إن الاتحاد العام لعمال البحرين يؤمن بضرورة انطلاقة الاقتصاد الوطني في مختلف قطاعاته، إذ يحتاج ذلك إلى تضافر الجهود الرسمية والأهلية كافة، وإيجاد استراتيجية واضحة المعالم يشترك في صوغها مختلف المستويات والقطاعات كلٌّ في مجاله. والعمال هم أحد أطراف الإنتاج الثلاثة إلى جانب الحكومة والقطاع الخاص، ودورهم مفصلي وحاسم في عملية التنمية المستدامة وبالتالي فإن الحوار والمفاوضة بين أطراف الإنتاج الثلاثة بتوازن وتوازٍ يشكل إحدى الشروط الأساسية في انطلاقة الاقتصاد الوطني وتحقيق الأهداف المرسومة له في خلق المزيد من الرفاهية والازدهار والولوج في الاقتصاد العالمي بقوة ومتانة.
شكل قانون النقابات العمالية الصادر في الرابع والعشرين من سبتمبر/ أيلول الماضي مرتكزا مهما لتنظيم القطاع العمالي بالشروط الضرورية التي يتطلبها هذا القطاع. فالنقابات العمالية تعتبر عنصر قوة للاقتصاد الوطني وللتنمية البشرية.
هذه النقابات التي قطعت الشوط الأكبر في التشكل تؤمن بضرورة تحقيق أعلى معدلات الإنتاج والكفاءة في العمل، باعتبار ذلك نقطة انطلاق لتحقيق التقدم المطلوب لتنفيذ الأهداف المشروعة للحركة العمالية البحرينية والمتمثلة في تحسين شروط العمل، وتقاضي أجور متواكبة مع متطلبات المعيشة وبما يرفع من مستوى الحياة المعيشية للعمال.
إن هذا الفهم العمالي لدور النقابات العمالية في البلاد، يجب أن يقابله ويرفده تفهم من قبل طرفي الإنتاج الآخرين: الحكومة والقطاع الخاص إضافة إلى مؤسسات المجتمع المدني التي تشكل النقابات عمودها الفقري ومرتكزها الأساسي. من هنا نرى ضرورة تفكيك المشهد الحالي للواقع الاقتصادي وإعادة صوغ عناصره وفقا للأولويات التي يتطلبها إقلاع الاقتصاد وتحقيق معدلات أكثر من النمو الاقتصادي. وإذ أننا في هذه الندوة المهمة سنتحاور بشأن تنظيم سوق العمل، فإن مرئيات التنظيم العمالي تتركز في ضرورة إيجاد قاعدة معلومات صحيحة عن سوق العمل وعناصره، للوقوف أمام واقع هذ السوق ومعطياتها المتعددة، الإيجابية منها والسلبية. فسوق العمل في الوقت الراهن تعاني من عدم وجود استراتيجية عمالية قادرة على القيام بعمل الرافعة الضرورية لانتشال هذه السوق من حيث تضاؤل المعرفة الحقيقية باحتياجات السوق للقوى العاملة وتخصصاتها، وبالتالي تمت عملية إغراق السوق بعمالة أجنبية أمية وشبه أمية غير ماهرة تتدرب في مختلف المؤسسات الوطنية وتلتقط فرص العمل الجديدة التي يفترض أن تعرض على العمالة المواطنة، كما يتطلب التعرف على الفائض الموجود في سوق العمل من العمالة الأجنبية ونسبة البطالة في صفوفها، وحجم عمالة التأشيرات الحرة (فري فيزا) والحقول التي تعمل المؤسسات على استقدامها، وفي السياق ذاته نرى ضرورة في قراءة واقع الأجور، فالخط العام لها لا يتواكب مع متطلبات مستويات المعيشة في البلاد، إذ تشير بعض التصريحات الرسمية إلى أكثر من 90 في المئة مما يعرضه القطاع الخاص من وظائف تقل أجورها عن 150 دينارا، وهذه مستويات لا يمكن القبول بها في ضوء بعض الدراسات التي أكدت أن الحد الأدنى للأجر بالنسبة إلى الأسرة البحرينية يجب ألا يقل عن 310 دنانير. وحين تتأكد أن مساهمة المرأة في القوى العاملة لا تزيد على 25 في المئة، من قوة العمل المحلية، ندرك مدى الصعوبة التي تواجه المواطن في قضية الاستقرار في العمل أو القبول فيه حتى!
إننا ندرك أيضا أن تدفق العمالة الأجنبية غير المدروس وضعف الأجور ناهيك عن مخرجات التعليم، أدت كلها إلى تشكل بطالة سافرة تحوم حول 15 في المئة، وهي نسبة عالية جدا في بلد تشكل فيه العمالة الأجنبية نسبة تزيد على 62 في المئة من إجمالي العمالة.
إن تنظيم سوق العمل يحتاج إلى شفافية، وإفصاح عن المعطيات، ودراسة مستفيضة غير مسبقة الاستنتاج، لكي نتمكن من الخروج بنتائج علمية تحاكي الواقع ومعطياته
العدد 167 - الأربعاء 19 فبراير 2003م الموافق 17 ذي الحجة 1423هـ