العدد 1663 - الإثنين 26 مارس 2007م الموافق 07 ربيع الاول 1428هـ

«السياسة والمصالح» ليست كبش فداء جاهزا

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

التوترات بين المجتمعات الغربية والإسلامية لا يمكن إنكارها وخصوصا بعد حوادث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول. وآثار هذه التوترات يمكن مشاهدتها في حياتنا اليومية: المقالات التي تنشر في الصحف والمجلات، الكتب، بالإضافة إلى النقاشات العامة. والسؤال لا يتمحور حول حقيقة وجود هذا التوتر بل حول مستوى علوه واحتدامه، وما هي أسبابه الأساسية وهل يمكن تهدئته أم لا؟

وفي مسح قام به GlobeScan وبرنامج International Policy Attitudes في ميريلاند بين نوفمبر/ تشرين الثاني 2006 ويناير/ كانون الثاني 2007 كما ذكر تقرير أعدته الـ BBC، ظهر أن غالبية العينة من الغربيين والمسلمين يعتقدون أن التوتر له جذوره الضاربة في «السياسة والمصالح» بما نسبته 52 في المئة، وأكثر من «الدين والثقافة» بما نسبته 29 في المئة، في حين قالت نسبة صغيرة أن هذا الصراع لا يمكن تجنبه 28 في المئة.

هذه النتائج التي هي مبنية على تغذية راجعة من 28.000 شخص من 27 دولة آسيوية، إفريقية وأوروبية تعتبر محفزة، وتوفر مقياس للأمل بأن يرفض غالبية الناس حول العالم نظرية «صراع الحضارات» المتأصلة وأن يشعروا بأن التمزق الذي بليت به العلاقات الغربية يمكن علاجه.

مع ذلك، فإن فرقا فريدا يمكن رؤيته في نتائج استطلاع الرأي الذي تم على عينة من الإندونيسيين. فمن جهة اعتقد 51 في المئة أن الصراع بين العالم الإسلامي والغربي لا يمكن تجنبه في حين قال 40 في المئة فقط إنه يمكن إيجاد أرضية مشتركة. ومن جهة أخرى لام 35 في المئة «الفروقات على الدين والثقافة» بينما أشار 56 في المئة إلى أن «القوى السياسية والمصالح» تعتبر جذر وسبب التوتر بين المسلمين والغرب وهذا يتطابق بشدة مع نسبة المبحوثين حول العالم عن السؤال نفسه.

هذا الاختلاف يذكرنا انه على رغم أن الناس يؤمنون بأن التوترات بين المسلمين والغربيين سببها بشكل رئيسي القوى السياسية والمصالح، إلا أننا لا يجب أن نقلل من أهمية المشكلات الأخرى. بالإضافة إلى ذلك فإن الفروق التي وجدت في النتائج الإندونيسية توحي بأننا يجب أن نشكك في الافتراضات العالمية التي ظهرت في نتائج استطلاع رأي GobeScan والتي قالت إن «الاختلافات في الدين والثقافة» هي التي جعلت الصراعات الإسلامية الغربية لا يمكن تجنبها وإن «القوى السياسية والمصالح» تقود بشكل أوتوماتيكي إلى فرص سهلة لإيجاد أرضية مشتركة.

عندما ننظر إلى تاريخ الصراعات المسلمة الغربية يمكننا بسهولة أن نجد أن «القوى السياسية والمصالح» كأسباب للعنف تعتبر أسباب أقدم بكثير من «الدين والثقافة». وما أصبحنا نعرفه فيما يتعلق بالصراعات الإسلامية الغربية هو أنها بشكل أولي مرتبطة باكتشاف النفط في الدول العربية في مطلع القرن العشرين ما خلق توترات بين الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا من جهة وبين أجزاء من العالم العربي من جهة أخرى. وقد تقنع هذا التوتر لاحقا بشعارات وحملات ساهمت في ظهور عبارات مثل «الحضارة الغربية» و «الثقافة الإسلامية». ونتيجة لذلك فإن الصراعات بين الدول العربية والغربية تحولت من صراعات ضد القوى الدولية (المرتبطة بالنفط) إلى رسمها على أنها توترات بين الحضارات الغربية/ المسيحية والمسلمة.

وهذه المفردات والمصطلحات وجدت بشكل رسمي في العام 1993 عندما احتل صاموئيل هانتجتون بمقاله (صراع الحضارات) مركز الأضواء والذي نشره ردا على كتاب فرانسيس فوكوياما العام 1992 (نهاية التاريخ). وإن مبدأ «صراع الحضارات» أثر على الكثير من المفكرين وصناع القرار وسيطر على الحياة السياسية والثقافية في كل الثقافات حول العالم - المسلم، الغربي، الكونفوشوسي، الياباني، الهندوسي، الأرثوذوكسي، المتشدد، أميركا اللاتينية، الإفريقي... إلخ وهو يزداد بشكل أكبر بعد حوادث الحادي عشر من سبتمبر المأسوية.

إن النزعة الجديدة انتشرت تحت غطاء من مبادئ صراع الطبقات، الاقتصاد، العواصم، القوى أو غيرها من الأدوات التي يمكن تصنيفها على أنها «قوى سياسية ومصالح» والتي أثرت سابقا على الفهم العالمي للصراعات المسلمة الغربية وأعادت تفسير هذه الصراعات على أنها مبنية على «اختلافات في الدين والثقافة». نتيجة لذلك تزداد وتتسع التوترات وتدخل مناطق لم يتم التفكير بها سابقا مثل الأزياء (استخدام الحجاب وغيرها من الملابس الدينية) والفنون (من أفلام الكرتون إلى الأوبرا).

من خلال هذا التاريخ القصير للصراعات الإسلامية الغربية يبدو أنه من الواضح أن «صراع الحضارات» هو تنكر يستخدم لتمويه الخلاف القديم العهد للقوى السياسية والمصالح الخاصة التي كانت فكرة مهيمنة ومتكررة في هذه الصراعات. وربما يكون السؤال الحقيقي هو: ما الذي يجعل المبحوثين حول العالم يشعرون أنه إن كانت جذور التوترات الإسلامية الغربية بسبب القوى السياسية والمصالح فإنه من الأسهل إيجاد أرضية مشتركة ومعالجة الجروح؟

من دون أن تكون هناك نية للتشاؤم المبالغ فيه إلا أنه من الأهمية بمكان ألا نكون متفائلين بشكل أعمى عن نتائج استطلاع الرأي الذي أجرته الـ GlobeScan - PIPA والتي تبدو مبهجة وواعدة ولكن يجب علينا أن نكمل العمل الجاد اللازم لتحسين العلاقات الإسلامية الغربية، إذ إن هناك عددا هائلا من المهمات المستمرة بانتظارنا. ومع أن الإيمان بأن التوترات التي تؤثر على العلاقات الإسلامية الغربية هو مصدر قوة أساسي في هذا الصراع إلا أنه من المهم أن نتحضر لما يمكن أن يكون في الحقيقة مهمة في غاية الصعوبة. وإن الأمل من استطلاع الرأي هذا يمكن أن يوجد في المعرفة أن «النية الحسنة» والرغبة لحلول سلمية للتوترات الموجودة حاليا يمكن أن توجد في قلوب البشر وأن هذه الصفات يجب أن توظف للعمل المستمر وبصبر تجاه حل بناء.

* المدير التنفيذي لمؤسسة الواحد في جاكرتا، إندونيسيا

والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 1663 - الإثنين 26 مارس 2007م الموافق 07 ربيع الاول 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً