حل المشكلات البيئية أساسه معاقبة المُلَوِّثِين وإيجاد شرطة بيئية وإدخال التوعية البيئية والتربية البيئية في المناهج المدرسية. لم أقل هذه العبارة - هذه المرة - بل استمعت إليها على لسان تلميذات من الصف الابتدائي السادس خلال استعراض نتائج برنامج قائد النشاط المدرسي المميز بعنوان «بيئتي كيف أحميها من التلوث»، الذي نفذته مدرسة بلقيس الابتدائية للبنات بدمستان بالمحافظة الشمالية بالتعاون مع إدارة الأنشطة والخدمات الطلابية بوزارة التربية والتعليم.
صغيراتنا يشعرن بالمشكلات البيئية وقلقات بشأن التلوث، فهن من اخترن موضوع المشروع، كما أخبرتني ذلك مديرة المدرسة أمينة الحدي وهي تسير معي في المدرسة الجميلة باتساعها وبأشجارها القديمة وبعصافيرها التي تملأ المدرسة أنغاما عذبة.
سارة كانت أولى التلميذات التي التقيتهن من مجموعة القائدات وخلال استعراض إنجاز كل مجموعة ممثلة بقائدات النشاط تبيّن أن التلميذات بحثن في موضوع التلوث وتعرفن إلى أنواعه وإلى مسبباته، بل الحلول المقترحة للتعامل معه وعملن «بوسترات» وكتيبات توعوية، ونظمن مسابقة رسم بين جميع التلميذات لتشجيعهن على التعرف إلى الموضوع، بل إن التلميذات أعددن الإعلانات الدعائية للمسابقة لضمان جذب تلميذات المدرسة للمشاركة، أي أنهن تعلمن ومارسن مهارات التسويق للعمل البيئي!
عندما قدّمت قائدة الإذاعة المدرسية فِقرتها التي حوت كلمة ومسرحية بيئية وعندما قدمت قائدة الابتكار نماذجَ لأدوات ووسائل تعليمية تم صنعها من نفايات سابقة، وعندما قدمت قائدة النشاط الموسيقي نشيدة تعرِّف بالبيئة وتدعو إلى حمايتها، عندما كانت المقدمة الرئيسية تتحدث بتلك الطلاقة والأريحية وتعرِّف بالقائدات ليعرِّفن بأعمال مجموعاتهن، وكانت كل قائدة بدورها تتحدث لغة عربية جميلة. كنا جميعا فخورات بتلميذاتنا وممتنات للجهد الكبير الذي بذلته المدرسة ومعجبات بهذه المبادرة من وزارة التربية والتعليم.
المبادرة كانت عن برنامج قائد النشاط الذي كان من الممكن أن يكون في أي مجال. فخري بتلميذات مدرسة بلقيس كان أساسه اختيارهن موضوع البيئة بالذات، فذلك هو ما جعل من النشاط التربوي برنامجا بيئيا توعويا.
اقترحت قائدات النشاط وفرقهن حلولا لمشكلات بيئية بذاتها، إلا أن الذي لفت انتباهي أكثر من أي شيء آخر كان الفهم البسيط والواضح في آن، لحلول المشكلات البيئية لدى التلميذات.
أكثر من تلميذة كررت بعد سارة (قائدة المقابلات) أجزاء الحلول الرئيسية: معاقبة المُلَوِّثِين وإيجاد شرطة بيئية وإدخال التوعية البيئية والتربية البيئية في المناهج المدرسية.
عندما يعرف كل شخص أهمية الحفاظ على البيئة عبر التربية البيئية منذ نعومة أظفاره ويتعرف إلى القوانين والضوابط البيئية، وعندما يتم إعداد شرطة بيئية نظامية واعية ويتم التعريف بها بدءا بالمدارس، عندها سيعرف من يفكر في ارتكاب مخالفة أنه سيتم ضبطه ومحاسبته وسينال عقابا لا يرغب فيه.
تحدثت قبل أشهر عن موضوع الرقابة البيئية، ومتى تفقد القوانين البيئية قوتها ولا تعود لوجودها أهمية. وكانت من أهم الخلاصات التي قدمتها حينئذ أن الرقابة البيئية وشعور المخالف بالمراقبة ويقينه بالمحاسبة وأن خسائر العقاب أكبر من أن تتم المقامرة بها هي ما تعطي للقانون احترامه وهيبته. وسائل تحقيق ذلك تستقى من هذه الخلاصة.
هل آن الأوان لتكون للبحرين شرطتها البيئية النظامية المدربة؟ هل يتم إعلان القوانين البيئية والتعريف بها وشرحها وتفصيلها بحيث يفهمها الجميع ويدرك أهميتها ويقتنع بضرورة وعدالة العمل بها؟ بل هل نستطيع أن نحلم بأن يصل الأمر إلى أن يصبح كل مواطن ومقيم رقيبا على بيئته؟
من خلال ما سمعته ورأيته في مدرسة بلقيس ومدارس البحرين الأخرى التي أزورها قدر استطاعتي، فإن الأطفال لن يترددوا في القيام بهذا الدور، بل سيتحمسون له وسيبدعون فيه. المشكلة الوحيدة أنه لم تتم دعوتهم للقيام بهذا الدور ولا إعدادهم له.
الواقع أن نشطاء الجمعيات البيئية والذين يملأون الصحف بنتائج جولاتهم الاستطلاعية لأحوال البيئة وبنواقيس الخطر التي يدقونها سعيا وراء لفت النظر إلى المشكلات القائمة والمخالفات غير المرصودة، هؤلاء النشطاء لا يحصلون على أي تشجيع ناهيك عن التدريب والإعداد وصقل القدرات؛ هم يعتمدون على تقديرهم الأمورَ وتعلمهم من أقدرهم وأكثرهم خبرة وكفاءة، أي أنهم يعتمدون تماما على جهودهم التطوعية المحدودة بعوامل عدة كالموارد المتاحة، الوقت وحدود الحركة.
هل نستطيع في ظل هذه الأوضاع أن نتفاءل ونتوقع أن تكون للبحرين شرطتها البيئية النظامية وتنجح في لفت انتباه المواطنين والمقيمين أطفالا وكبارا ليكونوا أكبر وأفضل رقابة بيئية حقيقية من الممكن لأي بلد أن يحظى بها بعد أن ينجح البلد في إعدادهم لتحمّل هذه المهمة الأساسية التي تحتاج إلى سنوات من الجهد على مستوى رياض الأطفال والمدارس والجامعات والإعلام بكل أشكاله، بل التوعية الموجهة إلى فئات بعينها كربّات البيوت والمتقاعدين؟
أعتقد أننا تأخرنا كثيرا! فالبحرين تحتاج اليوم إلى وجود الشرطة البيئية النظامية مدعومة بالرقابة الشعبية!
ما أجدرنا إذا البدء كيلا يزيد تأخرنا أكثر...
إقرأ أيضا لـ "خولة المهندي"العدد 1657 - الثلثاء 20 مارس 2007م الموافق 01 ربيع الاول 1428هـ