ينطلق الكاتب الصحافي، الجدير بلقبه، من صدقه مع النفس والله والناس. المبدع المتألق، دائما، المثقف محمد صادق الحسيني يكتب ناثرا حبات الدرر التي يستخرجها من قاع الخليج، والمبادئ والقيم الراسخة في قيعان النفوس الأبية، ينثرها على جيد الخليج وجماهيره.
محمد صادق الحسيني مثالٌ للمثقف الصادق مع نفسه ومع قرائه، ومع جمهوره من مختلف التلاوين الفكرية والأطياف الاجتماعية، يكتب ممتعا جمهوره بلغة راقية، وأسلوب رصين، ومفردات عميقة، سافرا عن وجه الحقائق أيما إسفار، ومتتبعا الوقائع التاريخية تتبع القدة بالقدة. لا تختبئ عباراته خلف جدر الطوائف والأعراق، ولا يحال بينها وبين القراء آيات النفاق الدارجة هذه الأيام من قِبل مثقفي «الجمهور عايز كده»!
كتب الرائع الصادق محمد صادق الحسيني، كما كتبنا كثيرا، عن حساب العراق الجديد وميزان وموازين العقل والعقلاء. إلا أنه تبقى لكتابات الحسيني نكهة وكنه مختلفان؛ نظرا إلى ما يتمتع به الحسيني من مَلَكَة تحليلية وحس تنبؤي صائب في غالبية الأحيان.
أطل علينا الحسيني في يوم الأحد الماضي، وفي مقال «حساب (العراق الجديد) في الميزان»، وقد أعاد طرح أسئلة طالما طُرِحَت قبل الاحتلال الأميركي للعراق، والأخطر فيما طرحه الحسيني المسألةُ المتعلقةُ بـ «الدماء العراقية التي سالت والخراب والدمار اللذين سيحصلان في نفوس العراقيين». وأضيف «بل في نفوس أبناء إقليم الخليج والوطن العربي».
الخطر المتمثل في تطاير شرارات الفتنة الطائفية إلى المنطقة أصبح أمرا واقعا؛ إذ تطايرت تلك الشرارات وأثرها واضح في النفوس. وانعكست على ما يتناوله الكتّاب بأقلامهم. إذا، الفتنة أطلت برأسها على المجتمع الخليجي.
الآن الناس في الخليج العربي، والوطن العربي الكبير ليس لهم من أمر يناقشونه إلا ما يتعرض له أبناء العراق من قتل وتصفية على الهوية، ودمار حل بالعراق العظيم.
مقياس الأداء في السياسة يكون بالنتائج، بصرف النظر عن الأفكار والتوجهات والنوايا، والنتائج الجلية لسقوط نظام صدام حسين هي الحرب الأهلية والدمار والخراب اللذان حلا بالعراق، وتزايد الوتيرة الطائفية بين السنة والشيعة في الإقليم والوطن العربي.
هذه النتيجة السياسية لا تعترف بعواطفنا وما يجول بأنفسنا من أمانٍ. فالأمنيات والعواطف لا تساوي خردلة في حساب السياسة الدولية والمصالح الامبريالية في المنطقة.
قد لا يعجب البعض الحديث عن وجود حكومة شيعية طائفية في العراق، وقد يغضب البعض الآخر من تجريمنا التنظيمات التي تقتل على الهوية وتنتسب زورا وبهتانا إلى أهل السنة والجماعة. إلا أن هؤلاء، وهؤلاء عليهم أن يعرفوا جيدا أن الأصل لدى المسلم رضا الله ورضا ضميره الإنساني، وليس رضا طائفة من الطوائف مهما علا كعبها وامتد وصله بها!
ما كتبه الحسيني، يفوق بكثير ما يكتبه البعض استجابة لـ «تسونامي» عاطفي جماهيري طائفي. ما كتبه الحسيني ينطلق على أساسات علمية منطقية، ومنظار دقيق يحلل به الحوادث السياسية. والأهم أنه ينطلق من قلب جامع للأمة.
موقف الحسيني يُعبر عن غالبية وسطية تتبنى الإسلام الجامع، والسلم الأهلي العام في المجتمعات العربية، وترفض الاحتلال والغزو الأميركي والتقسيم الاجتماعي على أساس طائفي. وهو يقوم بهذه المهمة، على رغم انتشار الوعي المذهبي الطائفي التجزيئي وسطوته.
إشكال فريق الوسط أنه يقع بين نقيضين متصارعين في غالبية الأحيان، حتى سلمهم حرب داخل الغرف المغلقة! ولذلك؛ يواجه الفريق الوسطي هجوما إقصائيا بالغ الضراوة، ليس من أبناء الطوائف الأخرى، بل من أبناء الطائفة التي ينتمي إليها هذا أو ذاك! ودونك آية الله محمد حسين فضل الله، ودونك الشيخ يوسف القرضاوي هو الآخر ينتمي إلى الفكر الوسطي.
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 1664 - الثلثاء 27 مارس 2007م الموافق 08 ربيع الاول 1428هـ