كما هو معروف أن فئات ذوي الاحتياجات الخاصة إحدى فئات المجتمع، لهم ما لهم من الحقوق، والمفترض أن يكون لهم ما لهم من الامتيازات التي تتفق مع إمكاناتهم لا أن تهمل تلك الفئة، والجميع يرضى بذلك.
وبعيدا عن المبالغات أو تجاهل الخطوات الإيجابية التي حصلت في الآونة الأخيرة أو التي تعد من صلب أهداف بعض المؤسسات سواء التعليمية منها أو الاجتماعية، فالمتابع يرى أن هناك من دون أدنى شك اهتماما متزايدا ومتناميا لهذه الفئة من قبل وزارة التربية والتعليم ومن قبل وزارة التنمية الاجتماعية، وأن كلا المؤسستين يحملان أدوارا تكاملية لهذه الفئة، فـ «التربية» تحمل على عاتقها مسئولية التعليم بشكل أساسي والدعم المعنوي، و «التنمية» تحمل على عاتقها مسئولية التدريب والدعم المادي، ولكن إذا تعمقنا أكثر في الأدوار المناطة وحاولنا تلمس الجوانب التي تحتاج إلى تطوير لوجدناها جدا ضرورية، لا يمكن نكرانها، وبالتالي هناك فئة بحاجة ماسة الى مد يد العون لها ومساعدتها.
فـ «التربية» لديها ما لديها من المشروعات المهمة الموجهة لخدمة ذوي الاحتياجات الخاصة وتنظر لهم نظرة مساوية للفئات الأخرى، فهناك مشروع دمج الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في المدارس والأطفال ذوي صعوبات التعلم، ولكن ما يؤخذ عليه بأنه فقط يخدم تلاميذ المرحلة الابتدائية، أي أنه لا يمتد ليشمل المرحلتين الأخيرتين (الإعدادية والثانوية) وكأنما الحالة لا تكون ملازمة إلا فقط طلاب المرحلة الابتدائية وما أن يرحلوا إلى المراحل الأخرى فإنهم يتعافون، وبالتالي فإن فترة محدودة توفرها «التربية» لهؤلاء الأطفال، على أساس أنهم بعد ذلك يتم تحويلهم الى مراكز التأهيل لتدريبهم ويكونون ضمن مسئولية وزارة «التنمية»، هنا يأتي الخلل الكبير الذي لا يمكن ترقيعه بأي حال من الأحوال لأسباب عدة سأستعرضها في مقالي هذا لتبيانها أولا ولوضع النقاط على الحروف ثانيا رغبة منّا في إيجاد حلول مناسبة لهذه الفئة التي ننظر إليها بعين الشفقة وتحتاج منّا إلى مساعدة.
أولا: وزارة التربية والتعليم من أهم أهدافها توفير التعليم لجميع فئات المجتمع في جميع المراحل التعليمية، على رغم ذلك نجدها تقصر في توفير هذه الخدمة لفئة ذوي الاحتياجات الخاصة إذ تقدم لهم تعليما يشمل فقط المرحلة الابتدائية ولا يتعدى ذلك، في السابق كان الأمر ضمن مهمات مجموعة التربية الخاصة التابعة لإدارة التعليم الابتدائي، لذلك كان من الطبيعي أن يقدم تلك الخدمة للمرحلة الابتدائية لا تلام المجموعة بذلك فهي كما يبدو تسير وفق أنظمة الوزارة وتلام الوزارة لكونها لم تنظر إلى الموضوع بعين واسعة وكانت حينئذ النظرة ضيقة قد يكون السبب عدم وضوح الموضوع ولانعدام وجود رؤية، ولكن أعتقد بأنه الآن حان الأوان وخصوصا مع توافر إدارة خاصة للتربية الخاصة، لتعميم الخدمة إلى جميع المراحل لذوي الاحتياجات الخاصة.
لا ننسى أن هناك فئة كبيرة من أولياء الأمور ومن بينهم المتعلمون والمثقفون لا يرضون الاعتراف بإعاقات أبنائهم أو نعتهم بأنهم من ذوي الاحتياجات الخاصة، لأنهم ببساطة يعرفون أن أبناءهم لن تتاح لهم فرصة التعلم حالهم حال الأطفال الأسوياء، فسرعان ما تتنصل عنهم وزارة «التربية» ويوضعون في نظام معقد أسمه قوائم الانتظار لدى وزارة «التنمية»، والله وحده الذي يعلم كم يبلغ سن الطفل حينها لكي يجد له مكانا في مراكز التأهيل لكي يتأهل لينخرط في المجتمع.
ثانيا: وزارة «التنمية» والتي تحمل على عاتقها مهمة تدريب ذوي الاحتياجات الخاصة بعد إكمالهم المرحلة الابتدائية بغرض تزويدهم بالمهارات اللازمة، لا أبالغ إذا قلت إن المراكز التأهيلية اسم على غير مسمى، إذ إنها هي الأخرى تحتاج إلى تأهيل قبل غيرها أولا وتوفير خدمات التأهيل للمتدربين ثانيا، فهي جدا متواضعة، ولا تفي بالغرض، كما انها لا يمكنها استيعاب أعداد كبيرة علاوة على أن المهارات التي تدعي الوزارة تقديمها للمتدربين جد عادية لا يعول عليها إذ لا يمكن بعدها المتدرب أن يحصل على وظيفة نتيجة المهارات والخبرات التي يحصل عليها طوال وجوده في المركز التأهيلي.
