العدد 1671 - الثلثاء 03 أبريل 2007م الموافق 15 ربيع الاول 1428هـ

عمّان... عاصمة تجدد شبابها!

محمد حسن العرادي comments [at] alwasatnews.com

بدأت علاقتي بالعاصمة الأردنية (عمّان) في فبراير/ شباط العام 1981 تحديدا. حينها كنت رئيسا لفرع الاتحاد الوطني لطلبة البحرين في القاهرة، وكنا على موعد مع المؤتمر العام الرابع للاتحاد الذي كانت تستضيفه العاصمة السورية (دمشق)، ولكن خطوط الطيران العربية المباشرة بين القاهرة ودمشق كانت متوقفة؛ بسبب تعليق عضوية مصر في الجامعة العربية؛ ومقاطعتها من قِبل ما كان يُعرف بـ «دول الصمود والتصدي» ومن بينها سورية.

وصلنا إلى عمّان قادمين من القاهرة على الخطوط المصرية في تمام الساعة الثانية فجرا، وكانت درجة الحرارة في عمّان 7 درجات مئوية، وحين حطت بنا الطائرة ودلفنا إلى المطار أنهى موظف الجوازات إجراءات دخولي بسرعة، ولكن إجراءات زميلي ذي اللحية الشقراء الكثيفة كانت معقدة، فحين وصل إلى موظف الجوازات بدا أنه غير مرحّب به في الأردن بل موضع شبهة، فقد كانت الحرب العراقية الإيرانية على أشدها، ويبدو أن الموظف شك في أن تكون لزميلي جذورٌ إيرانيةٌ!

تم إيقاف زميلي وحجز جواز سفره وطُلِبَ منه الانتظار، فما كان مني إلا العودة إلى ضابط الجوازات مستفسرا عن الموضوع باعتبار أننا جئنا معا ولا يمكن أن أتركه، فكان السؤال الطبيعي: هل أنت معه؟ وعندما أجبت بـ «نعم»... سحب جواز سفري أيضا وطلب منا مراجعة مبنى المخابرات العامة في اليوم التالي.

صبيحة اليوم التالي وصلنا إلى مبنى المخابرات العامة في الموعد المحدد، وما لبث أن بدأ التحقيق مع كل واحد منا على حدة، وكانت الأسئلة تتركز في جوهرها على سبب زيارة الأردن؟ وعلاقتنا بالاتحاد الوطني لطلبة البحرين فرع القاهرة؟

بعد أن انتهى التحقيق معنا، كان القرار هو أن يحلق زميلنا ذو اللحية الشقراء ذقنه حتى لا يتسبب بإثارة الشبهة من جديد فنتعرض للتوقيف مرة أخرى، وخصوصا بعد أن اكتمل وصول الوفد إلى العاصمة عمّان في طائرة تالية، غادرنا من طريق البر إلى دمشق، ولكن ذكريات تلك الرحلة صارت محفورة في الذاكرة، تخرج إلى السطح كلما عدت إلى عمّان.

ولكن عمّان اليوم أصبحت مختلفة اختلافا كليا عن تلك التي تعرفت إليها لليلة واحدة في مطلع عقد الثمانينات، وأصبحت إحدى المحطات المحببة إلى نفسي، يهفو إليها الفؤاد كلما تأخر الوصال معها عدة شهور!

في الفترة من 24 إلى 30 مارس/ آذار الماضي زرت عمّان بمعية وفد المجالس البلدية البحرينية الذي أنجز زيارة استطلاعية رائعة لثلاثة من المجالس البلدية في المملكة الأردنية الهاشمية هي: أمانة عمّان الكبرى، بلدية الزرقاء الكبرى وبلدية السلط الكبرى. وكانت عمّان أكثر جمالا وشبابا من أية مرة سابقة!

هذه المدينة - التي يقطن فيها أكثر من مليونين من المواطنين - لا تنام، فالحركة التجارية تنساب بها بكل سلاسة ويسر، أي قادم لزيارتها يشعر باطمئنان وأمان كبيرين، وخصوصا عندما يرى أن الأجهزة الأمنية تتعامل مع الجميع بدرجة عالية من الحزم والمسئولية... وسرعان ما يتجسد لدى الزائر شعور واضح يعبّر عن حرص الجهات المعنية على سلامته وعلى أمنه.

