من قصر السيف، هنا بدولة الكويت، وفي 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 1962 صدّق الأمير عبدالله السالم الصباح الدستور الكويتي المرفوع إليه من قبل المجلس التأسيسي. والدستور الكويتي قام بصوغه الفقيه القانوني عبدالرزاق السنهوري (1895 - 1971)، والسنهوري صاحب فضل كبير على الفقه القانوني العربي الحديث، وساهم في تدشين عدة دساتير وقوانين عربية (دستور دولة الامارات العربية المتحدة، السودان، القانون المدني الليبي... إلخ). وكان السنهوري ممنوعا من السفر بناء على أوامر الرئيس جمال عبدالناصر، والأخير عزل السنهوري عن منصبه في مجلس الدولة مذ العام 1954م، وظل إلى وفاته معتزلا للحياة العامة. إلا أن دولة الكويت استطاعت الحصول على موافقة بشأن سفره إليها لوضع دستورها.
الأمير عبدالله السالم الصباح معروف بين أهل الكويت بكرمه اللامحدود، إذ هو من قاسم أهل الكويت الثروة، ومن ذلك تثمين بيوت الكويتيين بأضعاف مضاعفة من أسعارها، وقاسمهم الحكم والإدارة (السلطة)، إذ جرت إبان عهده أول انتخابات لمجلس أمة في العام 1963م. وحينما تحدث معه البعض بشأن توزيع الثروة وان ذلك يعتبر إرهاقا لموازنة الدولة رد عليهم عبدالله السالم الصباح قائلا: «إن ما يخرج من باطن الأرض فهو لمن فوق الأرض». لذلك لا تجد كويتيا إلا ويترحم على عبدالله السالم (رحمه الله).
الدستور الكويتي هو دستور عقدي توافرت فيه إرادتان (إرادة الحكم ممثلة في الأمير، والأمة في أعضاء المجلس التأسيسي المنتخب من الشعب)، لذلك لا يتم تغييره أو تعديله أو إلغاؤه إلا بتوافق الإرادتين. ويحدد الدستور الصلاحيات والاختصاصات للسلطات الثلاث، والمبادئ الحاكمة للدستور هي: الفصل بين السلطات، ومبدأ الأمة مصدر السلطات جميعا.
وجاء في الدستور الكويتي في المادة (4) «الكويت إمارة وراثية في ذرية المغفور له مبارك الصباح». ويشير الدستور الكويتي في المادة (6) «نظام الحكم في الكويت ديمقراطي, السيادة فيه للأمة مصدر السلطات جميعا».
وفي المادة (78) يشير الدستور إلى الأمير بصفته «رئيسا للدولة»، وعند توليه يتم «تعيين مخصصاته السنوية بقانون، وذلك لمدة حكمه». كما تشير المذكرة التفسيرية بشأن هذا الأمر، في المادة (78) إلى «تعيين مخصصات رئيس الدولة بقانون عند توليه الحكم ولمدة حكمه يجعل هذا التقدير لا يناقش إلا مرة واحدة فور التولية، ثم يتكرر إدراج هذه المخصصات في الميزانيات السنوية للدولة دون العودة الى مناقشتها زيادة أو نقصا...».
أما المادة (99) فإنها تشير إلى أن «لكل عضو من أعضاء مجلس الأمة أن يوجه إلى رئيس مجلس الوزراء، وإلى الوزراء أسئلة لاستيضاح الأمور الداخلة في اختصاصهم, وللسائل وحده حق التعقيب مرة واحدة على الإجابة». وفي المادة (181) نص الدستور الكويتي على أنه «لا يجوز تعطيل أي حكم من أحكام هذا الدستور إلا أثناء قيام الأحكام العرفية في الحدود التي يبينها القانون ولا يجوز بأي حال تعطيل انعقاد مجلس الأمة في تلك الأثناء أو المساس بحصانة أعضائه».
هذه بعض أهم المبادئ والنصوص الدستورية الحاكمة للحياة السياسية في دولة الكويت، وهي - كما ترى عزيزي القارئ - مبادئ كان لها أثر كبير في تأصيل ومشروعية حكم أسرة آل صباح من جهة، كما إنها كانت ضامنة لتطبيق مبدأ الأمة مصدر السلطات جميعا، وأيضا ضامنة لاستمرارية انعقاد مجلس الأمة حتى في ظل الأحكام العرفية، لا قدر الله، ولا يجوز بأي حال من الأحوال المساس بحصانة النائب البرلمانية.
ولذلك يفخر الكويتيون بالحكم الذي يتمتعون في ظله بكثير من الرخاء الاقتصادي، إلى الدرجة التي يتحدى فيها أمين سر العائلة الحاكمة الشيخ راشد الحمود الصباح، في لقاء له مع صحيفة «الوطن» الكويتية بتاريخ 1 نيسان/ أبريل الجاري، المعارضين لأسرة آل صباح بالإتيان «بمثل حكم أسرة آل صباح بكل المقاييس حتى نصلح من أمرنا، لنصل بما تذكرون». وبمثل هذا الحكم كانت الجبهة الداخلية للكويت من أقوى الجبهات الداخلية على مستوى دول المنطقة، وتجلى ذلك في العام 1990م إبان محنة الغزو. لذلك فإن الكويت أنموذجا يحتذى به للدول الخليجية الأخرى، التي تريد السير ناحية التنمية السياسية، وتكريس الحياة الديمقراطية وتقوية الجبهة الداخلية ضد الأطماع الخارجية للدول الكبرى.
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 1678 - الثلثاء 10 أبريل 2007م الموافق 22 ربيع الاول 1428هـ