العدد 1675 - السبت 07 أبريل 2007م الموافق 19 ربيع الاول 1428هـ

عائق أو فرصة

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

عندما اخترع هنري كيسنجر تعبير «الغموض البنّاء» أثناء محاولاته التفاوض على سلام عربي إسرائيلي لم يكن يتوقع أنه في يوم من الأيام سيستخدمه الفلسطينيون في مبادرات سلام يقدمونها. الغموض في أجندة حكومة «الوحدة الوطنية» الفلسطينية الجديدة يعتمد على ما إذا كان المرء ينظر إلى النصف الممتلئ أو النصف الفارغ من الكأس. إذا أرادت الولايات المتحدة و»إسرائيل» السير قدما في عملية السلام فالكأس نصف مليء. ولكن إذا لم تكن هناك نيّة صادقة لدفع ثمن السلام فالكأس نصف فارغ.

قبل أكثر من سنة وبتشجيع دولي، تبنى الشعب الفلسطيني الديمقراطية الانتخابية حتى قبل أن يتمتع بالسيادة وانتهاء الاحتلال الإسرائيلي. ألقوا جانبا بقادتهم العلمانيين من فتح منذ فترة طويلة واستبدلوهم بحماس. التجميد غير العادل للمعونة الفلسطينية الذي تبع ذلك أثار ثورة اجتماعية وبداية حرب أهلية، أوقفت أخيرا نتيجة تحالف بين فتح وحماس أفرز حكومة الوحدة الوطنية.

«للمرة الأولى في تاريخ النزاع الفلسطيني تعرب غالبية من الفلسطينيين، بمن فيهم الإسلاميين، عن استعدادها لقبول دولة فلسطينية ضمن حدود العام 1967 المعترف بها دوليا» يكتب داود كتاب. «الاعتراف الضمني بـ(إسرائيل) في هذا السياق تدعمه عبارات وردت في اتفاقات بين منظمة التحرير الفلسطينية و(إسرائيل) احتوت على اعتراف متبادل واحترام للقرارات والمعاهدات العربية والدولية. مطالبة (إسرائيل) وغيرها باعتراف واضح وصريح قبل بدء المفاوضات أمر غير منطقي. ليس هناك من شعب واقع تحت الاحتلال لا سيادة له أُجبر على الاعتراف بمحتل حدوده غير واضحة. بقبولهم دولة مستقلة في الضفة الغربية وغزة يكون الفلسطينيون قد أعلنوا حدود دولتهم وقدموا احتمالات الاعتراف المتبادل من خلال المفاوضات».

الرئيس الفلسطيني محمود عباس القائد العسكري الأعلى طالب بوضع حد للاحتلال من خلال المفاوضات ورفض بشكل صارم وواضح استخدام العنف. على رغم إصرارها على حق الشعب بمقاومة الاحتلال عبر أي أسلوب ممكن تضع حكومة الوحدة الوطنية المقاومة اللاعنفية كأول خياراتها. إضافة إلى ذلك تقدّم الحكومة الجديدة غصن زيتون إلى الإسرائيليين حتى قبل بدء المفاوضات من خلال السعي إلى توسيع وقف إطلاق النار من غزة إلى الضفة الغربية. سياسيا، توفر الحكومة الجديدة عملية منطقية فيما يتعلق بالمفاوضات من أجل حل دائم للنزاع. وهي تعطي عباس ومنظمة التحرير الفلسطينية التي يرأسها كامل السلطة للتفاوض على اتفاق سلام مع «إسرائيل». عندما يتم الوصول إلى اتفاق، يتوجب التصديق عليه من قبل المجلس التشريعي الفلسطيني أو من خلال استفتاء عام. الاستطلاعات الفلسطينية تُظهر بشكل دائم دعما قويا للسلام على أساس حل الدولتين. إذا فإن صفقة سلام يرتبها عباس ويوافق عليها الشعب الفلسطيني أمر ممكن حتى بوجود حماس في السلطة. سلام كهذا يتفاوض عليه فلسطيني معتدل وتوافق عليه الغالبية الصامتة له حظ كبير في البقاء. البديل، وهو توقيع صفقة سرية من دون دعم جماهيري، لا بقاء له ويمكن إفشاله بسهولة، كما رأينا في اتفاقات أوسلو.

معارضو السلام يجدون الكثير من المبررات لرؤية نصف الكأس الفارغة. رئيس الوزراء الفلسطيني مثلا ينتمي إلى حركة إسلامية لم تعلن بعد عن موقفها الاستراتيجي بعيد الأمد فيما يتعلق بـ «إسرائيل». هؤلاء الذين لا يهتمون بالسلام يبرزون رفض حماس الاعتراف بـ «إسرائيل».

ولكن مؤيدي حماس يذكّرون أن منظمة التحرير الفلسطينية استغرقت فترة ثلاثين عاما حتى اعترفت بـ «إسرائيل»، وأنه خلال الشهور الاثنى عشر الماضية قطعت حماس شوطا بعيدا بقبولها حدود العام 1967 كحدود للدولة الفلسطينية المستقبلية. كما أن التزام حماس بوقف إطلاق للنار في غزة فقط يظهر أنه يمكن الوثوق بها لتحقيق التزاماتها.

في حزيران العام 1967 احتلت «إسرائيل» أراضٍ فلسطينية وعربية. بعد أربعين عاما، وفي تحدٍ صارخ لقرارات الأمم المتحدة، ما زال الجيش الإسرائيلي يحتل الأراضي ويضطهد الشعب، وما زالت الحكومة تدعم بناء المستعمرات غير القانونية في المناطق الفلسطينية. بعد الاحتلال الإسرائيلي بقليل قال موشى ديان إن الإسرائيليين ينتظرون مكالمة هاتفية من زعيم عربي. بدلا من ذلك تعهد العرب بعدم الاعتراف بـ «إسرائيل» أو التفاوض معها أو عقد سلام معها. منذ ذلك الحين، عكس الفلسطينيون وغيرهم من العرب مواقفهم وعرضوا السلام والتفاوض والاعتراف مقابل الانسحاب الإسرائيلي إلى حدود العام 1967. آن الأوان لـ «إسرائيل» والمجتمع الدولي لأن يروا أن نصف الكأس مليئة. من خلال اختيار العمل من أجل السلام، يمكنهم ملؤها كاملة، أو أن يقفوا ليتفرجوا على ما تبقى بها من نقاط الأمل وهي تجف.

*صحافي فلسطيني ومدير معهد الإعلام الحديث بجامعة القدس في رام الله. والمقال ينشر بالتعاون مع خدمة «كومن غراوند» الإخبارية (CGNews)

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 1675 - السبت 07 أبريل 2007م الموافق 19 ربيع الاول 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً