ورد التعقيب الآتي على مقال «المباركة العلوية... مظلومة» للزميل علي الشرقي، الذي نشرناه الاسبوع الماضي:
الأستاذ الفاضل والمربي القدير الوفي علي الشرقي المحترم
قرأت مقالك المعنون «المباركة العلوية... مظلومة» المنشور في الصفحة الثالثة عشرة من صحيفة «الوسط» الصادر في يوم الجمعة 23 مارس/ آذار 2007 الموافق الرابع من ربيع الأول 1428هـ فتذكرت أيام الصبا وراجعت زمن الطفولة و مرتع الشباب، وقلت أكثر من مرة ليت الشباب يعود يوما، ليت يعود بعض كتاب التاريخ إلى رشدهم، ويبحثون عن الحقيقة، ويخرجون من حجرات الظلمة إلى فضاء النور، ولا يحاولون أن يغلقوا على أنفسهم منافذ المعرفة ولا أن يتسابقوا إلى وصد أبواب الحق ويتركوا طالب الحقيقة يتيه، فيجتهدون في تلوين التاريخ بألوان قوس قوس قزح ويحفظونه في بيت العنكبوت.
المدرسة العلوية ليست ملكا خاصا ولا إرثا عشائريا، المدرسة العلوية شمس المعرفة، وما أصابها من كسوف - وأعني به الضياع والنسيان - فقد أضرّ بصدقية الأمانة التاريخية، وصدقية بعض كتاب تاريخ البحرين، فإنه تاريخ الإنسانية والعروبة والإسلام والوطن، فيجب أن يكون خاليا من كل الملوثات، نظيفا من كل الشوائب والآفات، يجب أن يكون حصنا محصنا وأن يبقى ويدوم سليما معافى لا فرق بين ترابه ومائه وهوائه، والمواطن يجب أن يشعر بأنه محترم في عقيدته وفكره، محافظا على تراثه وآثاره وأماكن عبادته ومقدساته.
المدرسة العلوية ما هي إلا لبنة واحدة من إرث قديم عريق، وما البلاد القديم إلا قاعدة تلك التراث الذي يجب المحافظة عليه، فالبلاد القديم هي إحدى مدن جزيرة البحرين وهي مقر حكامها في زمن الجاهلية وفي عهد رسول الله (ص) وفي زمن خلافه صحابته رضوان الله عليهم حتى آخر حاكم لجزيرة البحرين وهو الشيخ محمد آل ماجد البلادي.
البلاد القديم مظلومة حيث هي الآن تعاني من الإهمال وأهلها عُدّوا غرباء عنها وهم الآن يسمون بأسماء دخيلة ليس لها من سند تاريخي. وقد جاء في الحديث الشريف: «الولد للفراش وللعاهر الحجر» (متفق عليه)... على أننا أهل البلاد القديم خصوصا والغيورون على صفاء ونقاء تاريخ بلادهم (البحرين) أصبحوا محاصرين ومحاطين بسياج من كتابات بعيدة كل البعد من إثبات الحقيقة، فالإعلام من صحافة وقراءة وكتابة كثيرا ما تخلط الغث بالسمين والأسود بالأبيض وتشوه الحقيقة بالبطال، فصار التاريخ عند الكثير من المحللين والكتاب ليس إلا ورق وأقلام وكتب، فاكتب ما شئت كيفما شئت، فالمشهد ذو المنارتين (مسجد الخميس) وهو أول مسجد بني خارج الجزيرة العربية (المملكة العربية السعودية) والذي أصبح الآن يعرف بمسجد الخميس، هل يصح أنه بني في أواخر القرن الأول الهجري، أي في عهد عبدالملك بن مروان أو في عهد عمر بن عبدالعزيز بن عبدالملك بن مروان الذي تولى الخلافة في سنة 99 هجرية ومات في سنة 101 هجرية، بينما جامع البصرة بناه عتبة بن غزوان وبأمر من الخليفة عمر بن الخطاب (رض) وذلك في السنة الخامسة عشرة هجرية، وان مسجد الخليفة عمر (رض) في القدس في أرض فلسطين قد بني وبأمر منه أيضا في سنة 16 أو 17 هجرية، فإذا كان المسجد الرفيع (جمالة) في البلاد القديم وهو ثاني مسجد بني بعد المشهد (مسجد الخميس)، فهل يعقل أن يقال إنه بني سنة 882هـ الموافق 1482 ميلادية؟
المشهد ذو المنارتين أصبح الآن خارج حدود البلاد القديم وكذلك مقبرة أبي العنبر (عمرو بن تميم) «1»، «2»، أما مسجد المقبرة نفسها فإنه قد بني تزامنا مع إنشاء المقبرة وكذلك مسجد الشيخ راشد ومقبرته المحاذية لمقبرة أبي العنبر (أبوعنبرة) كلمة مصحفة.
أما أضرحة العلماء والمراجع العظام والتي كانت تحيط بالمشهد وتعد من أنفس الآثار وأعظم المخطوطات فلا وجود لها ولا أثر. أما الفريق الغربي من البلاد القديم (الميلغة سابقا) فقد أصبح الآن يسمى بقرية الخميس.
إن هذا الجزء من البلاد القديم هو بمثابة شمعة مضيئة يهتدي بعلم علمائها الأعلام طالب كل ضالة وناشد كل علم ومعرفة، فقد اقتطع من البلاد القديم.
البلاد القديم مظلومة، وما أكبر مظلوميتها وما أكثر ظالميها من أهلها قبل غيرهم، فإنها أصبحت خاوية على عروشها كأنما أهلها قد هجروها، فليس لها نصيب من إسكان ولا رعاية صحية ولا مدارس ثانوية ولا إضاءة طرقات ولا تبليط شوارع، أما الصرف الصحي فمتعثر وناقص... حتى مركزها الصحي فالطريق المؤدي إليه تجده مظلما وكذلك عيادة الأسنان فإنها أشبه بغرفة تبديل ملابس وهي معلقة في الطابق الأول كأنها قد خصصت للأصحاء وليس للعجزة والعجائز فيها نصيب.
ولو ألقيت نظرة على المنطقة المواجهة إلى نخل أبناء الحاج حبيبي بن موسى لرأيت بحيرة كبيرة مليئة بالحشائش الضارة وبالأوساخ والملوثات والمخلّفات الحشرات... فهذا قليل من كثير من مظلومية البلاد القديم.
1. المصدر التميز والفصل والخط والنقط لابن باطيش.
2. العنبر بن يربوع بن حنظلة، مختصر جمهرة النسب لياقوت الحموي.
إقرأ أيضا لـ "عبدالله السعيد"العدد 1673 - الخميس 05 أبريل 2007م الموافق 17 ربيع الاول 1428هـ