العدد 1664 - الثلثاء 27 مارس 2007م الموافق 08 ربيع الاول 1428هـ

ماذا ينتظر الجيل المقبل؟

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

أقيم الأسبوع الماضي معرض مشروعات الخريجين في معهد البحرين للتدريب، وفاز بالمركز الأول نظام تحكّم بالمصانع، وبالثاني جهاز تحكم بالكمبيوتر، يسمح بالتحكم في كهرباء المنزل عن طريق موجات الراديو، تمت إزالة الأسلاك لتخفيض الكلفة وتبسيط أعمال التركيب والصيانة، مع استخدام التقنية اللاسلكية.

مثل هذه الأخبار عادة لا تستوقفنا، مع انها تعطي مؤشرا إيجابيا على إمكان أن تتجه طاقات الشباب إلى وجهة علمية صناعية واعدة، وتحويل المعاهد فعلا إلى «التدريب» بدل أن تظل مجرد مؤسسات تستوعب من لا تستوعبهم الجامعة، أو إصدار الشهادات الأكاديمية التي سيلتحق حاملوها بسلك العاطلين عدة سنوات قبل أن تفتح لهم سوق العمل أبوابها.

هذه النقلة النوعية لابد منها إذا أردنا ضمان مستقبل الجيل الجديد في السوق، فإمّا أن نفكّر بالتحوّل التعليمي إلى ورشات عمل صناعية تصقل المهارات والقدرات، وإمّا أن نظل نعتمد على الأيدي الأجنبية للأبد، ليظل الاقتصاد رهينة بأيدي الدول المصدّرة للعمالة، مع ضرورة الانتباه إلى أن العقد المقبل لن يكون سهلا كالعقود السابقة: «مال مقابل عمّال».

اليوم، هناك اتفاقات دولية ملزمة تفرض على الدول المستوردة للعمالة، وهناك مطالبةٌ ملحةٌ من تلك الدول باحترام حقوق عمّالها وحفظ كرامتهم، وإنهاء عهد «السخرة» التي تتعرض لها قطاعات كبيرة منهم (وهو مطلبٌ إنساني مشروع). كما ان الجيل الجديد من العمالة الأجنبية ليس من فئة العمالة غير الماهرة بالضرورة، التي تكسب قوتها بجهدها العضلي. فهناك شرائح واسعة أصبحت تتحكّم اليوم في شرايين الاقتصاد الوطني بدول الخليج، في القطاعات الصناعية والمصرفية والخدمية والمعلوماتية...

في البحرين اليوم، هناك نحو 260 ألفا من الهنود، أي ما يعادل ثلث سكان البحرين. والهنود ليسوا إلاّ لونا واحدا من أطياف الوافدين، فالجالية الفلبينية جاوز تعدادها 25 ألفا، غالبيتهم يعمل في قطاعات فنية وخدمية ومعلوماتية قابلة لأن يشغلها المواطن بعد تدريبه وتأهيله، وقس على ذلك بقية الجنسيات الأربعين. واليوم يعرف الجميع أن ما يولّده الاقتصاد الوطني من فرص عمل، ثلاث من كل أربع فرص تذهب للأجنبي.

طبعا المسألة معقّدة، فنحن ننتظر جيشا من 70 ألف عاطل بعد سبعة أعوام، بحسب دراسة «ماكينزي» الشهيرة. لكننا نحاول أن نطمئن أنفسنا بـ «إنجازات» المشروع الوطني للتوظيف، الذي لم يعالج جذور المشكلة وإنّما رفع سقف الحد الأدنى من الأجور إلى 200 دينار، وتوسّط لتوظيف أعداد من العاطلين، وهكذا نزعنا الفتيل من قنبلة البطالة... مؤقتا.

المشكلة معقّدة جدا، ولا يمكن إلقاء اللوم على طرفٍ واحدٍ لنريح ضمائرنا، إذ تشارك في تغذيتها جهات عدة، من نظام تعليمي وأسرة ومجتمع ومنظومة قيم. النظام التعليمي في مرحلته الأخيرة لم يعد مقصّرا في تحمّل دوره التربوي فقط، بل أصبح قاصرا حتى في جانب التعليم، ومتعثّرا في محاولاته الإصلاحية بدليل هذا الطلب الكبير على مؤسسات التعليم الخاص.

المجتمع الذي يسمح بالـ «فري فيزا» كما يعمل «المتنفذون»، أو بتأجير السجلات التجارية من الباطن كما يفعل الناس العاديون، أيضا يشارك في المشكلة. الأسرة البحرينية، والخليجية عموما، تلعب دورا آخر، في ظلّ سيادة القيم الاستهلاكية، وتراجع «أخلاقيات العمل» التي تمتعت بها الأجيال السابقة، فخاضت البحار والقفار لتنتزع قوتها من تحت أعماق المياه وطبقات الرمال. هذه الأخلاقيات لم تعد تورثها الأسرة لأبنائها.

وإذا كان أبناء جيلنا خاض غمار السياسة مكافحا من أجل غدٍ أفضل، فإن الجيل المقبل لن تترك له السياسة مجالا للحركة أو العمل، خصوصا أنه سيدخل معاركه ونحن لم نحسن تزويده بأسلحة الجَلَد والصبر والتعليم الحديث والتدريب العملي، ليواجه وحيدا يتيما ... قوانين السوق التي لا ترحم.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1664 - الثلثاء 27 مارس 2007م الموافق 08 ربيع الاول 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً