تشهد الساحة البحرينية هذه الأيام حراكا من نوع خاص يتجه إلى مطالبات برفع الرواتب بغرض تحسين الأوضاع المعيشية، بعد أن فزع المواطن من الفقر والحاجة. مع ذلك لم تكن مطالبهم مبالغا فيها بل عرفت بكونها منطقية فالزيادات لا تتجاوز الـ 20 في المئة من أصل رواتب ضعيفة، وبعضها يطالب برفع سقف الرواتب الأساسية إلى 200 أو 300 دينار فقط، بعد موجة الغلاء التي اجتاحت البحرين، والسكوت المخيم من قبل الجهات الرسمية وكأن الامر لا يعينها، أما الآمال الكبيرة المعلقة التي يتمنى الناس أن تتحقق اليوم قبل الغد فهي مازالت مؤجلة، فمارثون المطالبات من خلال العرائض والاعتصامات قد بدأ ولا نعلم هل ستستمر حلقاته، أم سيكون هناك تجاوب وتفاعل من قبل الجهات الرسمية وبالتالي وضع حد للمطالب.
أعتقد بأن المتابع للساحة البحرينية يجد بأن المارثون بدأ فعلا عندما أطلقت النقابات العمالية متمثلة بالاتحاد البحريني لعمال البحرين عريضة للعمال بهدف رفع رواتبهم بمقدار 15 في المئة على أقل تقدير ويبدو واضحا أن هناك تجاوبا واضحا من قبل العمال ومطلبهم المحدد، ولكن لا ندري إلى الآن مدى استعداد الحكومة لتتفاعل مع هذه المطالب، وخصوصا أن الرواتب ما عادت تنفع أو «تأكل عيش» للناس التي ترغب في أن تعيش حياة كريمة، فالرواتب «منتفة» والعامل الفقير ينتظر راتبه بفارغ الصبر، وما أن يحصل عليه ينقضي بسرعة فائقة وينتظر من جديد، وهكذا، فحياته أصبحت عبارة عن انتظارات طويلة ومملة، وبات من المؤكد أنه لا يمكن له تعديل أحواله المعيشية إلا من خلال حركة إصلاحية للأوضاع المعيشية والاقتصادية، حركة إصلاحية لن تكون إلا من خلال حركة المطالبات.
قالها رئيس الوزراء وكررها مرارا وتكرارا «الساكت يضيع حقه»، وعلى العمال أن يستفيدوا من هذه المقولات للدفاع عن حقوقهم وحقوق عوائلهم.
العريضة الثانية التي انطلقت إثر الشرارة الأولى كانت عريضة المعلمين التي تطالب برفع رواتبهم 20 في المئة على أقل تقدير، بعد أن انطلقت بتنظيم من جمعية المعلمين الجهة الأهلية التي تمثل قطاع المعلمين والمعلمات وبدأت حينها عجلة المطالبات بعد ردح من الزمن من السكون والهدوء تهب العاصفة.
لا ندري كم من الوقت سيصمد المعلمون الذين عودونا على أن يظلوا صامتين لا يطالبون ولا يتفاعلون مع قضاياهم وكل يغني على ليلاه.
تعرف شريحة المعلمين بأنها أبطال الشكوى والتذمر في الغرف المغلقة، وتكاد هذه الشكاوى لا تتجاوز جدران صفوفهم أو غرف منازلهم، خوفا من الملاحقات، وإلحاق الأذى بهم وبمستقبلهم المهني، لا أعرف ما الذي تهددهم به وزارة «التربية» لكي يظلوا هكذا ساكتين عن حقوقهم، فالحياة قد تغيرت كثيرا وأعلم يقينا أن هناك الكثير من الإصلاحيين في الوزارة وعلى رأسهم الوزير وتهمه كثيرا المطالبة بالحقوق فالحق يؤخذ ولا يعطى، ولعلنا نستفيد من الدروس، فلا أحد يزايد على أهمية المدرس ودوره فمعظم التجارب في البلدان التي حققت نهضة تربوية لجأت في البدء إلى إعادة تثمين لوظيفة المعلّم في كل المراحل عموما والابتدائية خصوصا وزيادة الحوافز المعنوية والمادية لهذه الوظيفة، إذ ظهرت هذه الأهمية من خلال دراسة لليونسكو قارنت بين عدة بلدان مثل اليابان وألمانيا وأميركا الشمالية التي اعتمدت استراتيجية متكاملة لتحسين وتحفيز العناصر البشرية على امتهان مهنة التعليم الابتدائي، نظرا إلى أهمية دور المعلم في التأثير على نسب الرسوب والتسرب.
كما أنه من الأساسي إيلاء عملية إعداد وتأهيل المعلمين الاهتمام الكبير الذي تستحقه، وذلك لأن طرق التعليم المتبعة تؤثر بشكل كبير على معدلات التسرب والرسوب، بالإضافة الى إعداد مديري المدارس على تبني مشروعات وخطط للمدرسة يُحفز كل الأطراف من معلمين وتلامذة ومديرين على تنفيذها، وفي ذلك نجد أن هناك الكثير من الممارسات التربوية التي تحتاج إلى إعادة النظر، إلى جانب التعامل معها بشكل مادي بغرض تحقيق الاكتفاء النفسي والصحة النفسية، وأركز هنا على المرحلة الابتدائية تحديدا لكونها مرحلة الأساس ولا يمكن التفريط بها بأي حال من الأحوال فعند تنفيذ مشروع بناء على سبيل المثال، فإن أكبر موازنة للبناء تضخ للأساسات لكي يكون البناء متين وقوي ويعتمد عليه، وعندما نأتي إلى الموضوع ذاته نجد أن رواتب معلمي المرحلة الابتدائية مساوية للمراحل الأخرى على رغم صعوبة مهمتهم من جهة، وخصوصية المسئولية المناطة بهم من جهة أخرى، فلم تضع الوزارة في حسابها على سبيل المثال أن تعطي المعلمة التي تدرس بنين حافزا ماديا لكي تشجعهم على الصبر على وضعهم بل تساوت بينهم فوقع الظلم على البعض وارتاح البعض الآخر، كما لم تضع معيارا محددا كأن تحدد عددا من السنوات وبالتالي إجراء عملية التدوير، بحيث يتساوى الجميع، وكل ما فعلته أنه عندما توظف المعلمة في مدرسة بنين تظل طوال تاريخها الوظيفي تدرس الجنس نفسه إلا ما رحم ربي، من خلال العلاقات العامة أو ما شابه ذلك.
نعود إلى قضية الاضرابات والاعتصامات العامة، فمن خلال متابعاتنا نجد أن هناك إضرابا من قبل (80) من سواق النقل العام التابعين لشركة كارس لمدة ساعة ونصف الساعة بعد أن طالبوا شركتهم برفع رواتبهم من 200 إلى 300 دينار كراتب أساسي بالإضافة إلى مطالب أخرى، وبعد أن حققت الشركة عوائد مادية بفضل جهود السواق أنفسهم، لكنها تنكرت لهم ومنعت عنهم الزيادات، وهم الآن بفضل الغلاء يصحون على ضرورة الحركة المطلبية.
وإضراب آخر من (85) موظفا لمدة ساعتين عند وزارة العمل يعملون في شركتين مطالبين برفع أجورهم إلى 200 دينار، يعني مطالبهم تنحصر في زيادتها بمقدار 40 دينارا فقط، وكأننا نعيش في جزيرة الواق واق وليس في أحد بلدان الخليج العربي بلد اللؤلؤ والمرجان والذهب الأسود.
ومع كل تلك الشجون لا ندري كم هو مستوى تفاعل الجهات الرسمية حيال مطالب العمال الكادحين الذين يكدحون ليل نهار ورواتبهم تكاد لا تتناسب مع الجهود التي تبذل، ولا ندري أيضا إلى أية درجة ستصل نسبة تفاعل أكبر قطاع مع عريضتهم وهم الذين اعتدنا على مواقفهم الراكدة، فهم لا يكادون يندبون حظهم، وأكبر دليل ابتعادهم عن الجمعية التي أشهرت وتأسست لتكون الناطق بلسان حالهم، ولكن قلوبهم معها وسيوفهم عليها كما يقال. ولم يتوحدوا تجاه مطالبهم ولذلك ظلت حقوقهم منسية لعقود طويلة حتى بعد أن أقر الكادر وطبق، لم يعبروا عن رأيهم بشأنه، على رغم ما تمثل مهنتهم من ضرورة قد تفوق الكثير من القطاعات الأخرى.
نتابع ونرصد المتغيرات من على سطح سفينة الوطن، ولعلنا نجد بوصلتنا التي فقدناها، ونرسو على بر الأمان من خلال إصلاح معيشي يحفظ الحياة الكريمة لنا ولأبنائنا وللأجيال المقبلة لا يهمنا إن كان من خلال عرائض أو اعتصامات أو إضرابات، كل ما يهمنا أن نطالب بالحقوق حتى نحصل عليها فـ «الساكت عن الحق شيطان أخرس».
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 1658 - الأربعاء 21 مارس 2007م الموافق 02 ربيع الاول 1428هـ