كعادة أهل البحرين في اغتنام فرصة الإجازات (إجازة المولد النبوي)، وشبكها بإجازة نهاية الأسبوع، والخروج قبلهما يوم إجازة، عندها يكون مجموع الإجازة هو أربعة أيام بلياليها. قررنا والعائلة قضاء زهاء الثلاثة أيام في دولة الكويت الشقيقة، وأن يكون السفر عن طريق البر (السيارات الخاصة).
ذهبت في صباح اليوم الثاني من الوصول لدولة الكويت إلى محل تشحيم وغسيل السيارات. ويا ليتني لم أذهب! فقد فُجعت فيما رأيت، وهذه دنيا العرب، فالأيام دائرة عليهم!
أوقفت السيارة أمام المحل، وإذا بالأخ يسألني: أغير لك الزيت مع «الفلتر»، فقلت له: هل أنت عربي؟ أجاب نعم. زاد استغرابي فأردفت: ومن أين أنت يا أخ العرب؟ قال: من الأهواز. طرقت برهة، وقلت في نفسي: جئت إلى الكويت هربا من السياسة، وها أنا أجد السياسة تلاحقني حتى عند تغيير زيت السيارة! ولكن فرصة اللقاء بأحد الأخوة العرب لا أفوتها أبدا. وسأرمز لاسمه بـ»أخ العرب» ولن أزيد... خوفا من أن يتعرض للأذى.
قاطع «أخ العرب» صمتي غير المنطقي بالنسبة له، وسألني هل تعرف الأهواز؟ وكأنه أعادني مرة أخرى إلى الصمت بدلا من الحديث. فقلت في نفسي: ستكون فرصة مناسبة جدا أن استعرض عضلاتي الذهنية وأسرد التاريخ والجغرافيا والموارد والطبيعة الديموغرافية عن الأهواز. فقلت له: نعم أعرفها، هي الأحواز والأهواز وعربستان وخوزستان، والاسم الأخير، أطلقه عليه رضا شاه (والد الشاه محمد رضا البهلوي)، المعروف بشوفينيته وتعصبه ضد كل ما يمت إلى العرب بصلة. وها هي تؤكد (السلطة الحالية) تمسكها بهذه التسمية للإقليم، على ذات النزعة البهلوية. علما بأنها (السلطة الحالية) أعادت الأسماء الأصلية للأقاليم والمدن والقرى التي غيرتها السلالة البهلوية؛ ووحدها بقيت المدن والقرى العربية، وإقليم الأهواز على اسمه المزور (خوزستان)، ومدن وقرى (المحمرة والخفاجية والفلاحية أيضا). ويعزي البعض - وكاتب السطور منهم- ذلك إلى النزعة الشوفينية الفارسية المتخفية خلف قناع الإسلام.
وقلت مواصلا حديثي مع «أخ العرب»: أعلم بأن الإقليم ذو تاريخ حافل بالصراعات، خصوصا من قبل محاولات متكررة من الفرس لفرض سيطرتهم عليه وتارة أخرى محاولات من العثمانيين، إلا أن الثابت هو اندلاع الثورات بشكل مستمر في تاريخ الإقليم في وجه المستمعر الأجنبي. ففي العام 1509م قام الشاه إسماعيل الصفوي -عليه من الله ما يستحق- باحتلال الحويزة عاصمة المشعشعيين الذين حكموا لفترة طويلة، إلا أن الثورة في نهاية الأمر أجبرته على الاعتراف بالحكم المشعشعي على الإقليم. وكذلك هزم الجيش المشعشعي القوات العثمانية وبسط كامل سيطرته على الإقليم في العام 1541م.
أما الانتصار العسكري الذي ليس له مثيل في المنطقة، ويفخر به عرب الإقليم ما جرى في العام 1765م من هزيمة نكراء للتحالف الإيراني العثماني البريطاني (شركة الهند الشرقية)، على يد قوات عربية بقيادة الأمير سلمان بن سلطان الكعبي. ولكي لا أطيل على «أخ العرب» عاجلته بقصة الشيخ مزعل وأخيه الشيخ خزعل ودهاء الشاه وغدره بالأخير في العام 1925م.
أما الثروة النفطية الإيرانية فإن إقليم عربستان يصدر 90 % منها، في حين لا ينال عربها إلا الخراب والدمار إبان الحرب العراقية- الإيرانية. وبعد الحرب تمت مصادرة أراض كبيرة، وتهجير أهلها بحجج إقامة مشروعات زراعية (وهمية)، وتحويل مجاري الأنهار إلى مزارع الفستق!
تنهد «أخ العرب» وقال: آه، آه... يكفي، وخلينا بعيد عن السجن وأهواله. فقلت له: نعم الإحالة إلى محاكمات صورية هو شيء يحدث بشكل منهجي. وقد يعتبرونك متمردا، والتهمة الجاهزة هي: «محاربة الله».
أخيرا، التفت محدثا نفسي قائلا لها: إنني لست في «مجلس شويطر» أو في جمعية أو حاضرا لندوة سياسية لألقي محاضرة أو أشارك بمداخلة، أنا هنا في «الكويت» لأبتعد عن السياسة قليلا، والأدهى من ذلك أنا في محل لتغيير الزيت! فنظرت إلى «أخ العرب» قائلا: أرجو تغيير زيت المحرك و»الدفريشن والفلتر والبلاكات» وجميع ما تطاله يديك! وإن استطعت، فأنني أرهن إليك ما تحت فروة رأسي، على أن تعيده إليَ حال عودتي إلى البحرين!
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 1671 - الثلثاء 03 أبريل 2007م الموافق 15 ربيع الاول 1428هـ