بدأت الزيارة بحفل استقبال صغير أقمناه على شرف الوفد في الفندق، حضرته عدد من الشخصيات الأردنية التي سنقوم بزيارتها، وكان حضور مسئولي السفارة البحرينية في عمّان لافتا. زرنا في اليوم التالي أمانة عمّان الكبرى، وشاهدنا فيلما وثائقيا بعنوان «حكاية عمّانية»، وهو شريط تاريخي يختصر مراحلَ من الزمن والحوادث التي ساهمت في رسم معالم مدينة عمّان، حتى أصبحت اليوم واحدة من أجمل العواصم العربية وأكثرها انشراحا.

ويبدو أن الجهات المسئولة في الأردن قد اتخذت قراراتٍ جريئة نحو تحديث مدينة عمّان، وتهيئتها لاستقطاب المزيد من الاستثمارات العربية والعالمية؛ لذلك شاهدنا المشروعات العمرانية الجديدة تخترق سكون أحياء العاصمة وتزيد من طاقتها الاستيعابية. سرتنا طرق وشوارع مرصوفة بعناية لم نألفها من قبل فوجدناها أكثر اتساعا وتنظيما.

الأسواق هي الأخرى زادت عددا وعدة، ودخل على الخط ذلك النوع من المجمعات التجارية الكبيرة التي تشدك إليها، فتجدها تجمع بين الحداثة والتنوع، وبين القدرة على توفير جو من الألفة والمحبة ومساحات اللقاء والبهجة للمواطنين والزوار على حد سواء.

فنادق عمّان هي الأخرى شهدت قفزة هائلة في مستوياتها وفي فخامتها وفي الخدمات التي تقدمها، وفي قدرتها على توفير التسهيلات الكبيرة والمتميزة التي تمتلكها والتي تجعلها مهيأة لاستضافة أكبر المؤتمرات والفعاليات والبرامج المختلفة.

لقد جددت العاصمة الأردنية (عمّان) شبابها، وصارت واحدة من المدن التي تستطيع أن توفر خياراتٍ متعددة لفئات مختلفة من الرواد والزائرين، سواءٌ أكانوا أصحاب أعمال، طلبة، متسوقين أم كانوا من الراغبين في الحصول على خدمات علاجية متميزة أو جاءوا بهدف السياحة والاستجمام.

إنه لشعور جميل أن تتلمس هذا التطور في مدينة عربية تعرضت لضغوط كبيرة من السكان والزائرين، ولكنها تمكنت من تطوير خدماتها وقدرتها الاستيعابية واحتضنتهم سريعا، فهذه المدينة استقبلت عددا كبيرا من المواطنين والأشقاء الفلسطينيين الذين عادوا إليها بعد حرب الخليج الثانية، ثم استقبلت أعدادا هائلة من المُهَجَّرِين العراقيين بعد أن احتُلَّ العراق وفقد أمنه.

ولكنها عمّان... مدينة عربية تستحق الإشادة، وتستحق أن تكون قبلة للاستثمار من قِبل المستثمرين العرب الذين سيجدون فرصا استثمارية وصناعية رائعة، ليس في عمّان وحدها بل في الكثير من المدن الأردنية التي تتيح المجال واسعا للمستثمرين العرب لاستملاك الأراضي والعقارات والمشروعات الاستثمارية والتجارية.

لقد خلقت الزيارة الأخيرة للأردن انطباعا إيجابيا، وشعورا جميلا امتزج بكثير من الحب تجاه هذا البلد العربي الذي يتمتع بكرم الضيافة وحسن المعشر، والذي لم يبخل علينا بتقديم خبراته في مجال العمل البلدي. وبكل تأكيد إنه لن يبخل ولن يتردد في تقديم خبراته الأخرى إلى إخوته العرب في المجالات الأخرى.

ومن دون شك، إن الشريط الذي سيعود إلى واجهة الحوادث عندما أزور الأردن مرة أخرى، سيكون دائما هذا الوجه الجميل والمشرق، والابتسامة التي قوبلنا بها أثناء زيارتنا بمعية الوفد البلدي.

لقد كانت زيارة ناجحة بكل المقاييس، ساهمت في رسم صورة جديدة للأردن في نظري وفي نظر أعضاء الوفد البلدي، وكان للأخوان الذي قابلناهم - والذين تعاونوا معنا في إنجاز هذه الزيارة ولاسيما الصديق حسين عبدالرحمن الحجاوي - الفضل الكبير في صوغ هذا الانطباع الرائع. فلهم منا جميعا كل الشكر والمحبة.

إقرأ أيضا لـ "محمد حسن العرادي"

العدد 1671 - الثلثاء 03 أبريل 2007م الموافق 15 ربيع الاول 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً