مع أجواء التصعيد التي تمارسها الولايات المتحدة لإحباط التحرك الفرنسي - الألماني الذي تدعمه روسيا والصين، والداعي إلى استمرار عمليات التفتيش. وعلى رغم التباين الأميركي - الأوروبي، في مجلس الأمن بشأن الحرب المقبلة على العراق وعلى رغم ان روسيا لوحت باستعمال «الفيتو» في مجلس الأمن، بالإضافة إلى الممانعة الفرنسية - الألمانية المتواصلة حتى الآن ضد الحرب فإن الأميركيين يتصرفون على أساس ان الحرب بدأت فعلا.
وأعلنت واشنطن ان عديد القوات الاميركية وصل إلى 150 ألف جندي في منطقة الخليج والدول المحيطة بالعراق. وكشفت ان وحدات خاصة بدأت العمل داخل هذا البلد تمهيدا للغزو المحتمل. في أي حال تستبعد مختلف الصحف الأميركية كما التقارير الصادرة من واشنطن أن تحيد الإدارة الأميركية برئاسة جورج بوش الابن عن تحقيق غاياتها في منطقة الشرق الأوسط، والتي عبر عنها صراحة وزير الخارجية الأميركي «الحمائمي» كولن باول، في تصريحاته قبل فترة وجيزة، كما المبادرة التي أعلنها باول أيضا في ديسمبر/ كانون الأول 2002، التي وعد شعوب الشرق الأوسط فيها بالعمل سويا على إنجاز مهمات التحولات الديمقراطية ومكافحة البطالة وإدماج المرأة في المجتمع. وتحدث وكيل وزارة الدفاع الأميركية دوغلاس فيث، والمسئول في الوزارة مارك غروسمان، أمام لجنة الشئون الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، عن خطط لاحتلال العراق عسكريا مدة سنتين في حال حدوث غزو. وقال فيث ان الاحتلال الأميركي سيفيد «إسرائيل» والسلام في الشرق الأوسط. لكن الجنرال المتقاعد أنطوني زيني، حذر أمام اللجنة من ان أية حكومة عراقية مؤيدة لـ «إسرائيل» لن تستمر طويلا قائلا: «بتغيير الحكومة في العراق انك لا تغير الاتجاه في شأن هذه القضايا (المتعلقة بالصراع العربي - الإسرائيلي) لا يمكن أن ينجح أحد في الحكم باتباع هذا النهج الموالي للأميركيين و«إسرائيل» في هذه البيئة اليوم». عمليا، استبعدت «واشنطن بوست»، أن يساهم التقرير الذي يرفعه رئيس فريق التفتيش الدولي هانز بليكس، إلى مجلس الأمن في حل الأزمة القائمة بين الولايات المتحدة وأعضاء آخرين في مجلس الأمن بشأن ما إذا كان يجب على فريق التفتيش الدولي استكمال عمله، أم انه يجب اتخاذ قرار ثان يقضي باستخدام القوة لنزع السلاح العراقي. ولاحظت «نيويورك تايمز»، في مقالها الافتتاحي أيضا، ان الإدارة الأميركية فشلت في تأكيد العلاقة بين صدام حسين، وتنظيم «القاعدة». ورأت انه على رغم ان العلاقة بين العراق، وتنظيم «القاعدة» أمر غير مستبعد، فإن الأدلة التي عرضتها الإدارة الأميركية في هذا الشأن مازالت ضعيفة. ومن هنا لفتت الصحيفة الأميركية، إلى ان الأدلة التي تثبت ان بغداد ترفض التعاون مع مجلس الأمن لنزع سلاحها تتزايد يوما بعد يوم. كما ان هناك أدلة تؤكد ان العراق يخفي معلومات مهمة عن برامج أسلحته النووية والبيولوجية والكيماوية. فاعتبرت ان هذا النهج العراقي في حد ذاته يبرر الخيار العسكري. ولذلك رأت ان الإدارة الأميركية ليست مضطرة إلى تعريض صدقيتها للخطر من خلال ادعاءات غير مدعمة بإثباتات قوية بشأن التحالف بين العراق و«القاعدة».
لكن المفارقة التي كشفتها الصحف الأميركية عن تقارير تؤكد ان مشروع ضرب العراق سابق لحوادث 11 سبتمبر/أيلول، وما الرسالة الموقعة من أبرز صقور الإدارة الأميركية الحالية، والموجهة إلى الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون في 26 ديسمبر من العام 1998، يدعونه فيها إلى إعلان استراتيجية جديدة تضمن أمن الولايات المتحدة وحلفائها وأصدقائها في العالم على أن يكون الرئيس العراقي صدام حسين الهدف الأول لهذه الاستراتيجية.. وأوضح الموقعون، ان سياسة احتواء صدام حسين، أثبتت فشلها، وان قدرة الولايات المتحدة على معرفة ما إذا كان صدام مستمرا في تطوير برامج أسلحته تضاءلت بعد أن أخرج المفتشون الدوليون من العراق. وحذروا من انه إذا استطاع العراق امتلاك أسلحة نووية، فإن سلامة الجنود الأميركيين في منطقة الخليج، وسلامة أصدقاء وحلفاء الولايات المتحدة مثل «إسرائيل» ستتعرض لخطر كبير. واللافت ان جميع الموقعين على تلك الرسالة هم صقور الإدارة الحالية ومن المبشرين بالحرب على العراق الآن، وهم: إليوت أبراهامز، وريتشارد آرميتاج، ووليام بينيت، وجيفري بيرغنر، وجون بولتن، وروبرت كاغان، وزلماي خليل زاد، وريتشارد بيرل، ودونالد رامسفيلد، وبول وولفويتز، وفين ويبر، وروبرت زوليك، وجايمز وولسي، ووليام شنيدر، ووليام كريستول، وبولا دوبريانسكي، وفرنسيس فوكوياما.
المخاطرة بكل شي
وجاء واضحا الاتجاه نحو تصعيد الإدارة الأميركية في المنطقة وللأزمات على المستوى العالمي، في تقرير صدر عن ميدلي غلوبل أدفيزرز (تقرير خاص جيوبوليتيكي) إذ نقل عن مصدر رفيع المستوى في الكونغرس الأميركي ان الإدارة الحالية تبدو مستعدة للمخاطرة بكل شيء من أجل تحقيق غاياتها. ولفت الموقع إلى ان الاقتصاد العالمي بات رهينة ما أسماه الدراما العراقية.. كما ان مستقبل حلف الأطلسي (الناتو) والأمم المتحدة بات على المحك. ورأى الموقع ان الأزمة التي ظهرت خلال الأسبوع الماضي بشأن المسألة التركية في «الناتو»، أظهرت بوضوح ان هناك شرخا كبيرا داخل أوروبا. من جهته، توماس فريدمان في «نيويورك تايمز»، رأى ان التوتر المتصاعد داخل التحالف الغربي المتمثل في حلف الناتو وفي الأمم المتحدة عن طريقة التعاطي مع العراق بدأ يثير المخاوف من احتمال انهيار هذا النظام الأمني الذي حقق الاستقرار في العالم خلال 50 عاما... كما رأى ان على صقور بوش أن ينتبهوا إلى انهم لا يستطيعون تحقيق هدفهم النهائي بنزع أسلحة العراق من دون الحد الأقصى من الشرعية الدولية، كما ان على الحمائم الأوروبيين أن يعرفوا انهم لا يستطيعون تحقيق هدفهم في الوصول إلى حل سلمي للعراق والمحافظة على الأمم المتحدة من دون تهديد جدي باستخدام القوة ضد صدام حسين... وخلص فريدمان، إلى ان الولايات المتحدة ربما لن تستطيع في النهاية تكوين هذا الحلف ولكن عليها أن تبذل جهدا خارقا كي تحققه قبل خوض الحرب لأن أميركا لا تستطيع بناء أمة وحدها وخصوصا العراق.
تحويل الخريطة العربية
وإذ أقر نيكولاس ليمان في مجلة «نيويوركر» الأميركية ان هناك مجموعة من الأسباب التي دفعت الإدارة الأميركية إلى اتخاذ قرار بشن هجوم عسكري ضد العراق، لاحظ ان هناك نقاشا بدأ يظهر خلال الأشهر القليلة الماضية بشأن عراق ما بعد صدام حسين، وتأثيره على الأجواء العامة السياسية والثقافية والاقتصادية في الشرق الأوسط. لافتا إلى ان الخبير في شئون العالم العربي فؤاد عجمي، المقرب جدا من إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش، كتب في مجلة «فورين أفيرز» الأميركية، ان على الولايات المتحدة أن تقود مشروع إصلاح يهدف إلى تحديث وتحويل الخريطة العربية. وأضاف ليمان، ان عجمي، اعتبر في مقاله ان العراق يجب أن يكون نقطة البداية، على أن تليه مهمة تحديث وتطوير الخريطة العربية على الصعيد السياسي والاقتصادي والثقافي. وأشار ليمان، إلى ان نائب وزير الدفاع الأميركي بول وولفويتز، يعتبر من أبرز المؤيدين لهذه الرؤية، حتى ان الرئيس بوش، بدا مؤيدا لهذه الرؤية في خطابه عن «حال الاتحاد» حين قال ان كل الشعوب لديها الحق في اختيار حكوماتها، وفي تقرير مصيرها وان الولايات المتحدة تدعم تطلعات الشعوب للتمتع بالحرية. كما أشار ليمان، إلى مجريات حديث أجراه حديثا مع اثنين من أبرز صقور الإدارة الأميركية عن مستقبل الشرق الأوسط بعد صدام حسين، وهما دوغلاس فايث، وستيفين كامبون. لافتا إلى ان فايث، اعتبر انه إذا استطاعت الولايات المتحدة خلق نموذج سياسي ناجح في العراق فإن تأثير هذا النجاح سينعكس إيجابا على كل دول منطقة الشرق الأوسط. وعن ما إذا كان النصر الأميركي في العراق، سيؤدي إلى كبح جماح بعض المنظمات التي وصفها بـ «الإرهابية» مثل حزب الله، الجهاد الإسلامي التي تنشط بدعم من دول المنطقة. أجاب فايث، ان المنظمات «الإرهابية» لا تستطيع أن تستمر لمدة طويلة من دون دعم الدول الراعية لها، إذ انها بحاجة إلى قواعد تنطلق منها لشن عملياتها. ورأى فايث، انه إذا قادت الولايات المتحدة حملة عسكرية للإطاحة بنظام صدام حسين، فإن هذا الأمر سيؤثر على الدول الأخرى، التي ستفكر مليا قبل أن تقدم الدعم إلى المنظمات «الإرهابية» مخافة أن تكون التالية على اللائحة الأميركية بعد النظام العراقي. ولفت ليمان، إلى ان كامبون، تحدث من جهته عن تأثير النفط العراقي على السياسة الداخلية لبعض الدول في منطقة الشرق الأوسط مثل سورية والأردن اللتين تعتمدان بشكل كبير على هذا النفط. ورأى كامبون، انه إذا أصبح النفط في يد حكومة أخرى، فإن هذه الحكومات ستشعر بحرية أكبر لمقاومة الراديكالية الإسلامية. كما أشار ليمان، إلى أبرز ما ورد في كتاب «حلفاء الطغاة» لديفيد وورمسر، الذي يعتبر من أبرز الصقور داخل وزارة الخارجية الأميركية. لافتا إلى انه جاء في السيناريو الذي وضعه وورمسر، ان الحكومة التي ستأتي بعد صدام حسين، ستضمن تمثيلا مهما للغالبية العراقية الشيعية. الأمر الذي سيؤدي إلى زوال الشرعية عن رجال الدين الإيرانيين الذين يمثلون مركز القوى الإقليمي للشيعة في المنطقة. وأضاف وورمسر في كتابه، انه بعد سقوط النظام في إيران، ستقنع الولايات المتحدة الحكومة الجديدة بوقف البرامج النووية وبوقف دعمها للمنظمات «الإرهابية» في الشرق الأوسط وخصوصا حزب الله. وأضاف وورمسر، انه بالنسبة إلى سورية، التي ستصبح محاطة بقوى موالية لأميركا وهي تركيا، والأردن، وعراق ما بعد صدام حسين، و«إسرائيل»، فإنه سيسهل الضغط عليها للقضاء على حماس، والجهاد الإسلامي، وحزب الله. ولفت ليمان أخيرا، إلى ان بوش، لم يقرأ ما ورد في كتاب وورمسر، ولكن خطاب «حال الاتحاد» الذي ألقاه الرئيس الأميركي، لمح إلى ان الولايات المتحدة ستفرض أجندة عراق ما بعد الحرب على الشرق الأوسط.
دعوات بعدم توسيع الحرب
وألقى دانييل بايبس في «نيويورك بوست»، أيضا الضوء على دور الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط بعد الإطاحة بالنظام العراقي، من خلال الإشارة أيضا إلى ما ورد في مقال فؤاد عجمي، اللبناني المتخصص في شئون الشرق الأوسط، والذي كتب في مجلة «فورين أفيرز»، انه يجب على الولايات المتحدة أن تقوم بتحديث وتطوير العالم العربي بعد إنجاز مهمة الإطاحة بالنظام العراقي وتدمير أسلحته. وأضاف بايبس، ان عجمي، اعتبر ان تحقيق نصر أميركي في العراق، سيشجع العرب الذين يسعون إلى النهوض من التخلف السياسي. من ناحية ثانية أشار بايبس، إلى ان المحلل الاستراتيجي أندرو باشيفيكن، لديه رأي مختلف، فهو دعا في مقال له في «ناشيونال ريفيو»، الولايات المتحدة إلى حصر اهتمامها بالعراق، وعدم توسيع خططها باتجاه العالم العربي. إذ ان باشيفيكن، اعتبر ان العرب ليسوا مهيئين بعد للديمقراطية وذلك بسبب عوامل تاريخية وثقافية ودينية. ورحب بايبس، بالتحولات في موقف باول، فرأى ان كلام باول عن إعادة تشكيل خريطة الشرق الأوسط بعد الإطاحة بالنظام العراقي يشكل مؤشرا على انه حتى أكثر الأعضاء حذرا داخل إدارة بوش بدأوا يقتنعون بصوابية وجهة النظر الطموحة هذه..
من جهته، نشر موقع سي.إس.آي.إس (مركز الدراسات العالمية والاستراتيجية) من خلال موقعه على الإنترنت، نص المداخلة التي عرضها رئيس مركز الدراسات العالمية والاستراتيجية أنطوني كوردسمان، أمام لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس، والتي جاءت تحت عنوان «قضايا الأمن وأسلحة الدمار الشامل في عراق ما بعد صدام حسين». وتحدث كوردسمان، في دراسته عن الحاجة إلى معرفة بعض الحقائق عن العراق، والشرق الأوسط، والرأي العام العالمي التي قد لا تكون متوافقة مع أهواء الكثيرين داخل الولايات المتحدة. معتبرا انه إذا سارت الأمور بشكل جيد فإن الولايات المتحدة ستتخلص من الدكتاتور العراقي، ومن التهديدات الجدية التي تفرضها أسلحة الدمار الشامل. ولكن كوردسمان، أشار إلى ان عملية نزع الأسلحة في منطقة الشرق الأوسط لن تنتهي. كما ان عملية نزع السلاح العراقي ستستغرق بين 3 إلى 6 أشهر، لكن الأميركيين لا يستطيعون التخلص من العلماء العراقيين. وأضاف ان واشنطن سترفع العقوبات في مرحلة لاحقة عن حكومة ما بعد صدام حسين، وستفرض عليها بعض اتفاقات الحد من الأسلحة، ولكن هذا الأمر لن يقيد بغداد أو العواصم المجاورة لها. كما رأى ان الولايات المتحدة ستواجه أيضا بمطالب جديدة للعمل على الجبهة الفلسطينية - الإسرائيلية. واعتبر كوردسمان، انه يجب على الأميركيين المؤيدين للحرب أن يفهموا بأن الخروج من العراق، هو أهم بكثير من دخوله. موضحا انه إذا كانت الولايات المتحدة عاجزة عن بناء عراق ليبرالي قادر على بناء قراراته الأمنية، والنفطية، والسياسية، فإنه يجب عدم خوض هذه الحرب.
النفط ولاشيئ سواه
وعن الأهداف من حرب أصبحت حتمية، كما يبدو من التقارير الأميركية، رأى غلوبل انتلجنس (مركز الدراسات والأبحاث الجيوسياسية) من خلال موقعه على الإنترنت، انه على رغم ادعاءات المناهضين للحرب الأميركية ضد العراق، فإنه ليس صحيحا ان النفط هو الدافع الرئيسي للولايات المتحدة لخوض الحرب. غير ان الموقع لفت إلى انه على رغم ان النفط ليس الهدف الرئيسي للولايات المتحدة، فإن عائدات النفط العراقية ستشكل المصدر الرئيسي لعملية إعادة بناء العراق، بعد الإطاحة بنظام صدام حسين، التي تستلزم حوالى 400 مليار دولار أميركي. وأضاف الموقع ان إعادة بناء العراق، وزيادة عملية إنتاج النفط العراقي التي تتطلب حوالى 30 مليار دولار، ستؤمن فرصا تجارية مهمة لشركات النفط الأميركية والعالمية. إذ ان إنتاج النفط العراقي سيزداد من 2,4 مليون برميل إلى 6 ملايين خلال العقد المقبل. وأوضح الموقع، ان الاستهلاك العالمي للنفط هو بحدود 77 مليون برميل يوميا، وبالتالي فإن حجم النفط الإضافي الذي سيقدمه العراق، لن يؤثر كثيرا على حاجات السوق العالمية، لكنه سيساعد بشكل كبير في تعزيز الاقتصاد العراقي. وبالتالي رأى الموقع القول ان الحديث عن ان الولايات المتحدة، تعمل على تعريض حياة آلاف من جنودها للخطر من أجل نسبة ضئيلة من النفط العالمي، هو كلام يفتقد إلى المنطق، وحتى لو كان هذا النفط يشكل منفعة مباشرة لشركات النفط الأميركية.
أخيرا، جاء لافتا أيضا ما نقلته «ميدل إيست نيوزلاين»، عن مصادر سعودية مسئولة، تقول ان المملكة تلقت تأكيدات بأن القوات العسكرية الغربية ستغادر الأراضي السعودية بعد سقوط النظام العراقي وعودة الاستقرار إلى العراق
العدد 165 - الإثنين 17 فبراير 2003م الموافق 15 ذي الحجة 1423هـ