لماذا المؤسسة العسكرية العربية لاتزال سرا خطيرا، يعاقب القانون على أية محاولة لتسليط الضوء على أية جنبة من جنباتها حتى لو كانت هذه الجنبة المستشفى العسكري، فضلا عن موازنة أية مؤسسة عسكرية عربية، التي دائما ما تكون في العالم العربي بوابة فسيحة للتلاعب بالمال العام، ومنفذا سريعا للانهماك في الفساد المالي وربما الإداري أيضا؛ لأنها محمية بذريعة حرمة كشف الأسرار العسكرية؟ هذا هو السؤال الذي كان يدور في ذهني وأنا أتجول في مبنى البنتاغون بواشنطن. البنتاغون الأميركي - الذي خاض حروبا إقليمية وعالمية، وربما هو الآن يستعد لخوض حرب مع إيران - لم يجد في زيارة وفد من الصحافيين العرب أدنى خطورة على كشف أسراره، حتى لو التقى هذا الوفد جنرالات يحلون ويربطون عندما تتوجه حاملات الطائرات إلى الخليج، ولهم كلمة طولى عندما تتحرك الطائرات إلى أفغانستان أو العراق، على حين في العالم العربي سيجد الصحافي نفسه عاجزا عن الخوض في كل ما له صلة بالمؤسسة العسكرية، حتى لو كانت هذه الصلة بجنبة ليست عسكرية، فتسليط الضوء على مشكلة في المستشفى العسكري - مثلا - هو اقتحام للمؤسسة العسكرية!

والحديث عن التوظيف هو أحد أبواب الأسرار العسكرية التي لا يجوز طرقها! أما الخوض في تفاصيل الموازنات - التي تتفوق على كل موازنات الخدمات الأخرى، والتي توضع أرقامها الخيالية من دون مساءلة - فهو حديث ممنوع يمكن أن يؤخذ صاحبه وراء الشمس مدى الحياة!