تحدثت عن معايير بدل السكن في مقالات سابقة وأكررها من جديد بناء على رغبات الكثير من القراء والمتابعين للشأن المحلي، فمازلت إلى الآن أتلقى الكثير من الرسائل والمكالمات التي تحثني على الحديث مجددا عن معايير بدل السكن من خلال التطرق إلى أمثلة واقعية تم استثناؤها بسبب المعايير غير المنطقية التي جاءت بها وزارة «الإسكان» فصارت كالسيف المسلط على أحلام الناس، بعد أن أقترب الحلم من الحقيقة لولا المعايير التي جاءت كالصاعقة على الرؤوس.
فأحد المتضررين أبلغني بأن حلمه في الحصول على بيت يعيش فيه بقية عمره مع أسرته أصبح كالسراب بسبب التطورات التي عايشها بنفسه، ففي كل مرة يقترب الحلم من التحقيق تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، وهذا مصير الإنسان البسيط الذي لا يملك من الأحلام إلا النذر اليسير منها، ولعل من سوء حظه أن يكون أحد سكان قرية المقشع، هذه القرية التي سمع الكثير منا عن قصة بيوتها التي تم إنشاؤها بمكرمة من ولي العهد عندما زار القرية في السنوات التي تلت الانفتاح السياسي وأصدر توجيهاته السامية ببناء قرية جديدة لأهالي المنطقة بعد أن تجول في القرية ودخل بيوتها ووجدها لا تصلح للعيش الآدمي وحسنا فعل، فقد استقبلت القرية المكرمة بفرحة عارمة ولكن سرعان ما جاءت المشكلات والمصاعب والعراقيل التي استحدثها الآخرون لتنغص على أهالي القرية فرحتهم، فما حصل أن أسقط حقه في الحصول على بيت من البيوت الجديدة، وأوكل محدثنا أمره إلى الله تعالى على رغم أن طلبه في الإسكان تجاوز اثنتي عشرة سنة، خلالها كبر الأبناء وأصبحوا يطالبون ويلحون على ضرورة توافر مسكن صحي تتوافر فيه الخدمات بصورة أفضل.
الآن تأتي وزارة «الإسكان» لتضع العقدة في المنشار من خلال تحديد دخل الأسرة بحيث لا يزيد على 500 دينار فيكون من الصعوبة تحقيق الحلم، وبالتالي قتل الطموح والجد والاجتهاد من قاموس الناس المجدين، فلكل مجتهد نصيب، الرواتب في الأساس ضعيفة جدا في البحرين ومن يزيد راتبه على 500 دينار يعني أنه بذل جهودا جبارة في سبيل تحسين وضعه المادي، وبدلا من مكافأته، نضع السيف على رقبته ونحزها.
قلنا ومازلنا نكرر وفي التكرار إفادة، من الذي قال إن أصحاب الرواتب التي تتجاوز الـ 500 دينار هم ميسورون وحالهم المادية على ما يرام؟ فمع التضخم الذي نشهده صار سعر كيلو الطماطم 600 فلس من أصل 200 فلس أي تضاعف سعرها ثلاث مرات، والآتي أسوأ مع وجود أشخاص جشعين يرغبون في مضاعفة أملاكهم أضعافا مضاعفة على حساب الكادحين.
لماذا لا ينظر إلى أصحاب الطلبات القديمة خصوصا فقد ملوا الانتظار، وكبر أبناؤهم والعمر ليس فيه بقية أكثر من السنين التي مضت؟ بمعنى لماذا لم تضع الوزارة معايير تنصف أصحاب الطلبات القديمة، والتي مر عليها عشر سنوات فما فوق؟ أليس حريا بها أن تفكر بشرائح مهمة كهذه وتضع لمساتها وفق معاييرها؟
عموما ومن خلال مراقبة الساحة المحلية أصبحت المسافة كبيرة جدا ما بين الأهداف وتحقيقها، فبالأمس كانت هناك سنتيمترات والآن أصبحت المسافة أميالا وأميالا، فلم يعد أصلا من المناسب أن يضع الإنسان رأسه على المخدة ويسترسل في النوم، حتى لا تباغته الأحلام الجميلة فتنكد عليه حياته بعد أن يستيقظ من نومه، عليه أن يقاوم النوم وللأبد، وأن يبقى جالسا وعيونه مفتوحة طوال الليل والنهار، ولا يحق له أن يستسلم للتفكير أصلا حتى لا يجد نفسه خارج التاريخ، فلايزال كثير من الناس يعيشون في بيوت لا تصلح للحيوانات، والتقلبات الجوية تأتي لتكشف لنا كل يوم قصة من قصص البؤس والفقر فمرات نسمع عن سقوف منازل طارت بفعل الرياح القوية ومرات نسمع أن بيوتا قد سقطت على رؤوس مساكينها في بلد غني كالبحرين.
على رغم أن السكن المناسب من أولويات الحياة الكريمة، ومن مسئولية الدولة ومن حق المواطن الحصول على أرض أو بيت يعيش فيه، لايزال الناس إلى الآن يترقبون اليوم الأحلى الذي لم يعيشوه بعد، ولايزالون إلى الآن ينتظرون تحقيق الوعود التي أطلقت من قبل جلالة الملك بأن لكل مواطن أرض، ويتمنون الحصول عليها اليوم قبل الغد، ويريدون تأمين حياة أبنائهم، وخصوصا مع موجة الغلاء التي تجتاح كل شيء وبدأت فعليا في أسعار أدوات البناء، كما أن العقارات في اشتعال دائم.
فهل سيكون هناك يوم لتحقيق الأحلام والإيفاء بالوعود التي قطعت لناس تسأل وتلح في أسئلة لا نملك إجابات لها، ولا نستطيع إطلاق وعود بشأنها لأن وعد الحر دين عليه كما يقال، لكن لا نقول للناس سوى أعانكم الله في تحقيق أحلامكم وأحلامنا!
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 1662 - الأحد 25 مارس 2007م الموافق 06 ربيع الاول 1428هـ