العدد 1675 - السبت 07 أبريل 2007م الموافق 19 ربيع الاول 1428هـ

مستقبل الزراعة في دول مجلس التعاون (1)

وليد خليل زباري Waleed.Zubari [at] alwasatnews.com

وليد خليل زباري

كما هو معروف، مرت دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية منذ عقد السبعينات من القرن الماضي بعملية تحول اجتماعي واقتصادي لم يسبق لها مثيل، وذلك بسبب اكتشاف النفط والزيادة المفاجئة في مداخيله، ما أدى إلى زيادة القاعدة الاقتصادية وارتفاع مستوى المعيشة بها. وخلال الفترة من 1970 إلى 2000 تضاعف عدد السكان في دول المجلس أربعة أضعاف، من أقل من 8 ملايين نسمة إلى أكثر من 30 مليون نسمة، ومن المتوقع أن يصل عدد السكان بحسب النماذج الديموغرافية لمكتب الأمم المتحدة للسكان (نيويورك) إلى حوالي 58 مليون نسمة بحلول العام 2030.

وصاحب هذا النمو المتسارع زيادات متعاظمة في معدلات الطلب على الموارد المائية المحدودة بالمنطقة، إذ ارتفع الطلب على المياه لمختلف الأغراض من أقل من 5 مليارات متر مكعب في العام 1970 إلى حوالي 30 مليار متر مكعب في العام 2000. وبسبب افتقار دول مجلس التعاون عموما إلى وجود موارد مائية سطحية يعتمد عليها، فقد تم تغطية المتطلبات المائية بشكل رئيسي من موارد المياه الجوفية (91 في المئة)، وتحلية مياه البحر (7 في المئة)، وبإعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة (2 في المئة).

وخلال العقود الثلاثة الماضية حاولت دول المجلس تحقيق نسب عالية من الاكتفاء الذاتي من الغذاء، وقامت بتبني سياسات تشجع التوسع الزراعي والمساحات الزراعية بواسطة الكثير من الحوافز الاقتصادية لزيادة المساحات المزروعة وزيادة إنتاجية المحاصيل، إذ قدمت حكومات هذه الدول الدعومات في الكثير من الأشكال، ومنها توزيع الأراضي الزراعية، وحفر الآبار، وتوفير الوقود، وأنظمة دعم الأسعار، والحماية التجارية، والحرية المطلقة للمستثمرين الزراعيين في استخراج أية كميات يحتاجونها من المياه الجوفية، والتي غالبتها غير متجددة.

ونتج عن هذه السياسات الزراعية زيادة كبيرة في مساحة الأراضي المزروعة في دول المجلس، إذ ارتفعت هذه المساحات من حوالي 4130 كيلومترا مربعا في مطلع عقد الستينات من القرن الماضي إلى حوالي 18000 كيلومتر مربع مع مطلع العام 2000. وخلال هذه الفترة، ارتفع مؤشر الإنتاجية الزراعية الصافي بمقدار مرتين ونصف المرة، إذ ارتفع هذا المؤشر من حوالي 107 في مطلع الستينات ليصل إلى حوالي 630 مع مطلع العام 2000.

وتشير الإحصاءات الزراعية لدول المجلس إلى أنه في العام 2003 بلغت نسبة الاكتفاء الذاتي لدول المجلس للفواكه مابين 14 في المئة (دولة الكويت) إلى 73 في المئة (سلطنة عمان)، وبمتوسط يبلغ 65 في المئة لدول المجلس، وللخضراوات ما بين 9 في المئة (مملكة البحرين) إلى 20 في المئة (المملكة العربية السعودية)، وبمتوسط 15 في المئة لدول المجلس. وبسبب عدم وجود تعريف واضح ومحدد لمفهوم الاكتفاء الذاتي الذي تم اتباعه في دول المجلس من حيث أنواع المحاصيل الزراعية والمعدلات المستهدفة منها، وخلطه في كثير من الدول مع مبدأ الإنتاج الأقصى للغذاء، فإنه يصعب الحكم على نجاح تطبيق سياسات الاكتفاء الذاتي في تحقيق أهدافها في دول المجلس.

وبافتراض أن تطبيق سياسات الاكتفاء الذاتي قد حققت أهدافها خلال الفترة الماضية، فإن ذلك قد تحقق بكلفة اقتصادية باهظة وبخسارة كميات كبيرة وضخمة من موارد المياه الجوفية، والأخطر من ذلك كله الوصول إلى وضع يهدد استمرارية هذا القطاع في النمو. فعلى رغم أن الدعومات المقدمة للقطاع الزراعي قد أدت إلى زيادة المساحات الزراعية وكذلك الإنتاج الزراعي في هذه الدول، فإنها أدت إلى استنزاف جميع موارد المياه الجوفية في دول مجلس التعاون بلا استثناء بسبب الاستغلال غير السليم وغير المدروس لها، وخصوصا الموارد المائية الجوفية غير المتجددة ما يهدد استدامة هذا القطاع، كما أدى غياب التنظيمات الإدارية والقانونية للتحكم في معدلات السحب إلى تشجيع حفر الآبار غير المشروعة، وأدى عدم وجود تعرفة لاستهلاك المياه الجوفية إلى ممارسات زراعية غير رشيدة تمثلت في معدلات منخفضة في كفاءة الري ومؤدية إلى هدر وخسارة أكثر من 50 في المئة من المياه المستخدمة في الري. ولقد أدى كل ذلك إلى نضوب الكثير من مستودعات المياه الجوفية وتدني نوعيتها وتملحها، وفي النهاية إلى هجرة الكثير من المزارع في الكثير من الدول.

ومن الناحية الاقتصادية، فإن الدعومات التي قدمت للقطاع الزراعي قد شوهت الأسعار والعوائد لهذا القطاع، إذ إن معظم الأنشطة الزراعية في دول المجلس هي مربحة ماليا فقط بسبب دعم الحكومات وحوافزها الاقتصادية. وعلى رغم أن الزراعة تستهلك حوالي 85 في المئة من إجمالي الطلب على المياه في دول المجلس، وأكثر من 90 في المئة من المياه الجوفية، فإنها تساهم بجزء بسيط جدا في اقتصاديات هذه الدول، باستثناء سلطنة عمان، إذ تبلغ مساهمة القطاع الزراعي في الناتج القومي المحلي لدول المجلس ما بين 5 في المئة إلى 0.4 في المئة بحسب التقارير الوطنية لدول المجلس للعام 2002، كما أنه باستثناء سلطنة عمان لا يمثل القطاع الزراعي مصدرا مهما في التوظيف للقوى العاملة الوطنية في هذه الدول. ونجد أن معظم أصحاب المزارع في دول المجلس هم عبارة عن رجال أعمال من غير المزارعين وحياتهم غير مرتبطة بها، وينظرون إلى الزراعة على أنها فرصة استثمارية كأي استثمار آخر، ولن يتوانوا عن التخلي عن النشاط الزراعي والتوجه نحو استثمار آخر متى ما توافرت الفرصة لذلك أو توقفت الدعومات الحكومية للنشاط الزراعي وأصبح هذا النشاط غير مربح.

ومن المتوقع مع التدني المستمر في نوعية المياه الجوفية، أن ينتج عن ذلك زيادة في هجرة للأراضي الزراعية وانخفاض الإنتاج الزراعي. ويشار هنا إلى أنه بسبب التدهور العام لحال المياه الجوفية من انخفاض مناسيبها وتدني نوعيتها بدأت بعض دول المجلس فعلا في مراجعة سياساتها الزراعية، ووصل بعضها إلى قناعة بعدم إمكان تحقيق الاكتفاء الذاتي/الأمن الغذائي في ظل شح الموارد المائية الطبيعية المتاحة. فبدءا من العام 2000 اتخذت الحكومة السعودية خطوات جريئة في هذا الصدد مثل وقف توزيع الأراضي وتخفيض الإعانات الزراعية المتمثلة في دعم مدخلات الإنتاج الزراعي وضمان شراء المنتجات الزراعية من المزارعين لتخفيض معدل نضوب المياه الجوفية وكذلك لتقليل أعباء الموازنة. ولقد أدت هذه الإجراءات، بالإضافة إلى التأثير غير المباشر لتخفيض الدعومات على مشتقات النفط، إلى انخفاض معدلات الري الزراعي في المملكة.

كما بدأت بعض دول المجلس الأخرى في تقديم أشكال مختلفة من الإعانات الزراعية الموجههة، وذلك بالتركيز على الإعانات الزراعية التي تشجع الاستخدام الكفء لمياه الري من خلال دعم أنظمة الري الحديثة الموافرة للمياه وبناء البيوت البلاستيكية وزراعة المحاصيل عالية القيمة النقدية، وزيادة استخدام المياه المعالجة في الري الزراعي. إلا أنه عومام، لم تؤدِ هذه الإجراءات إلى تخفيض مهم في كميات المياه الجوفية المستهلكة في القطاع الزراعي في دول المجلس، ولم تظهر تأثيراتها على تحسن حال هذه المياه الكمية أو النوعية. وتبين التقارير الحديثة استمرار هجرة الكثير من المساحات الزراعية في دول المجلس بسبب استمرار نضوب المياه الجوفية وزيادة درجة ملوحتها.

لقد كانت السياسات الاكتفاء الذاتي السابقة تعتمد على التوسع في الأراضي الزراعية لتحقيق هدف زيادة الإنتاج الزراعي، وشهدت هذه الفترات الماضية نموا غير مسبوق في زيادة كميات المياه المستخدمة في الري الزراعي، إلا أن هذه الفترة قد انتهت بعد وصولها إلى أعلى نقطة يمكنها أن تصل لها، والتي تمثل طاقة المياه الجوفية الطبيعية. وحاليا تدل جميع المؤشرات على أن هذا المنحنى في هبوط مستمر وأصبح الاستمرار في هذه العملية غير مستدام، وأصبحت عملية زيادة الإنتاج الزراعي من خلال زيادة المساحات الزراعية غير ممكنة. وفي المستقبل، إذا أريد للزراعة أن تستمر في دول المجلس تحت ظروف تناقص المياه الصالحة للري الزراعي ومحدودية الأراضي الصالحة للزراعة، فإن عليها استخدام مياه أقل لإنتاج أعلى لتلبية الطلب المتنامي على الغذاء، وكذلك إنتاج محاصيل ذات قيمة سوقية عالية لتحقيق الربح.

إقرأ أيضا لـ "وليد خليل زباري"

العدد 1675 - السبت 07 أبريل 2007م الموافق 19 ربيع الاول 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً