العدد 1664 - الثلثاء 27 مارس 2007م الموافق 08 ربيع الاول 1428هـ

قمة تبحث عن استراتيجية عربية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

تبدأ القمة العربية أعمالها اليوم في الرياض وسط توقعات بوجود خطوات عملية باتجاه الملفات الأربعة الرئيسية وهي: فلسطين ومشروع المبادرة العربية، العراق ومستقبله في حال انسحاب قوات الاحتلال، إيران وملفها النووي في ضوء القرارات الدولية، ولبنان وأزمته المفتوحة على أكثر من احتمال.

هذه الملفات الساخنة تأتي في ظروف عربية غير متوافقة على الحلول. فكل دولة تقريبا تتجه نحو قراءة مختلفة عن الأخرى. وباستثناء بعض التقاطعات في المحاور ووجهات النظر في القضايا يمكن القول إن هناك توجهاتٍ متوازية في رؤية الأمور.

عدم التوافق العربي يعود إلى أسباب مختلفة أبرزها وجود اهتمامات مغايرة بين دولة عربية وأخرى. فكل دولة تعاني من مشكلات قُطرية خاصة إلى درجة تكون كافية لمنعها من الاهتمام بالملفات الكبرى والمشتركة. فالقضية الفلسطينية كانت ولاتزال مركزية لكل العرب ولكنها لم تعد تشكل ذاك البند المهم لكل الدول العربية. فهناك من يتعامل مع الملف الفلسطيني عن بُعد وأحيانا من دون اكتراث أو مسايرة لفظية للمزاج العام. وهناك من يراقب الملف العراقي من زاوية إنسانية ولا يكترث كثيرا لتداعياته الاستراتيجية وانعكاساته الأمنية والسياسية. وهناك من ينظر إلى الملف اللبناني بصفته مشكلة معقدة ولا سبيل لحلها نظرا إلى انعدام الوسائل الكفيلة بمعالجة أسبابها ومسبباتها. أما موضوع الملف النووي الإيراني فهناك وجهات نظر مختلفة بشأنه تتراوح بين التعامل معه بصفته نقطة مركزية في الأمن العربي، وبين رؤية لا ترى فيه سوى مشكلة مفتعلة أثارتها الولايات المتحدة خدمة لأمن «إسرائيل». حتى موضوع السودان (أزمة دارفور) وتمزق الصومال (دويلات قبائل ومناطق) وجيبوتي وأمن البحر الأحمر والقرن الإفريقي وبحر العرب والخليج باتت مجموعة نقاط يتم التعرض لها سريعا من دون محاولة لإيجاد مشروع تتوافق عليه الدول العربية.

هذا التباعد في الاهتمامات العربية وتراجع الهموم المشتركة واختلاف الرؤى في معالجة الملفات الساخنة تعطي فكرة سريعة عن حال التفكك العام الذي أخذ يشق طريقه منذ نحو العقدين. فالأمة التي يفترض أن تتحرك مجتمعة للدفاع عن الجزء في حال تعرض للخطر باتت موزعة على اهتمامات قُطرية أو إقليمية محدودة ولم تعد تشترك في الهموم التي كانت سابقا مدار نزاع أو توحد في الاستراتيجية العامة.

تقلص السياسة القومية لمصلحة سياسات كيانية (قُطرية) جاء نتاج تعثر المشروع العربي خلال الفترة الماضية. وأدى التعثر المذكور إلى انكفاء الدول العربية المركزية عن لعب دورها التقليدي، وانسحاب دول عربية أخرى من مهمة ممارسة النفوذ أو التأثير على هذا الرأي أو ذاك. فالسياسة العربية لم تعد قومية كما كانت حالها في الخمسينات والستينات والسبعينات، فهي تحولت منذ نحو العقدين إلى نوع من التحزب الايديولوجي أو الانطواء إلى الداخل أو الانحياز إلى محور إقليمي ينسجم مع تطلعات الكيان وهواجسه الذاتية وهمومه السياسية.

كل هذه الشئون القُطرية التي زادت نسبتها في كل الكيانات العربية أضعفت السياسة القومية المشتركة وساعدت القوى الخارجية على رفع مقدار تدخلها في الملفات وتسخينها بهدف تمزيق وحدة المصير والغايات. الولايات المتحدة مثلا تتدخل في الشئون العربية من المحيط إلى الخليج أكثر من جامعة الدول العربية وهي أيضا تقرر مصير الكثير من الملفات من دون اعتبار للمصالح العربية وموقع الدول ودورها. فأميركا تتدخل مرارا لمنع الدول العربية من الاجتماع أو الالتقاء لمناقشة قضية عربية بذريعة الاستقلال والسيادة والشرعية الدولية وتعطي لنفسها الحق في التدخل في كل الملفات الصغيرة والكبيرة.

مفارقات عربية

هذه المفارقة بين نمو تدخل السياسة الدولية في الشئون العربية وتراجع الدول العربية في لعب دورها التقليدي في السياسة القومية يمكن ملاحظتها من إعادة قراءة الملفات الساخنة أو الباردة المطروحة على جدول القمة العربية التي تفتتح أعمالها اليوم في الرياض.

الموضوع الفلسطيني مثلا انحصر الاهتمام به ضمن دائرة جغرافية تشمل المشرق العربي ومصر ودول الخليج. الموضوع السوداني لم يعد يؤرق الوضع العربي على رغم خطورة تدويل أزمة دارفور. الموضوع الصومالي الذي انتهى إلى تمزيق الدولة إلى مواقع نفوذ قبلية ومناطقية أصبح ساحة مفتوحة للصراعات ولا يلقى ذاك الاهتمام العربي المطلوب لاحتواء تفاعلاته.

هذا التراجع العام يمكن رؤيته في كل مكان. موريتانيا مثلا تمرّ بحالات صعود وهبوط وانقلابات وانتخابات ولا تجد ذاك الاهتمام العربي المشترك للمساعدة على معالجة مشكلاتها. والجزائر أيضا أخذت تنسحب خطوة خطوة من التزاماتها القومية بعد أن دخلت في صراع دموي استنزف ثروتها البشرية والطبيعية. ليبيا أيضا انتقلت من طور «الجماهيرية العظمى» إلى دولة انعزالية تبحث عن حلول خاصة لمشكلاتها المزمنة. اليمن يمرّ أيضا بوضع غير مستقر زادته الصراعات القبلية والمناطقية توترا على المستويين السياسي والأمني. حتى مصر التي قادت المظلة العربية لعقود باتت اليوم تركز اهتمامها على الداخل لأسباب مفهومة وغير مفهومة.

كل هذه المشكلات العربية وغيرها من تفرعات جزئية ساهمت في انكماش الرؤية القومية وتعطيل إمكانات التقدم لتوحيد الجهود وتركيزها في برنامج موحد يساعد على وضع الحلول للقضايا المشتركة. وساهم هذا التباعد في المشاعر والأحاسيس في إحباط الكثير من القراءات السياسية التي كانت تراهن على البُعد العربي وتعتمد عليه إطارا قوميا يمنع القوى الأجنبية من التدخل العسكري أو غير العسكري في الشئون الداخلية للأقطار والكيانات العربية.

لاشك في أن هناك الكثير من الأسباب والعوامل الدولية والإقليمية والداخلية ساهمت في إنتاج هذه الصورة العربية الممزقة على محاور وتوجهات وتباينات. فكل دولة تعاني من مشكلات داخلية تمنعها من التفرغ للمساعدة. وكل دولة باتت تنظر إلى محيطها الإقليمي وتعطيه الأفضلية السياسية على الأقاليم البعيدة عنها جغرافيا. وكل دولة أخذت تعيد تنظيم موقعها في الداخل وتحصّن نفسها من دون رؤية استراتيجية تتصل بالمحيط الجغرافي وأمن الجوار. وحين تجتمع مثل هذه الأسباب والعوامل في منطقة تصبح الدول الدائرة في فلكها معرّضة للحصار أو التشتت أو الابتعاد أو الانكفاء أو الانطواء أو التمزق كما هي حال العراق ولبنان والصومال.

انعدام الرؤية الاستراتيجية المشتركة للدول العربية بات يشكل نقطة ضعف عامة تسمح للقوى الخارجية بالاستقواء والتدخل لتمنع قيام سياسة قومية توحد الجهود وتضبطها ضمن حدود السيادة واحترام توازن المصالح. واستمرار مثل هذا الضعف يساعد رويدا على تسهيل الاختراق لمختلف جدران الكيانات والأقطار العربية، ويعطي الذرائع للدول الكبرى لأن تبحث عن أمكنة تستقر فيها وتتمركز في مفاصلها الجغرافية والاقتصادية.

القمة العربية التي بدأت أعمالها اليوم في الرياض يُرجح أن تبحث الكثير من الملفات الساخنة والباردة بدءا من فلسطين وانتهاء بالعراق. إلا أن هناك نقطة مهمة يمكن إعادة مراجعتها بعد أن غابت عن الرؤية المشتركة وهي تلك التي تتعلق بالسياسة القومية والاستراتيجية العربية الشاملة.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1664 - الثلثاء 27 مارس 2007م الموافق 08 ربيع الاول 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً