حديثنا معني في الدرجة الأولى بعموم النساء في دول مجلس التعاون وليس بنخبها. فواقع المشاركة السياسية للمرأة الخليجية في جهة تبوّئها مراكز اتخاذ القرار تشريعيا أو شوريا واقع مسيء ومخجل. لقد فرض تطور المجتمعات الخليجية خطوات كبرى في مجالي تعليم المرأة وعملها وهما مجالا القياس الحقيقي لتقدمها. فلم تتقدم المرأة الخليجية بما تحوزه من مال ولا بما ترتديه من ماركات الملابس أو بما تسكبه من عطور وتضعه من مساحيق زينة. المرأة الخليجية تقدمت بعلمها وعملها والوقت يلح الآن على الأخذ بخطوات أخرى نحو تحقيق حضورها المجتمعي ومشاركتها الفاعلة في الشأن العام. من جانب آخر فالغياب السياسي للمرأة الخليجية لا يتلاءم مع العصر الذي نعيش بما يميزه من اهتمام عالمي واسع بإرساء الحقوق الإنسانية للمرأة ولا مع الجهود المبذولة لصون تلك الحقوق وتفعيل القوانين والمواثيق التي تنص عليها.
المرأة الخليجية في واقع يكاد يضعها في نهاية قائمة نساء العالم في مجال تفعيل حقها السياسي وتحقيق ممارستها الفعلية له.
المرأة الإماراتية ظلت بعيدة عن المشاركة السياسية المقتصرة أصلا على تعيين مواطنين في عضوية المجلس الوطني الاتحادي وهو هيئة استشارية لا تملك أية صلاحيات تشريعية.
وعلى رغم أن المجلس قد بدأ عمله منذ العام 1972، إلا أن المرأة الإماراتية ظلت مغيبة عن المشاركة في عضويته. وفي العام الماضي قررت دولة الإمارات إدخال بعض التطوير في نظام مشاركة المواطنين بعضوية المجلس، فأقرت انتخاب نصف أعضائه وأقرت مشاركة المرأة في عضويته. وتم ذلك تحت مظلة نظام حصص معينة أساسها اختيار حكام الإمارات 6600 مواطن لممارسة حق التصويت والترشح من بينهم 1100 امرأة. وقد ترشحت بالفعل 65 امرأة في الانتخابات التي جرت أواخر العام الماضي فازت منهن مترشحة واحدة فقط هي أمل القبيسي عن إمارة أبو ظبي. وتلا ذلك تعيين ثماني سيدات في المجلس ذاته.
والمرأة البحرينية ذات تاريخ مشهود في المطالبة بحقها في المشاركة السياسية فقد رفعت عرائض الاحتجاج منذ الاستقلال حين أقصيت عن المشاركة في أول انتخابات تجرى في البلاد لمجلس تأسيسي يضع دستورا للدولة في 1973 وفي أول انتخابات برلمانية في 1974.
ومنذ حل المجلس الوطني في 1975، شاركت المرأة البحرينية جنبا إلى جنب مع الرجل في المطالبة بتفعيل الدستور وعودة الحياة البرلمانية.
المرأة البحرينية وحالما حصلت على كامل حقوقها السياسية في عهد جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة شاركت بنسبة 49 في المئة في التصويت على الميثاق ثم نشطت في المشاركة في الدورتين الانتخابيتين 2002 و2006 للانتخابات البلدية والنيابية ترشحا وانتخابا. ترشحت 31 امرأة لأول انتخابات بلدية وثماني نساء لأول انتخابات نيابية العام 2002 ولم تتمكن أي من المترشحات من الفوز. ولانتخابات 2006 ترشحت 5 نساء للانتخابات البلدية و 16 مترشحة للانتخابات النيابية، ولم يتحقق للمرأة إلا فوزا يتيما بوصول النائبة لطيفة القعود للكرسي النيابي بالتزكية. وقد تم تعيين 6 نساء لعضوية شورى 2002 و9 لشورى 2006.
المرأة السعودية حققت مستويات متقدمة في التعليم ونشطت نخبها في مجالات الثقافة والأدب والنشاط الاجتماعي من خلال ما يفوق العشرين جمعية نسائية.
على رغم كل ذلك فالمرأة السعودية لم تزل تقبع في الهامش من حيث ممارسة حقها في المشاركة بالشأن العام السعودي.
لم تحظ المرأة السعودية بعضوية مجلس الشورى المعين والذي يشكل الوجه الوحيد للمشاركة السياسية للمواطن السعودي. كما حرمت المرأة السعودية من حق المشاركة في أول انتخابات بلدية جرت أخيرا في البلاد. وهي لم تزل بعد لا تملك حق الولاية لا على نفسها ولا على مالها. وبعد مطالبات طويلة منحت حق قيادة السيارة وفق شروط وقيود.
وأحسب أن الهيمنة الروحية والمعنوية لرجال الدين في المملكة لمّا تزل تعيق الخطوات الإيجابية في مجال تمكين المرأة التي يتجه نحوها صاحب القرار وأحسب أيضا أن صراعا يجري في السعودية لاختراق هذه الهيمنة على مقدرات المرأة السعودية.
لقد اتخذت الحكومة السعودية أخيرا مجموعة إجراءات باتجاه التمكين السياسي التدريجي من قبيل استدعاء بعض المتخصصات لحضور اجتماعات اللجان بمجلس الشورى وتعيين ست مستشارات غير متفرغات بالمجلس. المشاركة السياسية للمرأة العمانية مرتبطة بالهامش المتاح للمواطنين في إطار المشاركة الشورية.
لقد تم تضمين نظام مجلس الدولة والشورى في السلطنة ما ينص على عضوية سبع نساء من العدد الكلي للأعضاء الخمسة والخمسين.
وأعطيت المرأة عددا من المقاعد بالتعيين في المجالس البلدية. ومنذ العام 2003 تم الأخذ بنظام الانتخابات الجزئي لعضوية المجلس. وفي انتخابات العام ذاته استخرجت المرأة العمانية بطاقات انتخاب بما يعادل 35 في المئة من مجموع عدد الناخبين. وترشحت 15 امرأة فازت منهن اثنتان هما: لجينة محسن الزعابي ورحيلة عامر الريامي. ثم تم تعيين 9 نساء في مجلس الدولة. ومع دخول الألفية الثالثة أقرت الدولة قوانين انتخابية جديدة سمحت بمشاركة أكبر للمرأة في عملية التصويت.
في دولة قطر تسعى القيادة إلى تمكين المرأة على صعيد المشاركة السياسية فقد أعطى نظام انتخاب أعضاء المجلس البلدي المركزي العام 1998 المرأة القطرية الحق في الترشح والانتخاب. وقد شاركت القطريات في أول انتخابات بلدية بنسبة 45 في المئة وترشحت لخوضها 6 مترشحات لم يتحقق الفوز لأي منهن. ثم خاضت المرأة القطرية الدورة الثانية من الانتخابات في أبريل/ نيسان 2006 وتمكنت مترشحة واحدة هي السيدة شيخة الجفيري من تحقيق الفوز بعضوية المجلس البلدي. وفي مجال تفعيل المشاركة السياسية للمرأة فقد أشركت نساء قطريات في لجنة وضع الدستور القطري وينتظر أن تشارك المرأة القطرية في أول انتخابات برلمانية في قطر.
وفي الكويت ذات التجربة البرلمانية الطويلة والعريقة فإن المادة الأولى من قانون الانتخابات التي تقصر حق الانتخاب والترشح لمجلس الأمة على المواطنين من الرجال قد حرمت المرأة من حقها السياسي. وبهذا غيبت المرأة الكويتية طوال أربعين عاما على رغم محاولات عديدة (12محاولة) لتعديل المادة لم تكلل أي منها بالنجاح. وقد تعددت وتنوعت مطالبات المرأة الكويتية بحقها السياسي حتى أقر مجلس الأمة الكويتي في العام 2005 ذلك الحق.
وفي يونيو/ حزيران 2006 شاركت المرأة الكويتية بنشاط في الانتخابات البرلمانية ناخبة ومترشحة، فخاضتها 32 مترشحة من مجموع 402 مترشحين لكن النجاح لم يحالف أيا من المترشحات.
بالنظر لواقع المشاركة السياسية للمرأة في دول مجلس التعاون يمكن ملاحظة هيمنة التوجهات المجتمعية العامة نحو إقصاء المرأة عن بلوغ مراكز اتخاذ القرار السياسي. ذلك لعدم توافر قناعة بإمكانات المرأة في تبوؤ تلك المناصب وغياب الثقافة العامة التي تعتد بدور المرأة المحوري في عملية التنمية المجتمعية الشاملة. وتظهر تجربة معظم الدول الخليجية في مجال التمكين السياسي للمرأة أنه لا مناص من الأخذ بنظم الحصص النسائية في توصيل المرأة لمراكز اتخاذ القرار. وقد سارت الدول المذكورة على هذا النهج بالفعل باعتماد آلية التعيين على أنواعها. ولكي لا يظل النظر لآلية التعيين على أنها شرفية من جهة ومحققة لكسب نقط لصالح دول الخليج على مستوى المعايير الدولية، فإن هذه الدول مطالبة بتبني آليات الحصص النسائية في مجال الممارسة الديمقراطية للمرأة بإقرارها في نظم الانتخابات السياسية.
إقرأ أيضا لـ "فوزية مطر"العدد 1646 - الجمعة 09 مارس 2007م الموافق 19 صفر 1428هـ