العدد 1659 - الخميس 22 مارس 2007م الموافق 03 ربيع الاول 1428هـ

الطريق طويل إلى الجنة... فمن يصمد أمام هذا التحدي؟

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

«ماذا تريد؟ لماذا تفتك بنا وتقتلنا دوما؟ ما الخير الذي يمكن أن يأتي من هذا؟» هذه جملة من الأسئلة وجهتها الأميركية هانا كاتريل إلى هاجي إسماعيل وهو مسلم بارز من بالي عندما التقيا في المستشفى في بالي في أولى ليالي تفجيرات بالي، في 12 أكتوبر/ تشرين الأول 2002.

هانا كاتريل لم تكن لتتقبل الأمر أن مكانا أشبه بالجنة شهد حوادث مأسوية مماثلة للتي سرقت حياة صديقها منها في المأساة التي وقعت في 11 سبتمبر/ أيلول. وكغيرها من الغربيين، لم تعد تفصل ما بين المسلمين والإرهابيين.

وجاء رد هاجي إسماعيل: «إن مرتكبي تلك الجرائم يجهلون المعنى الحقيقي للإسلام وعن مدى أهميته العظيمة. ويعتقدون أن بأفعالهم هذه يدخلون الجنة عبر طريق مختصر. في الحقيقة، لا يوجد هناك طريق مختصر للجنة، فالطريق المؤدي اليها طويل جدا».

هذا الحديث الدائر جاء في مشهد من فيلم «الطريق طويل إلى الجنة» (LRtH) أخرجه المخرج الإندونيسي المعروف إينيسون سينارو وأنتجته شركة أميركية دولية TeleProduction بالتعاون أيضا مع شركة أفلام كاليانا شيرا في اندونيسيا. وقد اطلق فى أندونيسيا حديثا وسيقدم إلى مهرجانات الأفلام الدولية والأسواق.

الفيلم، والذي كتبه السنغافوريان اندي لوغام تان وونغ وي لينغ، يبحث في مسألة الجهاد المسلح، متمحصين أيضا بمفهوم الجنة ومدى تحكمه بتاريخ الإنسانية. فالجهود المبذولة للوصول إلى الجنة كثيرا ما تؤدي الى العنف والعذاب اللذين يتنافيان مع صورة الجنة ذاتها.

وبطرحها لمأساة تفجيرات بالي العام 2002 كخلفية للفيلم، تختلق الـ LRtH أربعة قصص حول تعقيدات البحث عن الجنة في رواية معقدة. وفيما تحدث القصص الأربع في أزمنة مختلفة، تعرض جميعها بالتزامن في الفيلم تتخلل كل واحدة الأخرى.

تبدأ مجريات القصة الأولى قبل سنة واحدة من حوادث بالي العام 2002، في الوقت الذي كان يخطط فيه للعملية كبار القادة في كلا المنظمتين المسئولتين عن التفجيرات (جماعة إسلامية ومانتيقي 1). ترتكز هذه القصة على مخلص رئيس عمليات الجماعة الإسلامية وهو يقنع الحمبلي كبار أعضاء القاعدة من غير العرب وذلك لاختيار بالي هدفا للانفجارات والسبب في ذلك يعود إلى حادثة سابقة عندما رفض أحد الأشخاص يرتدي قميصا كُتبت عليه عبارة «أحب بالي» الركوب معه في مركبة واحدة.

أما الحكاية الثانية، فتحدث قبل نحو شهر من تفجيرات بالي، يظهر فيها علي عمرون وغيره من المتآمرين وهم ينفذون خطة تركز على التنافس بينهم وبين دوافعهم الخفية.

وتجري حوادث القصة الثالثة بعد دقائق من القصف بينما يقوم المتطوعون بانقاذ الجرحى وتحديد الموتى. وهنا، وفي أثناء تفاعلها مع هاجي إسماعيل، تواجه هانا افكارها المسبقة وتصوراتها عن الإسلام والمسلمين.

آخر قصة تحدث بعد سنة من التفجيرات، عندما تقوم الصحافية ليز ثومبسون بزيارة بالي من أجل الخروج بقصة ما. تطوف ليز في أجواء المدينة لتجري مقابلات مع سكان بالي إزاء مشاعرهم تجاه المأساة التي حصلت ومرتكبيها، بينما يرافقها على الدوام وايان ديفا وهو سائق تاكسي كانت قد استأجرته. ولكنها تخفق في محاولتها للحصول على تصريحات مفيدة. وكان الرد الذي تلقته على الدوام هو «ستتحسن الحياة». وقد تعلمت من وايان أن سكان بالي يؤمنون بأن الحياة هي عملية بقاء الأشياء متوازنة، لذلك نجدهم يغفرون عن الخطايا والشر، حتى أنهم يؤمنون بأن تلك الأفعال ما هي إلا عقوبة من الالهة لذنوبهم.

وعلى رغم ان الفيلم يهدف أساسا الى تصوير المأساة، لكنه لم يفلح في الهروب من تناول الخلافات الأخلاقية. فمن جهة، يصور الفيلم مشاعر التعزي والاهتمام والمخاوف. ومن جهة أخرى، الجانبان الفني والترفيهي يظهران عدم الاكتراث لمأساة وحزن الضحايا وأسرهم.

«إنه أمر لا مفر منه، لكننا لن نستغله. هناك الكثير من الدروس التي يمكن ان نستخلصها من هذه المأساة» قال المدير اينيسون.

اينيسون على حق. أحد هذه الدروس يظهر واضحا من خلال الكلمات الحكيمة التي قالها هاجي إسماعيل في أثناء محادثته مع هانا: «كل ما يراه المفجرون هي الأشياء الصغيرة، إذ لا يستطيعون التخلص من الماضي، ولا النظر إلى ما وراء الألم».

وعلى رغم أن هذه الكلمات موجهة الى مرتكبي الجرائم، فإنها تنطبق أيضا على الحديث الأخلاقي أعلاه، موضحا أن هذا الفيلم يتجاوز فقط تصوير «الجنة المفقودة» ليستعرض دروسا يمكنها ان تؤدي إلى «استعادة الجنة». وعندما استمعت هانا إلى هذا، أدركت كيف أن أفكارها المتعصبة هذه، والتي نبعت من شعورها بالغضب على الجنة المفقودة والحزن على وفاة صديقها في اعتداءات 11 سبتمبر/ أيلول، يمكن أن يؤدي بها إلى شعور الكراهية العمياء وهي المشاعر ذاتها التي دفعت بالمتفجرين إلى نهاية مختلفة.

ثانيا، وربما الأهم، يمكن النظر إلى الفيلم على أنه رسالة موجهة إلى المشاهدين إننا بحاجة إلى مزيد من الفهم والإدراك لموقف الإرهاب أو العنف. علينا أولا أن نتصالح مع أنفسنا ، والابتعاد عن «الأنا» الخاصة بنا. وعندئذ فقط يمكننا أن نذهب إلى مواجهة «الآخر» من دون أي شروط.

هذه ليست مهمات سهلة، لكن الطريق إلى الجنة طريق طويل، كما يصفه إسماعيل. فمن يصل إلى مستوى هذا التحدي؟

* أديب وكاتب مسرحي وفلسفي إندونيسي، له كتب عدة منها: «من غراماتولوغي، 2004»

و «بيتنيكس» وغيرهما من القصائد. والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 1659 - الخميس 22 مارس 2007م الموافق 03 ربيع الاول 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً