العدد 1680 - الخميس 12 أبريل 2007م الموافق 24 ربيع الاول 1428هـ

رحم الله أبي

علي الشرقي ali.alsharqi [at] alwasatnews.com

رحم الله أبي، فقد كان رجلا مكافحا في هذه الحياة منذ نعومة أظفاره، كما كان يحدّث جلساءه في مجلسه المفتوح ليلا ونهارا، والذي كان يمتلئ بمرتاديه من كبار السن خصوصا، ويتناولون القهوة والتمر شتاء والرطب في فصل الصيف مع «القدو والنارجيلة» ويتبادلون أطراف الحديث عن أمور مختلفة كثيرة، وكنت أحضر المجلس وأستمع لما يقولون، وأفهم بعض ما يقولون.

لقد كان من جملة المهن التي كان يزاولها أبي عليه الرحمة مهنة «الغوص»، إذ كان يشغل مهمة الـ «غيص» وعمي الحاج يوسف مهمة الـ «سَيب» وهما مصطلحان معروفان لدى كثير من الناس.

وبحكم هذه المهنة الشاقة جدا، كان أبي يخرج إلى الغوص مع زملائه الغواصين وغيرهم من طاقم الغوص، ويتركنا في بيتنا المصنوع من سعف النخل (البرستج والعريش) إذ كان يتغيّب عنا طيلة أربعة أو خمسة أشهر أبقى خلالها مع أمي رحمها الله، إذ إنني وحيد أمي وأبي، وكنت أحظى بدلال خاص منهما، وحين يعود أبي إلينا كان يحمل معه بعض الهدايا المرتبطة بالبحر والتي تفرحنا كثيرا، أما فرحتنا الكبرى فهي بعودة أبي وعمي إلينا سالمين من أخطار لابحرن وما أكثرها.

بعد أن أفل نجم الغوص، انتقل أبي إلى مزاولة مهن أخرى لا تقل مشقة عن سابقتها، إذ تتطلب منه التنقل بين قرى كثيرة منها جزيرة سترة، إذ يقطع المسافة إليها ماشيا عبر خليج توبلي، ويبقى في سترة عند بعض أقاربه حتى تنتهي مهمته ويعود إليه بيته. كما عمل حمالا في سوق المنامة القديم، إذ أخذ التعب منه كل مأخذ. وبعد أن قارب التسعين سنة من عمره وبان عليه التعب والمرض ترك مهنته المذكورة ولزم بيته ومجلسه، وصار يستقبل ضيوفه وأصدقاءه معظم وقته، وكان يجد في ذلك أنسا كثيرا وخصوصا مع من هم قريبون منه أو مماثلون له في السن.

لقد كان من مميزات أبي عليه الرحمة حبه لأهل البيت (ع) وتعلقه بهم، ويتجلى ذلك من خلال مجالس التعزية التي كان يقيمها في مجلسه طيلة ليالي الأسبوع من دون انقطاع، ومن أبرز وأقدم الخطباء الذين قرأوا في مجلس أبي (ملا حسن أبوالعيش) من قرية الديه الذي كان يحضر معه أكثر من «صانع» يساعدونه ويتعلمون الخطابة على يديه. كما أن والدي كان يدعو كل خطيب (غريب) يزور البحرين ليقرأ في مجلسه ليلة أو أكثر، مع تهيئة العشاء ليليا لإطعام المستمعين الذين يحضرون المجلس.

ومن أبرز الحكايات المحرجة التي حدثت لأبي أنه دعا خطيبا عراقيا ليقرأ في مجلسه، وقد طلب هذا الخطيب تأجيل عشائه إلى ما بعد القراءة، وحين انتهى من قراءته ذهب والدي لتحضير العشاء للخطيب، ولكنه مع شديد الأسف لم يجد غير أرز خالٍ من «الإيدام»، ما أشعر والدي بالحرج الشديد وهو يقدم لضيفه أرزا من دون «إيدام»، لقد سُرقت الدجاجة، وادجاجتاه... واخجلتاه!

رحم الله أبي...

إقرأ أيضا لـ "علي الشرقي"

العدد 1680 - الخميس 12 أبريل 2007م الموافق 24 ربيع الاول 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً