«التسطيح»، «الإدانة» أو «التجاهل»... تلك هي الزوايا القاعدية الثلاث للمثلث الذي يختصر علاقة وسائل الإعلام بالمرأة التي تخوض الحقل السياسي. تلك الزوايا الثلاث التي أثبتت كثير من الدراسات الغربية، وتحديدا في الولايات المتحدة الأميركية، أن وسائل الإعلام تتعامل بها أو بأحدها كلما كتبت أو عرضت شيئا عن امرأة تعمل في الحقل السياسي.
كثير من تلك الدراسات أثبتت أن وسائل الإعلام تعتبر أحد المعوقات الرئيسية أمام المرأة عندما تريد أن تخوض المعترك السياسي، فهي إما تتجاهلها تماماَ، أو تدينها دوما، أو تسطحها معتبرة إياها شيئا تافها لا وزن ولا قيمة له في التغطية الإعلامية. هذه الزوايا الثلاث نابعة من مبدأ رئيسي يصنفها دائما على أنها «أنثى»، أينما كانت ومهما فعلت، بينما لا يفعل الشيء نفسه مع الرجل.
تميل التغطيات الإعلامية مثلا إلى التركيز على شكل المرأة، كيف تبدو، ماذا ترتدي، كلها مؤشرات نابعة من كونها أنثى قبل كل شيء، وهي جميعها مؤشرات عكسها المجتمع بتعاطيه الطويل معها على أساس أنها بعيدة جدا عن الحقل السياسي، ذلك البعد الذي تعوده الأفراد منها، فلما بدأت تدخل في المعترك السياسي، استمرت النظرة إليها، مهما كانت مواقفها أو كفاءتها، على أساس أنها «أنثى» أولا، وتأرجحت بين أضلاع ذلك المثلث، إما تسطيح أو إدانة أو تجاهل.
الحق أنني سقت هذه المقدمة الطويلة تعليقا على «الحملة الشعواء» التي شنتها إحدى الصحف المحلية أخيرا ضد النائبة الوحيدة في البرلمان لطيفة القعود، واستخدمت فيها قصيدة عصماء اختصرت علينا المسافة في البحث والتقصي عن مثال «محلي» يؤكد ما سبق أن ذكرته في مقدمة المقال مما أثبتته الدراسات الغربية عن التصوير الإعلامي للمرأة التي تعمل في الحقل السياسي.
بين كلمات تلك القصيدة التي لم تتسق مع أي من بحور الشعر - ربما لأن من نظمها وضعها على عجل ليلحق بموعد الطباعة - تفوح رائحة نتنة من»زاويتين حرجتين» من زوايا ذلك المثلث نفسه... تسطيح وإدانة. أما الزاوية الثالثة «التجاهل» فيبدو استخدامها مطلبا عزيزا، فليتهم نزحوا لتجاهلها بدلا من تسطيحها وإدانتها بذلك الشكل.
منبع الانتقاد الرئيسي للقعود هو وقوفها مرتين مع المعارضة في التصويت داخل قبة البرلمان، وبغض النظر عن صحته، فهو موقف سياسي قابل للانتقاد. إن انتقاد مواقف القعود، هي وغيرها من النواب، لا ضير فيه، انتقاد أفكارها، رؤاها السياسية، قراراتها، اقتراحاتها، أمر لا بأس به، بل هو مطلوب لكل نائب في البرلمان، والانتقاد حتى لو كان حاداُ أو شديد اللهجة فهو في النهاية أمر يجب أن يكون مقبولا ومن المتوقع أن يكون مستساغا من كافة نواب الشعب، ولا فرق فيه بين رجل وامرأة، فالمرأة يمكن أن تنتقد مواقفها مثلما يمكن أن تنتقد مواقف الرجل سواء بسواء. غير أن المرفوض هو النزول بمستوى الانتقاد إلى عبارات «سوقية» و»مريضة»، تحاكم لطيفة على اعتبارها أنثى رفاعية، جنوبية، وتتبجح في ذكر الأمثال الشعبية التي تنزل من مستوى أية سيدة بحرينية، فما بالك بالنائبة الوحيدة في البرلمان، فقط لأنها كانت تملك موقفا مستقلا، ورأيا حرا.
لطيفة لم ترد بعد على ما كتب عنها من إهانة، وحسنا فعلت، فـ «التجاهل»... الزاوية الثالثة التي لم تستخدمها معها تلك الصحيفة، هو ردة الفعل الوحيدة التي يمكن أن تواجه بها مثل ذلك الخطاب.
ولا شك من أن الواعين من الناس - وهم كثر - يعرفون بأنها لو لم تكن شجرة مثمرة لما رموها. الكمال الذي نشد على يديها في أن تترجمه في مواقف صلبة مستقلة لا تحيد، مع المعارضة أو ضدها، لا فرق، المهم أن تكون مواقف وطنية نابعة من كفاءتها وقدرتها كنائبة، وكأنثى.
إقرأ أيضا لـ "ندى الوادي"العدد 1646 - الجمعة 09 مارس 2007م الموافق 19 صفر 1428هـ