز على ما ذكرته، إذ سأركز بالدرجة الأساس على ما تفضلت به من أن المرأة لا تعرف ماذا تريد؟!.
كل ما تفضلت به أختي الكريمة قد أتفق معها وربما أختلف كثيرا في رؤيتي عنها، ما عدا تلك العبارة التي أسمي به مقالي هذا به، فلدي رؤية تختلف تقول: إن المرأة كائن حي اجتماعي مثله مثل باقي الكائنات الحية الاجتماعية الأخرى بل هي نوع من الأنواع، وبالتالي لا يمكن المكابرة أو الادعاء أو حتى المبالغة بأن كل النساء يعرفن ماذا يُردن؟ ولا يمكن التعميم، بمعنى أن لديهن رؤية واضحة ومحددة ويسعين إلى تحقيقها، بدليل أن الرجال أيضا من الذين نثق بهم نحن معشر النساء ليسوا جميعا يعرفون ماذا يريدون؟ وهذا بدوره يجعلنا نفكر في قطاع الشباب، وينطبق عليهم ما ينطبق بالضبط على المرأة والرجل، اذ أعتقد بأن كل القطاعات تتساوى في هذا المنحنى مع فئة الأطفال، إذ انهم لا ملام عليهم باعتبارهم لا يعرفون ماذا يريدون بل لا يعرفون لماذا هم يبكون ويصرخون، لأنهم باختصار شديد لا رؤى لديهم.
الرؤية فقط تكون موجودة لدى النخب والفئات الواعية ولدى القلة القليلة من الناس إن صح التعبير، لكن من غير الممكن أن نعمم النظريات التي نؤمن بها، وذلك لوجود استثناءات تحكم موازين الأمور، فلا يمكن بأي حال من الأحوال أختي الكريمة أن أحكم على النساء قاطبة بأنهم لا يعرفون ماذا يريدون؟ وبالتالي أطلق عليهم حكم مسبق بأنهم قد لا يصلحون للعمل السياسي أو قد لا ينجحون في العمل النيابي، لأننا في هذه الحالة نتجرد من الموضوعية والعلمية ويصبح حديثنا لا يخلو من المبالغة، ولكن عندما نقول إن الراغبات في الحصول على مناصب سياسية لا يعرفون ماذا يريدون أيضا نكون قد ظلمناهم بدليل أنه من الواضح جدا بأن لديهم رؤى محددة، وهي حصولهم على مناصب سياسية وانطلاقهم لتحقيق هذا الهدف من خلال النزول إلى الانتخابات ولكن ربما أتفق معك بأن التعميم ليس صحيحا، نعم أصابع أيدينا ليست متساوية، وكارثة المرأة إذا كانت لا تعرف ماذا تريد وتطمح إلى تبوء منصب سياسي حساس تمثل فيه الناس وهذا الوصف بدوره ينطبق على الرجل أيضا.
عندما نتكلم عن أسباب اخفاق المرأة في أية انتخابات لا نتكلم عن فرص نجاح من عدمه في حال عدم توفر أسباب محددة للنجاح، ونحن عندما نأخذ على عاتقنا مسألة القراءات والتحليلات نتكلم عن شريحة من النساء تعرف ماذا تريد بالضبط بل وتعرف حقيقة ما تصبو إليه، كما تعرف كيف يمكن تحقيق رؤيتها وتعرف ما الذي يتوجب عليها فعله، من تمثيل لقضايا الشارع بالصورة المطلوبة وغيرها من أمور لا يمكن اختزالها في سطور.
لا نتكلم أبدا عن المرأة البسيطة التي لا حول لها ولا قوة، والتي لا تستطيع أن تعبر عن ذاتها فكيف لها أن تعبر عن قضايا وطن ومواطن؟.
من الظلم والإجحاف أن نقول بأن كل النساء لا يعرفون ماذا يريدون لأنه لو حدث ذلك وصدق لكان نسبة كبيرة من الرجال أخذوا العدوى منها؛ لأنهم بلا شك نتاج نساء فلا أحد يتنكر بأن المرأة هي من تربي الرجل في حضنها وعلى يديها ونعلم جيدا بأن فاقد الشيء لا يعطيه، أعتقد بأن هناك كفاءات نسائية وأن هناك نساء واعيات مثقفات يعرفن ماذا يردن ويخططن جيدا كما يعرفن آلية تنفيذ ما خططن إليه من خطط وبرامج بحنكة وذكاء. وعندما تطمح المرأة في الحصول على منصب سياسي هنا أو هناك فإنها حتما لا تبالغ أو تزايد ولا تطلب المستحيل وطلبها يعد أحد حقوقها، علينا تفهم ما تقوم به المرأة فالمجتهد قد يخطأ أو قد يصيب، وإن قصتها تبدأ بالبحث عن استحقاق، إذ إن من المعروف بأن الحقوق تؤخذ ولا تعطى، فكيف لها أن تنتظر أن تحصل على حقها وهي أساسا جالسة في بيتها لا تطالب به؟ ولا ترغب فيه؟.
وجود المرأة في حقل العمل السياسي ببساطة سيسهم دون شك في إعادة قراءة المشهد السياسي من جديد، وستتمكن من إضافة الكثير على أجندة العمل السياسي وستكون انطلاقة نوعية للحركة النسائية على كل الأصعدة، ولكن ابتعادها سيؤدي إلى ترسيخ أعراف تبعد المرأة من المشاركة في الحياة السياسية فالمتصديات للساحة السياسية يحتجن إلى دعم الجالسات في المنزل، وهن بلا شك يحتجن إلى الاستفادة من أدوار المتصديات للساحة، فالأدوار المتبادلة متكاملة ولا يمكن لكل النساء أن يخرجن من بيوتهن والمساهمة في العمل السياسي، كما أن العكس ليس صحيحا حتى نستطيع تحقيق نوع من التوازن، لا بد من التنسيق وتوحيد الجهود، كذلك الحال بالنسبة للرجل وهذا ما نلحظه.
أتمنى أن أكون قد وضحت ما يمكن توضيحه.
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 1688 - الجمعة 20 أبريل 2007م الموافق 02 ربيع الثاني 1428هـ