ثالثا: الحكومة تلام في ذلك، ففئة ذوي الاحتياجات الخاصة كبيرة جدا وتعد إحدى الفئات المجتمع، على رغم ذلك فإن المؤسسات الحكومية التي تعنى بهم قليلة جدا ولا تستوعب أعدادا كبيرة، وبالتالي من يتحمل مسئولية هؤلاء تبقى الأسرة وليست الحكومة وكما هو معروف فإن المؤسسات الخاصة التي تقدم لهم خدمات مكلفة جدا، والبعض يضطر إلى أخذ أبنائه إلى الخارج لتوفير ما يحتاج إليه من تعليم وتدريب وعناية واهتمام، وبالتالي ليس في وسع الجميع الاستفادة مما تقدمه إليهم.
وزارة التنمية الاجتماعية تتعذر دائما بضعف الموازنة، وبدورنا نؤكد على أهمية زيادة الإنفاق الحكومي لهذا البند تحديدا والعمل على دعم ذوي الاحتياجات الخاصة ماديّا لهم ولأسرهم، والعمل على فتح المزيد من المؤسسات التي تعنى بهم، وتقليل مدد الانتظار على قوائم الانتظار.
رابعا: مؤسسات المجتمع المدني المهتمة بالأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة أيضا لا تمثل قوة أو صوتا لهم، لأسباب عدة، ربما على رأسها قلة نشاطاتهم ونوعية نشاطاتهم غير مفيدة، لأنها لا تتحرك على الأرض ولا تتجاوز جدران قاعات الاجتماعات التي يجتمعون فيها، كما أن غالبية الأعضاء الإداريين يمثلون أقارب لبعض هؤلاء الأطفال لدى الجهات الرسمية، إذ لا يمثل ذلك صدقية كبيرة ويحسب تحركهم كونهم يتحركون وفق مصالح شخصية.
شخصيا، لا أرى عيبا في ذلك أبدا، فمن حقهم أصلا أن يطالبوا ويدافعوا عن حقوق أبنائهم مهما كان نوعهم أسوياء طبيعيين أو ذوي الاحتياجات الخاصة، كما أنه لا يحك جسمك إلا ظفرك، وكثيرا ما نحاول أن ننصح الكثير من الحركات والتحركات من خلال دفع المتضررين لإضفاء الحال الطبيعية لأجواء التحرك والمطالبات لا العكس، وعلى العكس نجد أن صدقيته أكبر بكثير مما لو كان هناك تحرك من قبل أناس لا علاقة لهم بذوي الاحتياجات الخاصة فكيف سيكون شكله، وعلى أي أساس ينطلق؟ تحدثت مع أكثر من واحدة من أمهات ذوي الاحتياجات الخاصة وذكرن أن تحركهن يؤخذ عليه، ويسمعن تعليقات مزعجة تضايقه لكونهن يتحركن على قضايا تمس أبناءهن تحت مظلة الجمعيات التي ينتمين إليها، لا أرى مبررا قويا لذلك، بل أجده مصدر قوة، وعليه يجب أن يكون التحرك أقوى لأنه نابع من الداخل والأعماق ولا شيء مصطنع فيه.
خامسا: المؤسسات الحقوقية: الملاحظ أن الجمعيات الحقوقية قد ركزت في برامجها ونشاطاتها على الهم السياسي أكثر من اللازم وأهملت الجانبين الاجتماعي والصحي وغيرهما من أبعاد لا تقل أهمية عن البعد السياسي، ومن هذا المنطلق كان لابد أن تضع في أجندتها الخاصة المطالبة بحقوق فئة ذوي الاحتياجات الخاصة وألا تشغلنا الحياة السياسية ودوامتها التي لا تنتهي فننشغل عن حقوق أناس هم بأمس الحاجة إلينا وإلى تحركاتنا، وليكن لهم النصيب الموفور من نشاطاتنا، كبقية الدول الأخرى التي تجاورنا. الجمعيات الحقوقية تضع في اعتبارها أهمية زيارة السجون وكتابة تقارير مفصلة عن أوضاع السجناء، وعليها أن تزور مراكز تأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة وكتابة تقارير أخرى تفيد بهذا الخصوص.
بقي أن نؤكد في النهاية أن مسئولية الاهتمام بفئة ذوي الاحتياجات الخاصة مسئولية مجتمعية مشتركة، لا تتحملها فقط المؤسسات الرسمية، فالمؤسسات الأهلية تكمل ما تغفله المؤسسات الرسمية، أساسا وجودها من أجل العمل التكاملي لا من أجل زيادة أعدادها من دون حراك حقيقي، فالجميع مطالب بأن ينشط من أجل توفير السبل اللازمة لحمايتهم وتوفير الخدمات اللازمة لهم حالهم حال المواطن السوي، علينا أن نصحو من غفلتنا وأن نعطي الموضوع حقه الطبيعي من الاهتمام والقبول. وللحديث بقية.
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 1674 - الجمعة 06 أبريل 2007م الموافق 18 ربيع الاول 1428هـ