العدد 167 - الأربعاء 19 فبراير 2003م الموافق 17 ذي الحجة 1423هـ

أميركا تنفذ المخططات الإسرائيلية وفي أمواجها ستموت!

محمد جابر الصباح comments [at] alwasatnews.com

إنه قد صار واضحا وضوحا بينا أن الحشود العسكرية التي تدفع بها أميركا الى منطقة الخليج من جهة، وما تنوي ان تدفع به بريطانيا من جهة ثانية، وليس بمستبعد، إن لم يكن من الثابت والمفروغ منه، ان تكون «إسرائيل» هي الأخرى تدفع بقواتها من وراء ستار، في جملة الحشد الأميركي بموجب الشراكة الاستراتيجية بينهما، وخصوصا ان «إسرائيل» هي الجهة المتطلعة تاريخيا، والمخططة لاختراق الخليج وبسط هيمنتها على عموم العالم العربي، في إطار الاستراتيجية الإسرائيلية الصهيونية التي أعلنتها في الثمانينات وتناقلتها بعض الصحف العربية، وما تهدف إليه هذه الاستراتيجية من تقسيم لبنان إلى خمس دويلات، وتمزيق العالم العربي، و«عزل مصر»، الذي تم في عهد الرئيس محمد أنور السادات - سامحه الله - من خلال خروجه على الإجماع العربي وانفراده بالصلح مع «إسرائيل».

وهذه المسألة إحدى أهم الأولويات الأساسية في الاستراتيجية الإسرائيلية في الثمانينات والتي سخّر في سبيل بلوغها وزير خارجية أميركا «هنري كيسينجر» أقصى قدراته الدبلوماسية، والتي يشهد العالم العربي اليوم تطبيقها حاليا من قبل أميركا وبريطانيا بدءا بفرض منطقتي الحظر على السلطة العراقية في (الشمال الكردي والجنوب الشيعي). للاطلاع على نص الوثيقة المتعلقة بهذه الاستراتيجية، راجع مجلة «النهضة» الكويتية، العدد 793-15 يناير/كانون الثاني 1983. هذا فيما يختص بتمزيق العالم العربي، وكذلك الاستراتيجية الإسرائيلية الأخرى ، التي تحدث عنها في إطار إقامة «إسرائيل الكبرى» من الفرات الى النيل، كبار جنرالات «إسرائيل»، بعد غزو لبنان العام 1982 من «ان الطريق الى الخليج بعد غزو لبنان بات مفتوحا أمامنا» كما أكد وزير حرب العدو ارييل شارون ان استراتيجية «إسرائيل» تشمل منطقة الخليج العربي والمحيط الهندي بدءا من البحر المتوسط مرورا بالبحر الأحمر، (راجع «الخليج» الشارقية، العدد 1364 - 4 يناير 1983).

ان هذه التصريحات ما كانت للاستهلاك المحلي كما هو الحال عندنا في عالمنا العربي، ولكنها التعبير الحقيقي للتطلعات الصهيونية في بسط نفوذهم ومد سيطرتهم على عموم المنطقة العربية والهيمنة على منابع النفط تمهيدا للتحكم في مصير العالم؟

وفي هذا الإطار لا يمكن استبعاد أطراف غلبت عليهم شقوتهم يعملون من وراء ستار في ظل تكتيكات مراوغة، وعبودية مدفوعة الثمن، تحت واجهة دبلوماسية المراوغين المتلونين كالحرباء، والاتباع المخادعين، أولئك الذين يغلفون وجوههم ببرقع المبدأ الصهيوني، الذي ينص عليه البروتوكول الأول، تحت عنوان فرعي«3- فصل السياسة عن الأخلاق» إذ ينص على: «ان الرجل السياسي هو الذي لا تتفق أقواله مع أفعاله».

وتأسيسا على ذلك، فإن وقفة هادئة متأنية في إطار التحليل المنطقي والاستعراض الواقعي، والجدل العقلاني في ضوء ما سلف استعراضه كفيل بأن يوصل أي باحث نزيه، ومراقب محايد شريف ذي توجهات هادفة تصب في مجرى خدمة القضايا البشرية بعيدا عن التعصب والتمييز المتعنصر الى قناعة تؤكد أن الحشود العسكرية الأميركية والإنجليزية، ليست إلا إعدادا واستعدادا لتنفيذ المخططات التآمرية التاريخية، وما أكثرها وما أخطرها، في ظل الاستراتيجيات اليهودية الإسرائيلية الصهيونية، في سياق هجمة صليبية تنام في أعمال التاريخ منذ رحلة كريستوفر كولمبس، لم يكتب لها النجاح آنذاك، وآن الأوان لتنفيذها لأنها لم تسقط من على قائمة الحسابات التآمرية الصهيونية على البشرية، التي تضم أساسياتها ومنطلقاتها وتفاصيلها (بروتوكولات حكماء صهيون»، التي لا يكذب بها إلا إنسان سطحي، يفتقد المعلومة التاريخية، إذ بفقده لها يفقد أن يمتلك صفة الباحث الذي يستخرج النتائج السليمة والمقنعة.

وهكذا تبقى الضجة التي تثيرها أميركا والتي بدأت تتكشف حقيقتها عن خطورة صدام حسين على السلم والأمن العالميين، لا تخرج عن إطار التمثيلية التاريخية الصالحة لكل زمان ومكان وغرض، تلك هي «قميص عثمان»، ذلك ان العراق، وكفاك يا بوش (رقصا من دون سروال) وكفاك عللك الخفية القاتلة، المنحشرة في قصبتك التنفسية، التي بسببها لا تستطيع نطقا بالحقائق، ان العراق ليس بالقوة العسكرية التي يحتاج احتلاله والسيطرة عليه لإزاحة صدام حسين، حتى الى أقل القليل من هذا الحشد العسكري المدعوم بآخر ما توصلت إليه التكنولوجيا العسكرية؟.

من كل ذلك نخلص الى أن هذه الحشود العسكرية الأميركية والبريطانية، هي أعجز من أن تزيل من قصبتك مادة غصتك، وان ظل العالم يتعامل معها ويفسرها بأنها موجهة لاحتلال مناطق النفط، الذي لم يبخل به العرب على مستوى العالم.

على ان ما يلفت النظر ويشد الانتباه، في عملية خوض بحرِ بحثٍ مركزِ المتابعة، ودقيق الملاحظة، يوصل الباحث الى أن الضوضاء الأميركية والصراخ الذي صدعت به رؤوس العالم وهزت فيه الأمن والاستقرار والسلم العالمي، ليس إلا قفزة في الهواء يليها سقوط في وادي هلاك، ذلك أنه، باستعراضنا للتاريخ الأميركي عبر مختلف مفاصله، وتحولاته المراحلية في مسير الارتقاء الحضاري الأميركي وما سجلته تلك المراحل المتتالة من تطور على مختلف الإنجازات، العلمية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والتكنولوجية، كان في الأساس موجها إلى خدمة البشرية، والارتقاء بالجنس البشري على عموم الكرة الأرضية، وخصوصا بعد أن حرر إبراهام لنكولن «العبيد»، والذي نرى فيه أنه بقدر ما أعاد إلى الأفارقة، وقبلهم الهنود الحمر، كرامتهم الإنسانية الفطرية الطبيعية، التي أهدرها بداية كريستوفر كولمبس، باسترقاقه لـ (1500) من الهنود الحمر، فإن لنكولن أعاد بقدر أكبر الشعور والحس الإنسانيين اللذين افتقدهما الجنس الأبيض، جراء تعامله مع الرقيق بسلوك حيوانات الغاب المفترسة، تلك المعاملة التي جسدتها قصة «كوخ العم توم».

ولما أن التاريخ الأميركي لم يسجل موقف تحول انقلابي ضد حق الشعوب في أن يعيشوا بسلام وأمن واستقرار في حيز حدودهم الجغرافية، وان يتمتعوا بقدر ما لديهم من إمكانات، في ظل علاقات دولية متوازية، تخضع لمبدأ التكامل المبني والمؤسس على العدل والإنصاف، في تثبيت مبادئ الأخذ والعطاء، والتكامل والتكافل الرحيم بين بني البشر، حتى لا تطغى مصلحة ظالم أناني متسلط على مصلحة طرف آخر.

