العدد 1660 - الجمعة 23 مارس 2007م الموافق 04 ربيع الاول 1428هـ

تدقيق أداء البنك الدولي

مصباح الحرية comments [at] alwasatnews.com

مشروع مصباح الحرية

قام البنك الدولي بإجراء تغيير على اسم «دائرة تقييم العمليات» التابعة له، إلا أن ذلك لا يعني تغييرا في أساليبه. وظهر على اللوحة الجديدة التي تم تثبيتها على باب تلك الدائرة اسم «مجموعة التقييم المستقلة». وبهذا العمل، يقوم المصرف في الوقت الحالي بالتخندق استعدادا للدفاع عن مطلب صريح بشكل متزايد بخصوص إجراء مراجعة مستقلة حقيقية للإشراف الذي يقوم به المصرف على المعونات الخارجية.

وبانقضاء نصف قرن وبصرف مبالغ تزيد عن 500 مليار دولار، سيكون هناك الشيء القليل الذي سيتم الكشف عنه بفعل الجهود التي يبذلها البنك الدولي. غير أنه لن يتوفر لدينا أي مقياس لأداء المصرف سوى ما سيقوم بالإعلان عن اختياره، وليست هناك وسيلة يتم بها التثبت من حكمة الاستثمارات الجماعية لدول العالم الصناعية.

لن يكون بإمكان التفاؤل الذي سينجم عن التقارير المهمة أن يعمل على تغطية الحقائق الكامنة فوق الأرض. فمستويات المعيشة للدول الأشد فقرا قد أصابها الركود حتى أنها هبطت بشكل كبير وصل إلى نسبة 25 في المئة. وهناك ثمان وثلاثون دولة تتراكم عليها قروض غير قابلة للسداد لجهات متعددة بلغت 71 مليار دولار والتي جرى تشجيعها بفعل توقعات المصرف المسيرة ذاتيا بشأن نمو الدول، والتي بمقتضاها يتوجب على دافعي ضرائب الدول الغنية في الوقت الراهن أن يقوموا بالوفاء بها. وتم الكشف عن الفساد المستشري داخل المصرف وداخل برامجه والذي يقدر في الوقت الحالي بما يزيد عن 100 مليار دولار.

لقد منح المصرف لنفسه درجات جيدة وهو يتفاخر متبجحا بأن ما يربو على ثلاثة أرباع المشروعات التي قام بإنجازها قد تحقق لديها «نتائج مرضية». غير أن مدققي الحسابات عندما يكونوا مقيّدين، وعندما يكون توقيت إصدار الحكم قد استحق قبل أوانه، وعندما تكون المعايير خاطئة وتكون الأرقام متلاعب بها بشكل انتقائي، فكم ستكون عندئذ صدقية الاستنتاجات؟

التعبير بكلمة «مستقلين» المستخدمة من قبل البنك هي مجرد كلمة تجميلية بخصوص تغيير مؤقت طرأ على أحد دوائر المصرف وسوف لن يعمل تركيب لوحة تحمل اسما جديدا على تغيير التوقيع الذي يتم وضعه على شيك دفع الرواتب أو على المكافآت الخاصة بجهاز الموظفين التابع للبنك. وتعتبر «مجموعة التقييم المستقلة» بمثابة دائرة في المصرف كأية دائرة أخرى فيما عدا شكليات تسلسل التبعية إلى مجلس الإدارة التنفيذي والتي تكون في افضل حالاتها سلبية.

عند وضع مسألة «الاستقلالية» جانبا فإن منهجية التقييم التي يتبعها المصرف تقوم باستفراغ تلك الاستنتاجات من دون أن يكون لها أية قيمة. أما الأشياء التي يقوم البنك بالإعلان عنها كنتائج فهي في واقع الأمر عبارة عن توقعات فقط تم صوغها في لحظتها عندما يكون التفاؤل في وضعية عالية. ويقوم البنك بتعريف كلمة «النتيجة» على أنها تعني فعلا فقط «احتمالية» أن يكون ذلك المشروع أو البرنامج ناجحا وفق ما تم تصنيفه من قبل ضابط القروض عندما يتم الانتهاء من تقديم الأموال. وقد تجري مثل تلك الأشياء وفي أحيان كثيرة قبل سنوات عدة من إدارة وتشغيل المشروع المادي. فـ «برامج الإصلاح (الاقتصادي)» المعممة والشائعة هي التي تقوم بجذب أعلى الدرجات. ومع ذلك، تتطلب الإصلاحات الموعودة سنوات عدة لإحداث تأثير على الاقتصاد إذا صادف وتم تنفيذها فعلا.

ولم يحدث أن قام المصرف بالعودة إلى تفقد وتفحص نجاح مشروع طويل الأجل إلا في حالات نادرة إذ إن هناك الكثير من التحريات التي تمت في موقع المشروع قد توصلت إلى لا شيء بفعل افتقارها إلى الرقابة والسجلات. أما التركيز فهو يكون منصبا على كمية مدخلات البرامج مع بذل القليل من الجهد ليشمل قياس المخرج الفعلي الذي سينتج عن تلك البرامج.

ولقد تم التلاعب بمقاييس الأداء كي تعمل على دعم ادعاءات ومزاعم الإدارة في تحقيق النجاح وفي دحض النقاد. وفي أواخر أعوام التسعينات من القرن الماضي قفزت مرتبة التصنيفات الإرضائية عندما تمت مراجعة المعايير استنادا إلى تعليمات إدارة المصرف من دون أن تتم تسوية مقابلة في السنوات السابقة لضمان التناغم والتناسق في القياس، بناء أيضا على تعليمات صادرة عن إدارة المصرف.

يبدو أن المصرف أكثر كفاءة ودقة في إدارة أرقامه مقارنة بإدارة برامجه! المطلوب هو وجود مدقق حسابات خارجي حسن النية يتم إرساله إلى موقع المصرف من قبل القطاع الخاص ليقوم بالبت في المساهمات الدائمة التي يقوم بها في مشروعاته لدى الدول الأشد فقرا بعد تاريخ تشغيلي يمتد ما بين 3 إلى 5 سنوات وليعطي مقياسا فعليا دائما بالنسبة لفعالية وكفاءة المعونات التي يقدمها.

إن تقديم مقادير كبيرة من الأموال سوف لن ينهي مسئولية الدول الغنية تجاه الدول النامية. فللمانحين اهتمام لا مهرب منه في الاستخدامات التي يتم تخصيص المعونات لها وفي النتائج التي ستحققها تلك المعونات. ويجب أن يتم وزن هذه المبالغ المهمة مقابل الاستخدامات البديلة بالنسبة للموارد النادرة لدافعي الضرائب.

لقد حانت اللحظة المناسبة كي يتم الإصرار على أن البنك الدولي يجب أن يخضع لمراجعة ولتدقيق خارجي جدي ومستمر وأن يصبح قدوة في الشفافية والمساءلة بحيث تقتدي به الدول النامية وأن يصبح توفير تدقيق خارجي ليقوم بتدقيق أداء البنك كل ثلاث سنوات شرطا من شروط موافقة اتفاق مجموعة الثمانية على تخفيف عبء الديون وعلى تمويل المعونات المستقبلية. فسوف لن يكون هناك إصلاح اقتصادي من دون الاعتراف بالإخفاقات التي تمت في الماضي.

*بروفيسور في علم الاقتصاد لدى جامعة كارنيجي ميلون،

والمقال ينشر بالتعاون مع «مصباح الحرية»

www.misbahalhurriyya.org

إقرأ أيضا لـ "مصباح الحرية"

العدد 1660 - الجمعة 23 مارس 2007م الموافق 04 ربيع الاول 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً