تشير أخر الدراسات الإقتصادية إلى ضرورة الفصل التأسيسي بين ما يعتبر في مجمله نموا اقتصاديا وبين «التنمية». التقارير ذاتها أشارت إلى تكاملية العملية التنموية في جميع أبعادها، وأن أي نمو إقتصادي ما، لا يعتبر في المطلق دلالة على التنمية ماخلا أن تكون عمليات نهوض أخرى في المجالات الإنسانية والثقافية والإجتماعية قد تحققت.
الذي نلاحظه في البحرين أننا حققنا مستويات جيدة من النمو الإقتصادي، دلالة ذلك الوفرة المالية - نسبيا - لدى الدولة ما جعلها تنعم بفائض مالي خلال العامين الماضيين. دلالة ذلك أيضا مستويات نمو الإستثمارات هنا وهناك. إلا أن شكوكا كبرى مازالت تحيط بإطلاق عام مقتضاه أننا في البحرين نعيش حالا من التنمية الشاملة. وفي هذا الإطلاق يظهر لي أكثر من تحفظ.
لا نزال في البحرين متقوقعين لحساب خطابات التبشير بالنمو الاقتصادي على حساب البت في «السياسي» وغيره من الموضوعات المؤجلة. وهو ما يعتبر سرقة ذكية للحال السوية في استمرار عملية الجدال السياسي والاجتماعي في «الدولة». ولأن مردودات النمو الاقتصادي تتصف بالتأجيل فإن حوارا داخليا في البحرين عن ماهية هذه العملية التنموية لم يوجد بعد.
مكنة النمو الإقتصادي إن لم تجاريها حال سوية تضمن استمرارية فاعلة للحراك السياسي والاجتماعي والثقافي ستكون مكنة تدور في الفراغ، وستكون مخرجاتها محصورة نحو توسيع الفوارق بين طبقتين اثنتين. طبقة الأثرياء وطبقة المعدمين. والظاهر لنا أن الطبقة الوسطى في البحرين هي قاب قوسين أو أدنى من الاختفاء في الظلمة.
مكنة النمو الاقتصادي التي لم تنعم حتى اليوم ومنذ العام 2001 بنظام تعليمي جديد يكسر أرثوذكسيات الماضي لن تستطيع إنتاج شيء، ما خلا زيادة العمالة الأجنبية المتعلمة والمدربة والتقارير الإقتصادية الأخيرة تؤكد ذلك.
مكنة النمو الاقتصادي التي لم تنعم حتى اليوم ومنذ العام 2002 بحراك سياسي فاعل نحو حلحلة ملفات ملغومة لن تستطيع إنتاج شيء ما خلا زيادة التوتر في الشارع وصولا لفك ارتباط القوى الاجتماعية بعضها عن بعض.
ما نحن فيه اليوم هو توتر واضطراب سياسي واجتماعي هو حصيلة الارتهان للتبشير بالنمو الاقتصادي من دون أن يكون للسياسي أو الاجتماعي حضور يذكر. هو نتيجة خطأ استراتيجي لم نتنبه له وسندفع ثمنه كل يوم أكثر وأكثر.
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 1685 - الثلثاء 17 أبريل 2007م الموافق 29 ربيع الاول 1428هـ