ولما أن التاريخ الأميركي، في حدود ما أحطنا به واطلعنا عليه في تواضع جم، وفي حدود ضيقة، لم يحدثنا عبر مفاصله المميزة والمحددة لمختلف مراحله الانتقالية، منذ بدايات تأسيس الدولة الأميركية، انطلاقا من حرب التحرير وإنهاء الاستعمار البريطاني، والحرب الأهلية التي انتهت الى توحيد الشمال والجنوب الأميركيين، وتحرير «العبيد». ووضع الدستور الأميركي في العام 1789، وارساء قواعد علاقات متينة شريفة متوازنة بين العرب والشعب الأميركي، أسست الاحترام المتبادل، ومراعاة الإنصاف في تبادل المصالح الاقتصادية النفطية، سلعة عرب الخليج الرئيسية والوحيدة تقريبا في عملية التبادل التجاري الأولي، تلك العلاقات التي أرسى قواعدها ورسم فلسفتها اجتماع الملك عبدالعزيز آل سعود والرئيس الأميركي تيودور روزفلت، إذ ظل التاريخ الأميركي متميزا بها.

ولم يسجل أي انحراف أو تبدل في نهج السياسة الأميركية حتى العدوان الثلاثي على مصر العام 1956، أية بادرة توحي الى توجه أميركا سياسيا وآيديولوجيا الى استعمار العالم والسيطرة على كامل مقدراته واستعباد البشرية.

وبالأخذ في الاعتبار ماضي التاريخ الأميركي، والوقوف أمام الموقف الأميركي الحالي، يكون مسار السلوك التاريخي الأميركي قد سجل مفصلا انعطافيا انحداريا تساقطيا يؤسس لمرحلة انفصامية خطيرة تضع أميركا وجها لوجه أمام معاداة البشرية، وتدفع بشعوب العالم الى تكوين حلف عالمي ضدها، لتنتهي مرحلة مضيئة في التاريخ الأميركي، شاد معالمها الاشراف الأوائل من المحررين والزعماء القياديين والرؤساء، أولئك الذين خلقوا من أميركا دولة نموذجية تتوجه شعوب العالم المضطهدة على يد المستعمرين الصليبيين الغربيين، لأن تحررهم من سقطتهم القاتلة، الى دولة منبوذة ومحتقرة، تهتف شعوب العالم وفي جملته الشعب الأميركي، وحكومات الدول باللعنة يصبونها على الحكومة الأميركية، والتي لا أظن أن الشعب الأميركي يشرفه أن تمثله حكومة ملعونة على كل لسان ومنبوذة على مساحة الكرة الأرضية ما عدا مساحة طوني بلير- بمعزل عن الشعب البريطاني - و«إسرائيل» العنصرية؟!.

وفي إطار، رصد هذا التحول الانحطاطي الضوضائي التحليلي المتميز بروح الأنانية والعنصرية المتعالية التي تعتبر دخيلة على السلوك الأميركي، وهي ظاهرة من ظواهر التاريخ البشري الثابت الملازم لمراحل التاريخ وتنقلاته عبر العصور وفي مختلف الأقطار والأمصار، بمثابة دالةٍ على بداية نهاية عصر دولة، ونشوء دولة جديدة تحل محلها.

وإذ ان مثل هذه الظاهرة الدالة على سقوط ونشوء الدولة لا يمكن أن تحدث من فراغ، فإن الضرورة تقضي على أي باحث متقص ألا يقف عند ظواهر الحوادث، بل تجب عليه العودة مرة ثانية وثالثة لتقصي تاريخ تلك الدولة الآيلة للسقوط، وإنه لا بد أن يكتشف أن ثمة جرثومة تسللت الى جسد هذه الدولة وأصابته في مقتل!.

وإنه في حال التحولات الانحطاطية التفسخية بالنسبة إلى السلوك الأميركي الجاري اليوم على مساحة العالم، تُوقِفنا الكثير من كوابح معطيات التاريخ التي حذر الأوائل من القادة الأميركان منها ومن خطورتها على مستقبل أميركا.

وهذا ما سنركز عليه البحث القادم، وما سنتناوله بالتفصيل وتسليط الأضواء عليه، معززا بالدلائل الثابتة تاريخيا. وعليه سنلتقي

إقرأ أيضا لـ "محمد جابر الصباح"

العدد 167 - الأربعاء 19 فبراير 2003م الموافق 17 ذي الحجة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً